خلال حديثه فى الجلسة الحوارية بالقمة العالمية للحكومات بدبي قال الرئيس السيسي: «اللى بيتعمل منذ 8 أشهر أو سنة محاولة للعبث فى مساحة الثقة الموجودة بالدولة، من خلال الكذب والادعاء ومحاولات أخرى كثيرة لضرب الكتلة الصلبة المتمثلة فى الحكومة والقيادة المصرية».
كشفت كلمات الرئيس خلال حديثه عن التجربة المصرية حجم التهديدات والتحديات والأزمات التى واجهتها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية عقب أحداث 2011.
إنها تجربة جديرة بالتوقف عندها كثيرًا، فليست هناك تجربة شهدت مثل تلك التهديدات والتحديات والأزمات فاتخذت قرارًا بالتحرك فى خطوط متوازية للمواجهة وعلى كافة الأصعدة.
لم يكن الأمر سهلًا، ولم يكن أيضًا مستحيلًا، طالما كان هناك شعبٌ يؤمن بوطنه وقضيته وقيادة تحلم بغد أفضل لشعبها، وتحليل دقيق لحجم التحديات والتهديدات والأزمات، ورؤية واقعية لمسارات المواجهة، وقرار متدثر بثقة فى الله ونصره، وتنفيذ احترافي يسابق الزمن.
نجحت التجربة المصرية خلال تلك الفترة وما زالت رغم المتغيرات والأحداث و الأزمات العالمية المتلاحقة التى تضرب العالم وتزلزل أركان المحيط الخارجى للدولة، لكن لولا ما حدث من نجاحات للتجربة المصرية لما استطاعت أن تواجه آثار الأزمات العالمية.
أعود إلى كلمات الرئيس السيسي وأتوقف عند أدوات المعركة التى تدور رحاها حاليًا ضد الدولة المصرية، فلك أن تتخيل أن دولة تواجه أكبر معارك التضليل وتزييف الوعى فى الوقت الذى تواصل فيه مسيرتها وتنفيذ استراتيجيتها من أجل بناء دولة قوية فى محيط مضطرب.
فلك أن تتخيل دولة تواجه أكثر من 118 ألف شائعة فى عام واحد وبها أكثر من مليون حساب مزيف على السوشيال ميديا وقنوات على مواقع التواصل الاجتماعى تعمل - ليل نهار- على بث الإحباط وتشويه الحقائق وعناصر تعمل لحساب قوى تستهدف زعزعة الاستقرار، ومع مواجهتها لكل ما سبق تواصل تنفيذ استراتيجيتها للوصول إلى الهدف (الدولة القوية).
إنها معركة تزداد شراسة يوما بعد يوم ويظل حجر الزاوية فيها والرهان الرابح هو وعى الشعب وثقته فى قيادته وحكومته.
(1)
شهدت مواقع السوشيال ميديا طوفانًا جارفًا من الإحباط يستهدف زعزعة الثقة التى تحدثنا عنها للوصول إلى سيناريو صناعة الدول الفاشلة من جديد، لينطلق بهم إلى سيناريو الفوضى الذى تحدثت عنه كونداليزا رايس عام 2005 كمنتج لغرس استمر أكثر من 10 سنوات عقب إعلان المصطلح الأمريكى «The failed state» فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، وزاد الاهتمام بالمصطلح لدى وسائل الإعلام الغربية عقب أحداث11 سبتمبر 2001، وحدث تغير فى المعنى فأصبحت الدول الراعية للإرهاب، أو ما أُطلق عليها ذلك، هى المفهوم الغربى والأمريكى هى الدول الفاشلة.
وبحسب المفكر السياسى وعالم اللغويات الأمريكى «نعوم تشومسكي» صاحب كتاب «الدول الفاشلة» يشير هذا المصطلح إلى أحد تصنيفات الإدارة الأمريكية للدول التى يُراد التدخل فى شؤونها أو التقليل من شرعية سيادتها، بحجة أنها تمثل تهديدًا للأمن الدولي.
ومع سيناريو الفوضى الذى استهدف منطقة الشرق الأوسط عام 2011 وسبقه أكبر عملية تمهيد استهدفت تدمير الدول من الداخل ونشر حالة من عدم الرضا، قامت العناصر المؤهلة بالحديث عن الفساد لتقدم صورة للمجتمعات وكأنها غارقة فى فساد كامل، إنها مراحل مخططة للوصول إلى ما أُطلق عليه بعد ذلك الفوضى الخلاقة، وكان التحرك على مسارات وتعددها منها الطائفية، ووصم المجتمعات بالفساد، وإحداث حالة من عدم الثقة، وتشويه الرموز، وتغييب القدوة، وصناعة نماذج معلبة لتصبح القدوة للمجتمعات.
دفع ذلك السيناريو بالمنطقة نحو الفوضى مع استغلال حالة الدولة الرخوة أو الدولة الهشة التى كانت تسيطر على بعض الدول.
هنا كانت عملية الإقناع أكثر سهولة وقدرة على صناعة مريدين، وسقطت عدة دول فى الفخ، وتم الدفع بها لتغوص أقدامها بشكل أكبر فى تلك الفوضى غير الخلاقة، بل ويتم العمل على ترسيخ حالة الانقسام والتشرذم بها دون النظر إلى مستقبل الشعوب.
إنها أكبر عملية لإعادة سيناريو التقسيم الذى فشل فى عام 2011 ليظهر مرة أخرى من جديد متبعًا مسارات أخرى مختلفة.
الأمر الذى بات واضحًا من متابعتك فقط للسوشيال ميديا ومتابعة حالة النقاش فى ذلك الفضاء الإلكتروني وعلى صفحات العالم الافتراضى لترى شكلًا جديدًا من أشكال الفوضى، والتى بنظرة مدققة تجدها وكأنها تسير وفق منهجية قد لا يدرك أصحابها أنهم وقعوا أدوات فى أيادٍ خفية، ولكنها تعبث بأفكارهم وتقودهم بقوة إلى المسار المحدد لهم.
إنه طريق الانقسام والتشرذم والحديث المكذوب باسم الديمقراطية.. فما إن تختلف مع المطالب بالديمقراطية فى النقاش حتى تجده تحول فى لحظة إلى شخص ديكتاتوري لا يقبل الرأى الآخر.
وما إن تتحدث موضحًا حقيقة معلومات غير مدققة حتى يصيبك سيل من المصطلحات والمفردات المعلبة سابقة التجهيز، من قبل الكتائب الإلكترونية التى تعمل وفق منهجية الهجوم المركز على الخصم، فإن لم تستطع تلك الكتائب مواجهته وإقناع المتابعين بالتشكك فيما ذكره الخصم من معلومات، تبدأ بوصفه أنه يعمل على التطبيل للنظام.
إنها مسارات ممنهجة تستهدف إبعاد كل من يحاول تفنيد أو تدقيق المعلومات.
ليصبح السائد على السطح هى المعلومات المكذوبة والشائعات المعدة باحترافية لخلق حالة شعبية يمكن السيطرة عليها فى أى وقت والتحرك بها فى أى اتجاه.
إنها أحد أساليب الحروب غير التقليدية التى استغلت حالة الأوضاع الاقتصادية التى ضربت العالم وتأثر بها الشرق الأوسط بشكل كبير.
(2
فى 13 يناير الماضى كتب الأستاذ رشاد حامد على موقع تويتر تغريدة ردًا على سيل الأكاذيب الذى تبنتها كتائب قوى الشر حول تقرير صندوق النقد الدولى الأخير وما ذكره عن الحالة المصرية، وعنون تغريدته بحديث الإفك قائلًا: «بسبب جراحة زوجتى لم يكن لدى قدرة على الكتابة، ولا صبر على النقاش، ولذلك ابتلعت الغصة فى حلقى وأنا أرى الأكاذيب التى تنشر حول تقرير صندوق النقد الأخير. واليوم قرأت أكذوبة فجة أعاد نشرها أحد الأصدقاء، ووجدت نفسى لا أطيق صبرًا عن تفنيدها.
قرأت التقرير وهو من 107 صفحات- وليس 154 صفحة كما جاء فى منشور الأكذوبة-، ولم أجد كلمة واحدة عن البنية التحتية ولا أى ذكر لمشاريع تمت دون دراسات جدوى.
وعلى النقيض تمامًا، ذكر التقرير نجاح مصر فى اجتياز أزمة وباء كورونا، وتحقيقيها نموًا بلغ 6.6 % فى العام المالى 21/22 (صفحة 6 من التقرير)، وأوضح أن سبب هذا النمو هو زيادة قوة قطاع التصنيع، وقطاع النقل، وقطاع الاتصالات (لم يكن هذا ممكنًا بدون مشاريع البنية التحتية).
ولكن تسببت أزمة الوباء فى مشاكل مثل إرجاء الإصلاحات الهيكلية، وزيادة الدين، وتعرض مصر لصدمة بسبب خروج المستثمرين، ثم جاءت الحرب الأوكرانية وتسببت فى تفاقم المشاكل، وتسببت فى رفع أسعار السلع.
نعم يا ناشر الأكاذيب، أنتم تهولون، ودوافعكم خبيثة مثل خبث الورم الذى أصاب أحشاء زوجتي».
انتهت سلسلة التغريدات التى ذكرها الأستاذ رشاد حامد وأرفق بها رابط تقرير صندوق النقد الدولى ونشر صورًا من صفحات التقرير أشار بها إلى الجمل التى تؤكد صحة حديثه... ولم تمر سوى لحظات حتى تحولت إلى معركة جمعت فيها عناصر الذباب الإلكترونى وكتائب قوى الشر الإلكترونية أدواتها من الإفك والكذب لتشن هجومًا ضاريًا على الرجل وعندما فشلت بدأت فى تغيير استراتيجيتها لتصفه بأنه يجمل وجه النظام.
لم تكن تلك الواقعة سوى نموذج عكس ما تشهده ساحات الفضاء الإلكترونى من النقاش.
(3)
إنها خطوات ممنهجة تستهدف أى شخص يحاول كشف المعلومات المضللة، والشائعات، ووصفه بأنه يدافع عن النظام، ثم سرعان ما يتم استهدافه بالروبوتات لإغلاق حسابه أو تعطيله، فى الوقت ذاته يتم العمل وبقوة على ضرب الثقة بين المواطن والقيادة والتشكيك فى أداء الحكومة، من أجل خلق حالة من عدم الثقة، مستغلة حالة عدم الرضا لدى المواطن عن بعض القطاعات ومن هنا يكون المسار للوصول إلى الهدف.
وفى الحالة المصرية، تكون القيادة السياسية والجيش المصري في مرمى سهام مروجى الشائعات، لأنهم يدركون قوة وحجم الثقة بين الشعب المصرى وقواته المسلحة وقيادته، فقد وقف الجيش المصرى حجر عثرة أمام مخطط الفوضى وإعادة التقسيم، الأمر الذى يجعله هدفًا لشائعات قوى الشر بين الحين والآخر، فى محاولة للتأثير على تلك الثقة، الأمر الذى لن يحدث أبدًا، فالجيش المصرى هو من أبناء الشعب المصري، وستظل ثقة الشعب فى قيادته قوية، وحرصه على استقرار وطنه هدفًا لن يتنازل عنه أبدًا.
إن ما تشهده ساحات الفضاء الأزرق من تحركات لا تستهدف سوى صناعة دول هشة فى العالم الافتراضي، وإقناع الأذهان بها، والدفع بتلك الحالة لتسهيل السيطرة على عقول الشعوب، وتوجيههم نحو خلق الفوضى، لتسقط الشعوب فى بئر سحيق لا يعلم إلا الله متى سيخرجون منه.
إنها عملية جديدة فى طريق إعادة تقسيم الدول من جديد، وفق مسار تتحكم فيه أدوات الحروب غير التقليدية.
إن الهدف الأساسى الآن لقوى الشر هو ضرب الثقة بين المواطن والقيادة والحكومة وهى الكتلة المتماسكة لكى تتمكن قوى الشر من النفاذ بمخططها الشيطانى نحو تدمير الدول.
تجربة المصريين
سيظل المصريون على مدى التاريخ يقدمون للعالم تجربة تلو الأخرى يبهرون العالم بها، لقد نجح المصريون فى مواجهة التحديات فى توقيت متزامن، كما نجحوا من قبل فى الفكاك من سيناريو التقسيم، وسينجح المصريون فى مواجهة أكبر معارك تزييف الوعى ونشر الشائعات بالالتفاف حول القيادة السياسية، والحكومة لعبور أهم مراحل تاريخ الدولة المصرية.