من هنا كانت البداية.. سيناء والمستقبل

في ساحة الاصطفاف بالفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني وقبل ٩ سنوات من الآن، وبالتحديد في 25 يناير 2014 اصطفت القوات قبل أن تتوجه إلى سيناء، وكانت المهمة واضحة ومحددة «القضاء على البؤر الإرهابية في شبه جزيرة سيناء بالكامل.

إحكام وفرض السيطرة الأمنية الكاملة على مدن رفح، والشيخ زويد، والعريش».

ولأن المعركة، من الحروب غير التقليدية والتي استهدفت المنطقة لتقطيع أواصر دولها وإحداث حالة من الفوضى والتشرذم فيها، كانت القوات المسلحة المصرية والقيادة السياسية تدرك حجم تلك الحرب.

ولأن الهدف واضح وهو الحفاظ على الأمن القومي المصري وعدم التفريط في حبة رمل من تراب الوطن.. فقد تم تشكيل قوات التدخل السريع لتنفيذ المهام بالتعامل مع الأهداف النمطية وغير النمطية والوصول إلى مسارح العمليات داخل وخارج البلاد في أسرع وقت ممكن باحترافية وتحت مختلف الظروف بما تمتلكه من إمكانات نيرانية وقتالية عالية والقدرة على المناورة وخفة الحركة، بالتعاون مع القوات من كل الأسلحة.

كانت الرؤية واضحة والهدف محددًا، لذا كان تحرك القوات باتجاه منطقة العمليات؛ لتشهد سيناء ملحمة جديدة تعد من أقوى الحروب وأصعبها نظرًا لطبيعة العمليات فيها.

فحروب المواجهة بين الجيوش النظامية وفى مسرح عمليات مفتوح تكون أكثر يُسرًا، على العكس تمامًا من المواجهات فى الحروب غير التقليدية (اللا متماثلة) والتى تحرص عناصر التنظيمات الإرهابية المسلحة على استخدام العنصر البشرى من المدنيين درعًا لها، كما تحرص على أن تعتمد العمليات بشكل كبير على إرهاق القوات النظامية، من خلال زرع العبوات أو تفجير بعض الأماكن أو استهداف الارتكازات الأمنية لإحداث حالة من الارتباك وعدم الثقة لدى المواطن المتواجد فى منطقة العمليات بقدرة الدولة على فرض السيطرة والأمن فى المنطقة، أو التأثير على الروح المعنوية للقوات على الأرض من خلال استهداف أفرادها.

ولأن التوجيه للقوات المسلحة والشرطة المدنية كان ضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين من أبناء سيناء، وكانت العمليات أكثر صعوبة فى مواجهة الإرهاب، لكن احترافية القوات فى تنفيذ المهام والتدريب العالى وتعاون أبناء سيناء معها فى حرب ترتكز بشكل كبير على توافر المعلومات، جعل النصر حليفًا للقوات المسلحة المصرية، لتعلن على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الإرهاب أصبح تاريخًا.

(1)

ولأن الحرب غير تقليدية فكانت المواجهة أيضًا غير تقليدية، فتم التحرك بالتوازى مع المحور الأمنى على محور من أهم المحاور والذى غاب طويلاً عن سيناء؛ محور التنمية الشاملة، والذى يعد أحد أسلحة مواجهة الإرهاب وأقوى رسالة تؤكد على فرض الأمن والاستقرار فى المنطقة.

الأمر الذى فرض تحديًا آخر على القوات المكلفة بمهمة تطهير سيناء من الإرهاب ومواجهة هذا العدو غير التقليدى والذى فشلت دول كبرى وجيوش نظامية عديدة تعد من أقوى الجيوش على مستوى العالم فى الانتصار عليه.

لكن الأمر فى مصر كان مختلفًا، فعقيدة المقاتل المصرى وشعاره الذى لا يتنازل عنه هو النصر أو الشهادة.

لم تكن المعركة سهلة؛ فقد سالت دماء كثيرة لتطهير تلك البقعة الغالية من أرض الوطن وضحى الآلاف من الأبطال بأرواحهم فداءً لكل حبة رمل فيها خلال تلك المعركة، وقدمت الأسر المصرية خيرة أبنائها، من أجل الحفاظ على الوطن.

عشش الإرهاب فى سيناء بدعم من قوى الشر عقب أحداث 2011، مستغلاً حالة عدم الاستقرار التى شهدتها الدولة المصرية، وحالة الفوضى التى ضربت محيطها الإقليمى وانهيار العديد من الدول خاصة الدول التى كانت بمثابة مناطق عبور للعناصر الإرهابية للوصول إلى مصر.

وكانت عملية اجتثاث الإرهاب من جذوره من تلك البقعة أشبه بالمستحيل، فقد استغل التنظيم الإرهابى فترة حكم مصر وما قبلها لنشر عناصره المسلحة فى سيناء وهو ما جعل التنظيم الإرهابى (الإخوان) يهدد الدولة المصرية بتلك العناصر، وهو ما ذكره محمد البلتاجى عقب إسقاط الشعب المصرى لمرسى واسترداد الدولة المختطفة.

فقد قال فى تصريح تليفزيونى «إن ما يحدث فى سيناء سوف يتوقف فى اللحظة التى يعود فيها الرئيس مرسى إلى الحكم» ويقصد الإرهاب.

قدمت مصر فى تلك المعركة أكثر من 3277 شهيدًا إضافة إلى 12 ألفًا و280 مصابًا من مصابى العمليات.

وهو ما يدل على حجم المعركة التى تحملتها القوات المسلحة والشرطة المدنية نيابةً عن المصريين.

لقد كانت البداية من هنا.. من منطقة اصطفاف الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثانى الميدانى وكانت المهمة تطهير سيناء من دنس الإرهاب، والأسبوع الماضى كانت أيضًا من نفس المنطقة لكن هذه المرة كان اصطفاف معدات التنمية والبناء والتعمير لتستكمل ما تم البدء فيه من تنمية خلال الفترة الماضية، إنه عبور جديد بحقٍّ لسيناء بعد انتصار تحقق بفضل الله، ثم احترافية القوات المسلحة والشرطة المدنية فى المعركة.

(2)

كما تحركت الدولة المصرية على محور من أهم محاور المواجهة، محور التنمية الشاملة والذى بلغ حجم ما تم إنفاقه خلال السنوات الثمانى الماضية فى سيناء 610 مليارات جنيه، خلال مشروعات شملت البنية التحتية والطرق والإسكان والتعليم والصحة والشباب والرياضة والسياحة والزراعة والصناعة.

فالتنمية والبناء هما دائمًا حائط صد منيع أمام قوى التخريب والإرهاب، وهو ما حرصت عليه الدولة، وقد كان لسرعة التحرك فى ذلك المحور أثر إيجابى كبير، سواء على ملف التنمية فى سيناء أو التأثير على حالة الرضا لدى أبناء سيناء، لاهتمام الدولة المصرية بتلك البقعة التى غابت عنها التنمية فترة طويلة ولم تحصل على ما تستحقه من اهتمام خلال الحكومات المتعاقبة.

لقد تم إنشاء 5 أنفاق عبور جديدة أسفل قناة السويس يستوعب الواحد منها عبور 50 ألف سيارة يوميًا، ويصل زمن العبور من 15 إلى 20 دقيقة، وفق أحدث الاشتراطات والنظم العالمية لإنشاء الأنفاق أسفل المجارى المائية، لتخلق شرايين حقيقية لسيناء تربطها بقلب الوطن، كما تم إنشاء 7 كبارى عائمة وتطوير المعديات، وإنشاء أكثر من 3 آلاف كيلو متر طرق طولية وعرضية تسهل عملية الوصول إلى أى مكان داخل سيناء بدءًا من خط الحدود الدولية وحتى قناة السويس.

لم يكن ذلك فقط بل أصبحت سيناء بها أكبر محطة لتحلية مياه البحر فى الشرق الأوسط، محطة مياه العريش، بالإضافة إلى 26 محطة تحلية أخرى فى كل مدن سيناء، كما تم إنشاء وتطوير 5 مطارات فى شمال وجنوب سيناء و5 موانئ بحرية وجافة لتنتقل سيناء إلى مرحلة جديدة من البناء والتنمية، بالإضافة إلى تطوير شبكة الكهرباء والتى استهدفتها العناصر الإرهابية خلال الفترات السابقة، وخطوط الغاز الطبيعى.

كما تشهد سيناء أكبر مشروع للتنمية الزراعية يستهدف استصلاح 650 ألف فدان تم تنفيذ 200 ألف فدان ويجرى استصلاح 450 ألف فدان.

كما شهد قطاع الصناعة والتعدين فى سيناء تطورًا كبيرًا وكذلك قطاعات الثروة السمكية والتعليم والصحة ولا يزال هناك العديد من المشروعات يجرى تنفيذها وهناك مشروعات أخرى مخططة يجرى العمل عليها.

إن ما ستشهده سيناء خلال السنوات القادمة سيجعلها بحق كنز الدولة المصرية.

لكن كل ما سبق لم يكن ليتحقق لولا التضحيات التى قدمها أبناؤنا من الأبطال من رجال القوات المسلحة والشرطة، فلولاها لما رأينا قوافل المساعدات التى وجهت القيادة السياسية بإرسالها للأشقاء فى سوريا عقب كارثة الزلزال المدمر، وكذا المساعدات للشعب التركى وهى تعبر سيناء مرورا بأنفاق «تحيا مصر» باتجاه ميناء العريش لتحملها السفن المصرية إلى الموانئ السورية والتركية.

فسلامٌ على أرواح من ضحوا لننعم بالأمن وليعود الاستقرار لأرض الفيروز.

(3)

خلال حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي اصطفاف المعدات المتوجهة لسيناء لاستكمال التنمية، تحدث عن خطر محذرًا منه فهو إحدى أدوات الحروب الحديثة (صناعة الكذب)، وقال إن تلك الشائعات خطر يهدد الدول، وأكد هذا الخطر مرة أخرى خلال افتتاح عدد من المشروعات التنموية نهاية الأسبوع الماضى بمحافظة المنيا.

الأمر الذى يتطلب منا أن ندرك جميعًا أن صناعة الكذب وتزييف الوعى هو أخطر أسلحة الحروب الحديثة والتى تستهدف الشعوب من قبل قوى الشر.

صحيح إن المصريين على مدى السنوات الماضية ومنذ 2011 استطاعوا أن يحصلوا على تحصين قوى ضد هذا الخطر، لكن لا تزال قوى الشر تطور أدواتها فى صناعة الكذب ولم تتوقف آلتها الإعلامية عن الدوران.

إنهم يحترفون الكذب والخداع والزيف ويُجيدون تسويقه، وخلق حالة نفسية لدى المتلقى ليكون أكثر استجابة لتلك المعلومات المضللة.

فمع تطور الأدوات الإعلامية وبدلاً من استخدامها لبناء الأوطان، احترفت قوى الشر استخدامها لتدمير الدول وتزييف الوعى لدى الشعوب.

إننا أمام قوى تحترف صناعة الكذب، وتشويه الواقع، وتعمل دائمًا على ضرب الثقة بين المواطن والقيادة.

إننا نواجه حربًا من أشرس الحروب تتطلب من الجميع إدراك مخاطرها وتبعات السقوط ضحية لها.

شهادة رئيس وزراء المجر

الكلمات التي تحدث بها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، خلال المؤتمر الصحفي بقصر الاتحادية الأسبوع الماضي جاءت تأكيدًا على نجاح الدولة المصرية في إدارة ملفاتها المختلفة باحترافية خلال الفترة الماضية، ومنها ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية، وملف مكافحة الإرهاب، وملف التنمية الاقتصادية، والعلاقات الخارجية.

كما أن انتقال العلاقة بين البلدين إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية تعد شهادة جديدة أيضًا على ما تحقق من إنجازات في حجم التعاون بين البلدين خلال السنوات السبع الماضية بحسب وصف أوربان.

أضف تعليق