كتب: الربيع الرحيمة إسماعيل*
" ولهذا السبب لن تموت الكتب أبدا، هذا مستحيل .
إنه الوقت الوحيد حيث نذهب حقا إلى داخل عقل أحد الغرباء، ونجد فيه أن إنسانيتنا المشتركة هي من يفعل ذلك، لذا فالكتاب لا ينتمي فقط للكاتب، بل ينتمي للقارئ أيضا، ثم يصير بعدها للإثنين معا أن يجعلاه على ما هو عليه ."
بول أوستر
كان ممسكا بجواله ويبدو عليه الإهتمام بمتابعة أمر ما قبل أن يعتدل في جلسته وبثقة مفتعلة يتوجه إليّ بسؤال قائلا : هل قرأت للمفكر العظيم فلان بن فلان ....؟.
شعرت بشئ من الخجل قبل الرد، وأنا الذي لم يسعفني الحظ بسوى قراءة كتاب واحد للكاتب الذي ذكره، ولكن قلت في نفسي سأذكره بلا تردد، وأجبت: نعم ... قرأت له عمل واحد . وقبل أن أذكر عنوان العمل، رد علي منفعلا :لا يا أخي هذا كاتب (عظييييم) لا بد لك من قراءة معظم أعماله، انظر ماذا يقول ؟ ثم شرع يقرأ لي أحد أقواله المأثورة التي كتبت على الصور المتبادلة على إنستجرام، ودهشت حقا حينما تمادى في الحديث عنه، إذ أدركت انه لم يكن يعلم شئ عن المؤلف سوى هذه الكلمات التي وجدها بالصدفة على صورة بإنستجرام، فضحكت في سري ضحكة تشوبها الحسرة والقلق من ذاك الداء المستشري كإنتشار النار فى الهشيم، " داء التسطيح الثقافي " عبر وسائل التواصل الإجتماعي، أيعقل أن نحكم على كاتب ما أو مفكر ما وعلى أعماله فقط عبر إقتباس على صور إنستجرام أو تويتر ؟!
إن صاحبي لم يكن وحده ضحية هذا الكسل الفكري، بل هو واحد من الكثيرين من محبي الثقافة الذين رأو في منصات التواصل الإجتماعي والأنترنت عموما سدا لحاجتهم المعرفية، فهجروا الكتاب، وما دري هؤلاء أنهم نحو التنميط الفكري يساقون، وإلى التسطيح الثقافي ينتشلون .
أذكر قبيل أيام وفي ذات الصدد أنه قد طرح أحد الأصدقاء منشورا على فيسبوك يتساءل فيه إن كان المحتوى على الأنترنت يغني عن قراءة الكتب ؟ ويبدو أن صاحبي نفسه قد سقط ضحية هذا الداء، ولما تسلل إليه القلق حدثته نفسه بمحاورة الأصدقاء المهتمون بالشأن وكان واضحا في تحديد جمهوره إذ كتب قبل الطرح قائلا : " للقراء فقط "، وجاءت ردود المشاركين متباينة من مؤيد وغير مؤيد، وأثارتني الدهشة مرة أخرى من بعض الردود، فمثلا كتب أحدهم قائلا: أنا أتابع بعض الأساتذه على "تويتر" و"فيسبوك" وأعتقد أن من يتابعهم سيغنونه عن قراءة أي كتاب. إنتهى !
و هذا نموذج آخر نال منه الغرور إلى درجة أن يتبجح بأن من يتابعهم يغنون عن قراءة الكثير من الكتب، ولا أدري أي منشور أو تغريدة هذه التي تعادل كتابا . ولكن اعلم عزيزي القارئ أنه عندما تقرأ كتابا فذاك يعني أن تستيقظ من سباتك وتحيا وتحوي إهتماما أكبر بمن يجاورك.و مهما كانت درجة إنتقاؤك للصفحات المتميزة التي تتابعها فإنها لن تغنيك أبدا عن قراءة الكتب إن لم تحثك على الإنكباب على القراءة أكثر .
.. كتب الناقد الفرنسي " رولاند بارت " كتابا أسماه " موت المؤلف "، حيث كان تعبيرا عن إنحسار العلاقة بين المؤلف والنص أو عملية تحرير النص من سلطة المؤلف وخضوعه للقارئ .
و لكن وسط هذا التكاسل الفكري الذي يجتاح القارئ يمكننا القول أننا بصدد عزاء جديد وهو " موت القارئ " ..
أما الكتاب فهو حي وباق على مر الزمان وإن كان العنوان يوحي عن حالة دفاع عنه، إلا أن ذلك لا يعني تماثل الكتاب في دور الضحية ؛ بل أن المجني عليه والجاني في ذات الحين هو " القارئ".
* كاتب المقال:
سودانى الجنسية – يدرس بكلية الهندسة قسم الاتصالات – بجامعة جواهر لال نهرو التكنولولجية – بالهند … مهتم بقضــايا الفكر والثقافة. ويسعى لإيقاد شعلة النهضـة فى أمته بسلاح القلم ونور المعـرفة كما يقول فى تعريفه لنفسه.