الكنز في الصعيد!

الكنز في الصعيد! الدكتور علي مهران

الرأى16-2-2023 | 19:33

- الصعيد يسابق الزمن لتعويض سنوات طويلة من الإهمال.. و"حياة كريمة" أعادت الأمل المفقود منذ عقود
- الصعيد يحتاج لإعادة اكتشاف كنوزه لتكتمل المعجزة على أرضه بالتزامن مع المشروعات التي تسير بشكل متوازي وفي نفس التوقيت وبأعلى معدل إنجاز

نشأت في صعيد مصر بين جمال الطبيعة وسحرها وحضارته العبقرية التي تركها الأجداد لتكون مصدر فخر على مر التاريخ. ولم تكن صدفه أن يحظى صعيد مصر بكل هذا الاهتمام من الأجداد الفراعنة الذين اهتدى العالم بعلمهم وثقافتهم وحضارتهم وتراثهم. تربيت في صغري بين تاريخ نفخر به وواقع نتحسر عليه أنا وأبناء جيلي، فبينما كانت العاصمة تتلألأ أنوارها وتتزين طرقها بالأشجار والأزهار والورود وتباهي عواصم العالم بمقاهيها ونواديها ومسارحها وأغانيها، كنا نعيش على بعد مئات الكيلومترات منها بالساعات وربما بالأيام والأسابيع بلا كهرباء ولا مياه شرب نظيفة ولا شوارع آدمية حتى تحويل الصعيد لمنفى لكل موظف فاسد أو مقصر في أداء عمله، حيث كانت عقوبة النفي إلى الصعيد مزلزلة لكل من يسمعها.

كان لدينا دائما الأمل بأن القادم أفضل وخصوصا بعدما خرج من بيننا رئيس يحكم مصر وهو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أعاد إلينا الحلم الذي زرعه الملك مينا موحد القطرين. دارت الأيام ومرت السنين بسرعة نمر في كامل قوته، بينما كان قطار تنمية الصعيد يسير بمنتهى البطء كالسلحفاة في عز الوهن، حتى كانت النتيجة أن تصدر صعيد مصر قائمة المحافظات الأكثر فقرا على مستوى الجمهورية، بل نالت محافظتي أسيوط بالشراكة مع محافظة سوهاج النصيب الأكبر من عدد القرى الأكثر فقرا على مستوى الجمهورية بمقدار 46 قرية بلغ معدل الفقر فيها من 80 إلى 100 بالمائة.

ومع كل هذا، بقي أهل الصعيد على ثبات موقفهم، يعتزون بتاريخهم وتقاليدهم وعاداتهم ويأملون في غد مشرق ينتزع الصعيد من جدول الفقر، وفي كل تحد وطني، كان أهل الصعيد دائما أول من ينحاز إلى خيار الوطن ونبذ كل من يحاول تقسيم المواطنين إلى جماعات أو تيارات داخل الوطن.

وفي يوم من الأيام، وتحديدا في الثاني من يناير عام 2019، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة حياة كريمة التي كانت انطلاقتها الأولى من القرى الأكثر فقرا ب الصعيد وتطورت حتى وصلت الآن لكل شبر تقريبا في الصعيد الذي بات يسابق الزمن لتعويض سنوات بل عقود طويلة من الإهمال، وباتت مبادرة "حياة كريمة" هي الأمل المفقود للصعيد منذ عقود. حينما تزور الصعيد، ستشعر وكأن هناك قوة عظمى تعمل على نقل العديد من المناطق ب الصعيد من إلى حياة القرن الحادي والعشرين حيث البيوت ذات الأسقف الخرسانية والحوائط ذات الدهان المبهج والشوارع المنيرة المنظمة والمدارس المحدثة والوحدات الصحية المطورة ومجمعات الخدمات الحكومية ومحطات رفع المياه ومد خطوط المياه النظيفة للمنازل وغيرها من الأمور. الأمر يشبه المعجزة بالنسبة للصعيد الذي لم يطله يوما يد التطوير والتحديث كما يحدث له الآن، فكل المشروعات تسير بشكل متوازي وفي نفس التوقيت ومعدل الإنجاز، والأدهى أن كل هذا يتحقق في ظل أزمات عالمية متتالية! إنها حقا معجزة.

لم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل كان للصعيد نصيب كبير من مشروعات البنية التحتية في الطرق والكباري والمشروعات الكبرى والتي توجها السيد الرئيس بأسبوع الصعيد في أواخر عام 2021 حيث افتتح السيد الرئيس في أسيوط مجمع إنتاج البنزين بشركة أسيوط لتكرير البترول، وكذلك 11 محطة مياه و8 مستشفيات مجهزة بأحدث وسائل الرعاية الصحية المتكاملة لخدمة أهالي الصعيد، و5 مجمعات صناعية مجهزة بجميع المرافق في قنا، إضافة إلى أكبر مشروع استصلاح زراعي وأحدث المشروعات القومية العملاقة في توشكى، فضلًا عن أكبر مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية من الخلايا الشمسية على مستوى العالم في بنبان بأسوان... حقا إنها معجزة!

واليوم بات الصعيد بثرواته الطبيعية والبشرية مستعدا للعب دور أكبر وأكثر تأثيرا في التنمية الحقيقة ليكون كنز مصر وخصوصا في ظل الظروف الراهنة، ف الصعيد يعني الأرض الخصبة والبيئة الصالحة للإنتاج الزراعي والحيواني والتصنيع بمختلف أنواعه، وذلك بالإضافة إلى اليد العاملة التي طالما هاجرت أو هجرت بلادها سعيا إلى العمل بالمصانع أو بالتجارة في العاصمة أو في بعض محافظات الدلتا.

لقد فعلها الرئيس السيسي بأن تحققت النقلة النوعية للحياة في الصعيد، ولكي تكتمل المعجزة، بات الدور الآن على كل مسئول في محافظات الصعيد – كل في موقعه - أن يبادر ويبحث عن فرص التنمية والاستثمار الحقيقي. إنني أدعو المحافظات وهيئة تنمية الصعيد وهيئة التنمية الصناعية وغيرها من الهيئات التي يجب أن تكثف العمل من أجل جذب الاستثمارات للصعيد للاستفادة من موقعه الجغرافي المتميز وثرواته التي لا حصر لها.

وبالتزامن مع الحراك على المستوى التنفيذي في الحكومة المصرية، باتت كنوز الصعيد اليوم أكثر وضوحا. فمن يتولى المسئولية اليوم أمامه صعيد مختلف تماما عن سابقه. ومن هنا، لا بد من إعادة النظر للصعيد بشكل مختلف بعد كل ما تحقق على أرضه من إعجاز، لتبدأ عمليا إعادة اكتشاف كنوز الصعيد بدء من طاقات البشرية الهائلة وشبابه المخلص الواعد ومرورا بالفرص الاستثمارية الواعدة فيه بما في ذلك المدن الصناعية والإنتاجية الموجودة بالفعل وحتى الثروات الطبيعية الهائلة.

إنني أدعو للاستفادة من الجامعات والمؤسسات التعليمية والتدريبة في الصعيد واستغلالها لإطلاق ورش العمل سواء لتقديم مقترحات بمشروعات قابلة للتنفيذ، أو من خلال إطلاق البرامج التدريبية التي ترتقي بالعنصر البشري وتؤهل شباب الصعيد للتخصصات التي تطلبها الشركات والمؤسسات الاستثمارية التي تتجه نحو الصعيد. كما أدعو المستثمرين وأصحاب المشاريع لمنح الأولوية في العمل بالمشروعات لشباب الصعيد والمساهمة في تدريبهم.

لقد توفرت الإرادة الحقيقية المخلصة لتنمية الصعيد فتحققت، ولا بد أن تتوفر الإرادة الحقيقية لتطوير قدرات أهل الصعيد حتى يتحقق ذلك. إن شباب وفتيات الصعيد هم عنوان للوطنية والإخلاص والإيمان بالعمل، ومن بينهم الطبيب والمهندس والمدرس والمزارع والعامل والفني وجميع التخصصات التي لا بد من استثمارها، فهم حقا الثروة والكنز.

أضف تعليق