مفتي الجمهورية: غياب الوسطية أوقعنا في مشكلات كثيرة

مفتي الجمهورية: غياب الوسطية أوقعنا في مشكلات كثيرة مفتي الجمهورية

الدين والحياة5-3-2023 | 18:08

أكد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم شوقي علام أن غياب الوسطية أوقعنا في مشكلات كثيرة تتطلب منا أن نتناول هذا الموضوع مرات عديدة، مشيرا إلى أن الوسطية عنوان الإسلام.

جاء ذلك خلال محاضرة لفضيلة المفتي ب جامعة القاهرة تحت عنوان: "الوسطية والخطاب الديني بين الثابت والمتغير"، والتي حاضر فيها أيضًا الدكتور محمد عثمان الخشت -رئيس جامعة القاهرة- حيث عبَّر فضيلة المفتي عن سعادته بوجوده في جامعة القاهرة التي لها قدم راسخة في المحافل العلمية.

وأضاف فضيلة المفتي أنَّ التطبيق الصحيح الدقيق الذي ينتج الوسطية هو الذي يراعي الثابت ويحرص عليه ويتمسك به ولا يتلاعب به تحت أي مبرر من المبررات؛ لأنَّ الله عندما وضعه كثابت راعى فيه أنه لا يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، فالثابت ثابت حتى قيام الساعة، ويصلح للتطبيق في كلِّ زمان ومكان.

وأكد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الثابت يمثل نسبة قليلة جدا من الشريعة الإسلامية مقارنةً بالكثير من قواعد الإيمان التي وردت في حديث جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماهية الإسلام والإيمان.

وأضاف أن هناك ستة أركان للإيمان لا تتغير، وأن قضايا الإيمان اليقينية من الثوابت، وكذلك العبادات والفرائض كالصلاة والصيام والحج والزكاة، فلا يمكن أن يأتي شخص ويلغيها في أي زمان أو مكان، موضحا أن الأخلاق كذلك ثابتة لا تتغيَّر فهي خلق فطري تغذيه الأديان، كما أنَّ المتغير في الشريعة الإسلامية يحتلُّ مساحة واسعة وقابلة للتطور بتطور الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.

وتابع فضيلة المفتي أن هناك تطورا للنظرة الفقهية للأحكام المتغيرة يكون وفقًا لتطورات العصر والزمان، فالفقيه الفاهم للشريعة لا يقف مقيد اليد متقوقعًا في الزمن الماضي، ولكن عليه أن ينظر نظرة أخرى إلى الأمور تتوافق مع الواقع، مشيرًا إلى أننا تعلَّمنا وتوارثنا في الأزهر الشريف أنه ينبغي أن نفهم النص الشرعي ودلالاته، وهل هو يتكلم في منطقة ثابتة أم متغيرة، ثم نسأل المتخصصين في العلوم الأخرى التي قد نحتاج إليها، فلا يمكن أن ننقل الثابت إلى دائرة المتغير ولا المتغير إلى منطقة الثابت.
وضرب مثالًا بما يُثار مع قدوم شهر رمضان فيما يسمَّى بفتاوى المواسم، مثل إخراج زكاة الفطر قيمة أم حبوبًا، مشيرًا إلى أنها من الأمور المتغيرة التي يجب ألَّا نضيق فيها على الناس، ومن الخطأ المنهجي أن ننقل المتغير إلى دائرة الثابت فنجعل الأمور المجتهد فيها بمنزلة الثابت الذي لا يجوز الاجتهاد فيه، وبالتالي مَن يفعل ذلك يدخل في المخالفة الشرعية.


وقال المفتي علينا أن نفسر النصوصَ بقواعد اللغة العربية، مستشهدًا بحديث "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، فليس معنى ذلك أن صلاته مرفوضة أو غير مقبولة، ولكن المعنى أنه لا أجر كامل لجار المسجد إلا في المسجد، كما أنَّ الدخول في دائرة الوسطية يعني أن الإنسان يتفاعل مع الواقع بتطوراته المختلفة مع المحافظة على الثوابت والاجتهاد في المتغيرات.
مفتي الجمهورية لطلاب جامعة القاهرة: لا تتركوا أنفسكم فريسة للمعلومات المضللة ،علينا اللجوء إلى المتخصصين والعلماء لفهم مسألة معينة.. وهذا هو نهجنا في دار الإفتاء المصرية.
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ المتصدِّر للفتوى عليه أن يعمل وَفق عناصر ثلاثة؛ العنصر الأول: هو إدراك النصوص الشرعية إدراكًا صحيحًا، وفهم المقصود منها، والعنصر الثاني: إدراك الواقع بمتغيراته ومراعاة سياقاته والتطورات الحاصلة فيه، ثم يأتي العنصر الثالث وهو: إنزال فهم النصوص الشرعية على الواقع والوصول إلى الحكم في المسألة.
واستشهد خلال محاضرته ب جامعة القاهرة تحت عنوان: "الوسطية والخطاب الديني بين الثابت والمتغير"، التي حاضر فيها أيضًا الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت -رئيس جامعة القاهرة- بمسألة تسعير السلع، موضحًا أنَّ الأصل في التجارة أن نتركها حسب العرض والطلب ما دام أنه لا يوجد احتكار، ولكن عندما تجد الدولة حالات معينة يستغل فيها التجار حاجات الناس؛ فيجوز لها أن تسعِّر للسلع بحيث لا تكون ظالمة للبائع أو المشتري.
واختتم فضيلة المفتي محاضرته بقوله: "إنه يجب اللجوء إلى المتخصصين والعلماء عندما نريد أن نفهم مسألةً معينة، بل أحيانًا نذهب إلى صاحب التخصص الأدق، ونحن في دار الإفتاء المصرية كثيرًا ما نرجع إلى أهل الاختصاص عند إصدار الفتاوى، ومنها مسألة الصوم وقت جائحة كورونا، وقد جلسنا مع لجنة طبية متنوعة من تخصصات طبية مختلفة وتناقشنا إلى أن انتهينا أنه لا خوف على الجسد إذا صام الإنسان، بل على العكس الصوم يقوي المناعة، إلَّا في حالة الأعذار الطبية المشروعة؛ فأصدرنا الفتوى بذلك".
كما أشار أيضًا إلى لجوء الدار لمتخصصين عند إصدار الفتوى الخاصة بالتعامل بالعملة المشفرة "البتكوين" حيث استعانت الدار بعدد من الخبراء وأهل الاختصاص وعلماء الاقتصاد في عدة اجتماعات من أجل التوصل إلى حقيقة هذه المسألة ومدى تأثيرها على الاقتصاد، وانتهت الدار إلى أنه لا يجوز شرعًا تداول عملة "البتكوين" لعدمِ اعتبارِها وسيطًا مقبولًا للتبادلِ من الجهاتِ المخُتصَّةِ، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ.
وفي نهاية المحاضرة وجَّه فضيلة المفتي نصيحة لطلاب الجامعة أكَّد فيها ضرورة اللجوء لأهل الاختصاص في كافة المسائل قائلًا: "لا تتركوا أنفسكم فريسة لهذه المعلومات التي قد تلقى عليكم من غير المتخصصين، فالجامعة تنمي العقل وتحرك ملكة النقد".
من جانبه، قال الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة إنَّ هناك فرقًا جذريًّا بين الدين والخطاب الديني؛ فالدين هو الوحي الثابت المبين بالسُّنَّة النبوية المطهرة المتواترة، أمَّا الخطاب الديني فهو طريقة فهمنا للنصوص الدينية وآليات إيصاله.
وأضاف أنَّ المشوشين من تيارات التطرف قد يفهمون أننا نريد أن نطوِّر الدين نفسَه، وهو أمر غير صحيح، فالدين ثابت لا يتغير، ولكن خطاب البشر عنه يتطوَّر بتطور العلوم والعصور، مثلما حدث مع مذهب الإمام الشافعي، مؤكدًا أننا في قلب الثوابت، ومتمسكون بالأصول باعتبارها محور الإيمان الذي لا يتغير كأركان الإسلام الخمسة، وأهم معيار للنصوص الدينية هو الوسطية.
وأكَّد الخشت على مجموعة من الأفكار التي تبثُّ الطاقة السلبية وتدفع إلى الإلحاد، مشيرًا إلى أنَّ النقيض يصنع النقيض، فالتشدد والتطرف يصنع الإرهاب.

أضف تعليق