تعديلات قانون الزراعة وجدل.. أزمة المياه وزراعة الأرز وحبس الفلاح

تعديلات قانون الزراعة وجدل.. أزمة المياه وزراعة الأرز وحبس الفلاحتعديلات قانون الزراعة وجدل.. أزمة المياه وزراعة الأرز وحبس الفلاح

* عاجل29-4-2018 | 18:36

كتب: على طه

قبل عدة أيام وافق البرلمان نهائيا على مشروع القانون الذى قدمته الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، والذي يهدف إلي تقنين زراعة محاصيل بعينها لترشيد استهلاك المياه.

ولم تمر الموافقة فى البرلمان مرور الكرام، ولكن مناقشة مشروع التعديلات المقترحىة أخذ حظه من الشد والجذب بين النواب ورئيس البرلمان حيث انحاز الأخير لتمرير مشروع القانون، وحجته أن مصر تعانى من الفقر المائى، وهو الأمر الذى يتطلب الترشيد في زراعة جميع المحاصيل ، وإعادة النظر في زراعة محاصيل بعينها، سواء بإعادة توزيعها بطريقة معينة، أو بإعادة النظر في طرق الرى، للاقتصار في المياه، فى حين طالب النواب الحكومة بالتوسع فى زراعات الأرز وإصرارهم على الخوض في نقاش اعتبره يثير قضايا حساسة، قائلا : هدفنا هو الحفاظ على المصالح العليا لمصر.

مشروع القانون

وتضمن مشروع القانون تعديل مادتين، شاملا مادة النشر، وتناولت المادة الأولى تعديل ثلاث مواد (1–2–101). ونص مشروع القانون المادة الأولى يستبدل بنصوص المواد (1-2–101) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 النصوص الآتية:

مادة (1): "لوزير الزراعة بقرار منه، بعد التنسيق مع وزير الموارد والري، أن يحظر زراعة محاصيل معينة في مناطق محددة".

مادة (2): لوزير الزراعة بالتنسيق مع وزير الموارد المائية والري، أن يحدد بقرار منه مناطق لزراعة محاصيل معينة دون غيرها من الحاصلات الزراعية، وله أن يستثني من ذلك مزارع الوزارة والحقول الأخرى التي تستعمل للتجارب والإكثارات الأولى للمحاصيل".

  مادة (101): "يعاقب كل من خالف أحكام القرارات التي تصدر تنفيذا لإحدى المواد (1-2-3-4 /أ,ب,ج ,د , 21 فقرة أولى) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه عن الفدان أو كسور الفدان، ويحكم بإزالة المخالفة على نفقة المخالف ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر .

المادة الثانية ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره ويبصم هذا القانون بخاتم الدولة وينفذ كقانون من قوانينها.

عقوبة الحبس التى نص عليها مشروع تعديلات القانون أثارت لغطا كبيرا بين الفلاحين، وفى تصريحات لنقيب الفلاحين حسين أبو صدام،  قال الأخيرك " نحن مع سياسية الدولة في ترشيد المياه لكن تحفظنا على نص المادة "101" بتشديد عقوبة حبس الفلاحين بما لا يزيد على ستة أشهر بجانب الغرامة المالية"، مضيفا: "لا نتمنى حبس الفلاح، لأنه لم يفعل شيئا يعاقب عليه بالحبس سوى الزراعة".

لكن للحقيقة وجه آخر - كما يقولون - وحقيقة أزمة المياه، وتأثيرها على مصر، ومواد القانون المعدّلة وتأثيرها على الفلاح، ومساهمتها فى ترشيد المياه ، وضع خبير القانون العام، ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية د. عادل عامر، دراسة نشرها اليوم الأحد على موقع "التجديد العربى" وجاء فيها:

[caption id="attachment_135079" align="aligncenter" width="492"] خبير القانون العام، ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية د. عادل عامر[/caption]

مسئولية الدولة

أن العدالة في توزيع المياه، مسؤولية الدولة، ونعمل على إعادة الدورة الزراعية بطريقة غير مباشرة.

ويمنح مشروع القانون لوزير الزراعة بالتنسيق مع وزير الري طبقا للسياسة العامة للدولة أن يصدر قرارًا بحظر زراعة محاصيل معينة من الحاصلات الزراعية في مناطق محددة، والتي قد تكون شرهة للمياه بغية الحفاظ على المقنن المائي وترشيد استخدام المياه

ويهدف مشروع تعديلات القانون (سالف الذكر) إلى التنسيق بين الوزارات المعنية في شأن تقرير حظر زراعة محاصيل معينة من الحاصلات الزراعية في مناطق محددة والتي قد تكون شرهة للمياه، حفاظا على المياه وترشيد استخدامها.

 وأجاز مشروع القانون لوزير الزراعة واستصلاح الأراضي بالتنسيق مع وزير الموارد المائية والري إصدار قرار لتحديد مناطق لزراعة أصناف معينة من الحاصلات الزراعية دون غيرها من المحاصيل للحد من اختلاط السلالات والحفاظ على نقاوة التقاوي والأصناف.

ومنح مشروع القانون وزير الزراعة واستصلاح الأراضي سلطة استثناء تطبيق نصوص القانون على المزارع والحقول المخصصة لأغراض التجارب والإكثارات الأولى للمحاصيل، وتشديد عقوبة الحبس ومضاعفة الغرامات المقررة على مخالفة نصوص هذا القانون. أن هذا التعديل أقام سياسة لتوزيع المحاصيل المختلفة بشكل يتناسب مع السياسة العامة في الدولة، وأنه في السابق كانت هناك عشوائية في الزراعة، حيث يقوم المزارع بزراعة ما يشاء من محصول وبأي مساحة دون تدخل الحكومة، ما ينتج عنه مشاكل في التسويق والتصدير.

تنظيم زراعة المحاصيل

ويؤكد مشروع القانون أهمية تنظيم زراعة المحاصيل المختلفة للحفاظ على خصوبة وجودة الأراضي الزراعية، والحفاظ على الموارد المائية ونوعيتها وتقليل تكاليف الزراعة وأعمال خدمة المحاصيل وتنظيم الري والحد من إهدار المياه في زراعات تفتقد الجدوى الاقتصادية أن المساحة الزراعية لمصر التي تبلغ نحو 5.5 مليون فدان أرض قديمة، و2.8 مليون فدان أرض زراعية تم استصلاحها منذ عام 1952، ومنها مليون فدان مستصلحة بين أعوام 1952 حتى عام 1970 وهي ما باتت تعرف باسم الأراضي القديمة الجديدة يتم إهدارها بشكل متوالٍ بسبب التجريف والبناء وقد بلغ حجم هذا الإهدار نحو 1,5فدان حتى عام 2015.

كما يتم إهدار جزء كبير من الموارد المائية التي تبلغ نحو 55 مليار متر مكعب من النيل تستخدم الزراعة منها نحو 45 مليارًا، ويعاد استخدام 12,9 مليار من مياه الصرف الزراعي و4.8 مليار من المخزون الجوفي وما يقرب من المليار من مياه الأمطار أي أن إجمالي ما تستخدمه الزراعة نحو 62.7 مليار متر ان الخلل البين بين الواردات والصادرات الزراعية الذى يؤدى إلى مزيد من انتاج الازمات وارتفاع الاسعار خاصة بالنسبة لمحاصيل القمح، الذرة، السكر خام، الفول، العدس، البطاطس، الحمص، والشحوم والزيوت، ومنتجات اللحوم والأسماك وخلافه، والمنتجات الغذائية الأخرى حيث لان إجمالي الصادرات الزراعية بلغ عام 2012 نحو 27 مليار جنيه، بينما بلغت الواردات نحو 58 مليار جنيه.

تخلف طرق الزراعة

وأدت السياسات والممارسات الزراعية إلى تخلف طرق الزراعة وإهدار قدر كبير من إنتاجنا الزراعي بداية من عمليات إعداد الأرض للزراعة، حتى عمليات الحصاد، وهذه الممارسات البدائية تفقدنا أكثر من 40% من إنتاجنا الزراعي، كما أن أسلوب الري منخفض الكفاءة يتسبب في إهدار أجزاء كبيرة من المياه والأرض والإنتاج المحصولي.

أن الأسباب الحقيقية تعود إلى سوء تعامل المزارعين مع المياه ومخالفتهم لقرارات زراعة الأرز وعدم الترشيد في استخدام المياه وتهافت المزارعين في وقت واحد لري أراضيهم أو زراعة نفس المحصول أو تراكم أكوام القمامة بالترع وطالبوا المزارعين بالصبر والتحمل وعدم القلق! وتبرز أهم مظاهر المشكلة في جفاف الترع وموت الزرع والشتلات وتأخر زراعة المحاصيل الصيفية مما يؤثر بالسلب في الإنتاجية، وقد تعامل بعض المزارعين مع المشكلة برى أراضيهم من مياه الصرف أو ري أراضيهم بالخراطيم.

أسباب أخرى

وتعود أسباب المشكلة أيضا إلى إهمال الدولة في تطهير الترع والمساقي وعدم العدالة في توزيع المياه خاصة في الأراضي الجديدة والتي تترك الدولة كبار المزارعين يروون مزارعهم التي تقع على أول الترع ويتركون المزارع التي يملكها صغار الفلاحين وتقع في نهايات الترع عرضة للبوار، كما تعود أسباب المشكلة إلى إهمال صيانة ماكينات واستهلاك جزء كبير من مياه الري في القرى السياحية وملاعب الجولف وحدائق المدن الجديدة وحمامات السباحة، وقد وصل انقطاع المياه في معظم محافظات مصر من أسبوعين إلى نحو شهرين مما أثر في تخلف زراعة الذرة وعدد آخر من المحاصيل وانخفاض إنتاجية العديد من المحاصيل الأخرى وموت شتلات الأرز وإتلاف محاصيل كثيرة.

وفي مصر تبذل جهود مكثفة في جميع المجالات فنيه واقتصادية واجتماعية لتحقيق أكفء استخدام للمياه في الزراعة المصرية. فمنذ عشرات السنين قامت المشروعات ولا زالت لترشيد أساليب استخدام المياه في الزراعة بدا بإقامة السدود والقناطر وحتى مستوي حقل المزارع. ومن النواحي الاقتصادية والاجتماعية وبالتوازي مع النواحي الفنية تقوم جهود مكثفة لرفع كفاءة استخدام المياه سواء من ناحية توعية المزارعين بأهمية استخدام المياه وأساليب استخداماتها المثلي أو بمحاولة تعريفهم بدور الاستخدام الكفء للمياه في زيادة دخولهم الفردية من خلال إنتاج المزرعة وكذلك على المستوي القومي. تؤثر نظم توزيع المياه على كفاءة الري، كما تؤثر على النظام الممكن استخدامه في تقدير قيمة المياه، وهناك أربعة طرق شائعة لتوزيع مياه الري هي، التدفق المستمر، المناوبات، الطلب، الأنابيب المغلقة. ونادرا إن لم يكن مستحيلا إن توزع مياه الري دائما في أحد الأقاليم باستخدام نظام واحد وكثيرا ما يستخدم خليط من نظامين أو اكثر وفقا للظروف الطبيعية وقيمة المياه، ومدي التقدم في أداره والتحكم في المياه.

ثمن المياه

والجهود المبذولة في مجال رفع كفاءة استخدام المياه مستمرة ومتعددة وان وضع سعر للمياه يعتبر أهمها ولكن رغم ذلك فان الكلام في موضوع تقدير قيمة المياه لا زال يغلب عليه الطابع التكنيكي ومن وجهة نظر المختصين سواء فنيا او اقتصاديا يتركز تفكيرهم في ضرورة أن يكون المستخدم او المستفيد هو المصدر الرئيسي لدفع تكلفة أي استثمارات في مجال رفع كفاءة استخدام المياه أو البحث عن مصادر جديدة.

لكن  الحسابات المتعلقة بالأمر الامر ليست بهذه السهولة حيث أن هناك بعض الجوانب التي يغفلها الكثيرون او لا تؤخذ في الاعتبار وهي وجود جهات اخري سواء ادارية او معنوية يجب ان تتحمل جانب من هذه التكلفة بل وربما يتطلب الأمر أحيانا أن تتحملها جميعا.

 ومن هنا تتلخص المشكلة في وجود بعض الجوانب والأبعاد غير المنظورة التي يجب أخذها في الاعتبار عند معالجة موضوع تقدير قيمة المياه حيث أن هذه الأبعاد سوف يكون لها انعكاساتها على حسم هذا الموضوع  عند تقدير قيمة المياه، وظروف استخداماتها من جميع المستفيدين منها والمسئولون عنه وان الوصول إلى هذه الأبعاد سوف ينعكس على الدولة ومتخذي القرارات في تحديد إمكانيات تمويل مشروعات الري واستعراض تكلفتها ومصادر هذه التمويلات أو التعويضات وكذلك على مستوي الفرد (المزارع) حيث يمكن له توجيه المتاح له من مورد المياه في انسب الاستخدامات هذا بالإضافة إلى إمكانية تحقيق مبدأ المساواة بين الأطراف المعنية بمورد المياه.

هذا وقد فاقت الاستخدامات المائية في مصر الموارد المتاحة وذلك منذ سنوات طويلة، وقامت الحكومة وما زالت تقوم بتعويض العجز في الموارد عن طريق تدوير عوادم وفوا قد الاستخدامات، وترشيد الاستخدامات، ومع الزيادة السكانية والتوسعات الزراعية يزداد العجز المائي وتزداد معه الحاجة لمزيد من الترشيد وإعادة الاستخدام. وتوجد وسائل عديدة تبنتها الحكومة خلال الفترات الماضية وأخري تنادي بها ولم تدخل بعد حيز التطبيق.

إن الدولة ملزمة بالعدالة في توزيع المياه على مستوى الجمهورية، وتعديلات قانون الزراعة بشأن حظر زراعات محاصيل بعينها، من شأنها أن تعمل على إعادة الدورة الزراعية بطريقة غير مباشرة.

أضف تعليق