تركها حسرة وفى رحابها مودة

تركها حسرة وفى رحابها مودةحسين خيرى

الرأى26-2-2023 | 13:43

شلة الأصدقاء على وشك الانقراض، وحين تنظر يمينا أو يسارا ترى أحمد يترجل وحيدا، وعلى بعد مترين منه يظهر رؤوف كمن يتحدث مع نفسه، معذرة لم ألمح سماعة الأذن، ووليد يعيش مع نفسه منزويا فى ركن من المقهى، وفى يده كوب شاي، حزمة من الصور تعكس حالة من الفردية وإيثاراً للعزلة، ومن بعيد تهل البشرى لتقطع حالة الفردية، فى آخر الشارع شاب يتأبط صديق، يتبادل معه الضحكات، وفى الشارع المجاور تتكرر نفس الضحكات بين صديقين ليس معهم ثالث.

ياليت تهل علينا من الزمن الماضي شلة النادي أو رفقة الطريق، فى وقت تتراجع فيه نسبة الصداقات التقليدية، ويتدافع الكبار والصغار من خلاله تجاه قبلة مواقع التواصل الاجتماعي، ويعقدون على صفحاتها روابط الصداقة، وينحرون عليها دماء الصداقة بشكلها القديم، ويصبون الماء على دفء مودتها.

لا تهون من شأن الصداقة، فإن تركها حسرة وألم، ولذا عكف باحثون على دراسة عنوانها "علم أعصاب الصداقة"، رصدت وجود شبكات عصبية هامة تترابط أثناء تكوين الصداقات، ويؤدي تعطيلها إلى مشاكل صحية، ونفس الأمر يحذر منه علماء النفس والاجتماع إذا تعثر الشخص فى تكوين صداقات، أو لم يتمكن من الحفاظ عليها، فقد تصيبه اضطرابات نفسية كالتوحد والاكتئاب.

ومن الأهمية بمكان وجود شلة أصدقاء فى بدء مشوار حياة الإنسان، حتى تساهم فى نموه العقلي بالإضافة إلى قدرتها على تطوير طريقة التفكير، ومن جهة ثالثة تعزز الثقة بالنفس، وكشفت دراسة عن تأثير الصداقة فى إطالة العمر، وبصفة عامة الصديق خير دواء لداء الوحدة المسببة للإحباط، وبالرغم من منافع الصداقة وأهمية العض عليها بالنواجز، فلابد أن تكون على حذر من الصديق المزيف المخادع، إنه يصدَر الإحباط، ويستغل الصديق فى خدمة مصالحه، ويسخر من الآخرين.

وعلى النقيض تماما الصديق الصدوق يحمل مع صديقه همومه، ويشعر معه أنه يتنفس بهدوء، وفى صحبته يغسل مخاوفه، ولكي تعرف الصديق الصدوق، تجده لا يصر على استغلاله فى قضاء مصلحته، ويحصد الإمام الشافعي تلك المعاني الأخيرة ببلاغته المعهودة فى أبيات شعرية، تشدو قائلة:

ولا خير فى خل يخون خليله

ويلقاه من بعد المودة بالجفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها

صديق صدوق صادق الوعد منصفا

أضف تعليق