حفيد شيخ العرب همام كبير هوارة .. لقاء مع نسر الصعيد الحقيقي

حفيد شيخ العرب همام كبير هوارة .. لقاء مع نسر الصعيد الحقيقيشيخ العرب الحاج مفتاح نور الدين نسر الصعيد الحقيقي

فى صفحات البشر تجد رجال الإقدار يفرقون بين الحق والباطل، يحولون بين النظام والفوضى، يحافظون على الحياة، لا يستعينون على الخوف بالرصاص، ولا يواجهون الدم بالنار، فقط قلوبهم ثابتة بأمر ربهم، نقف هنا أمام الحاج نور الدين خلف الله، وشهرته الحاج مفتاح خلف الله، والملقب بعد وفاته، بـ"مفتاح الخير مغلاق الشر، و نسر الصعيد الحقيقي" ونعرض جزء من مسيرته الوطنية وفق موقعه فى قرية الحميدات بمحافظة قنا وعلى طول الصعيد، والأدوار التى تنقل بينها، مقدما المساعدة لكل من مسئولى الدولة وعموم الناس، والذين شهدوا على نصاعة صفحته وفروسية أخلاقه، خاصة خلال أيام ثقال مرت على مصر، فى العشر سنوات الأخيرة.


يكفيه فخرا نسبه إلى جده شيخ العرب همام ابن سيبك، ليكون نقطة مضيئة فى مسيرة الأخلاق المصرية العربية الأصيلة، وينطبق عليه قول الأبنودى: "حالف تخلى الزمان يمشى على كيفك، لو النيران انطفِت.. تصرُخ بها.. يوَلَّعْ، وتخش في لهيبها.. لا تِنْضَرّ.. ولا تهلك، إنت اللي لا تهزيت في يوم.. ولا خوفك خوفك".

ونعرض بعضا من المواقف التى ينأى عنها عصبة من الرجال أولو القوة، كان نور الدين خلف الله، حاضرا فى لهيبها إلى أن ترجل الفارس عن جواده ليلقى الله فى أبريل 2021.

التقينا الحاج محمد، نجل الحاج نور الدين خلف الله إبراهيم، من قرية الحميدات هوارة قنا، والذى حدثنا عن مسيرة نسر الصعيد الحقيقى، فى البداية يقول: "كان والدى - بشهادة الجميع - موسوعة فى فعل الخير وحقن الدماء، حصل على نحو 10 ألقاب، منها: مفتاح للخير مغلاقا للشر، جبل الصبر، رجل بأمة، جبل الصبر، شيخ العرب الهواري، شاطئ السلام.. كان والدى منذ الستينات، عضو فى المجالس المحلية، بداية من مجلس محلى مدينة ومجلس محلى محافظة، وحتى انتهاء المجالس المحلية".


"كانت لديه علاقات أمنية متميزة، وتوافق على حل المشكلات، كما كانت لديه علاقات دائمة بكل المحافظين.. البهناساوى، عادل لبيب، وأى محافظ، لدرجة ان المحافظين يحضروا أفراحاتنا ويقدموا واجب العزاء أيضا.. وخصوصا سيادة الوزير عادل لبيب، كانت علاقتهما ممتازة، وعندما علم بوفاة والدى، اتصل تليفونيا قائلا: (أنا خسرت أخ) رغم أنه لم يكن محافظا ولا وزيرا وقتها، فالعلاقة الأخوية ممتدة، ونقول أن تلك المكالمة (مست قلوبنا بالرضى)".


وقال نجل شيخ العرب الهوارى: "أبناء عمنا فى هوارة سوهاج، اتصلوا بنا، قالوا هناك مسلسل تدور أحداثه فى الحميدات، ونريدكم أن تستضيفوهم فى قنا، وبالفعل حضر فريق عمل المسلسل، وشاهدوا المندرة وقالوا (قاعة ممتازة) وجاء الفنان محمد رمضان وجمع من الممثلين، وعقدوا المجالس العرفية فى المكان الذى نجلس فيه حاليا، استغرقوا 3 أيام، وكان حدثا جليلا فى قنا".
"كانت المنطقة حولنا، مليئة بالتجمعات من الناس، وكأنه مولد سيدى عبد الرحيم القناوى، كان أهل الحميدات يريدون معرفة التصوير ومشاهدة الممثلين، استضفناهم وأخذوا واجبهم ومازال هناك تواصل مع فريق الإعداد.. ونرحب بكل من يريد إجراء أى عمل فنى فى قنا".


العدالة الناجزة
وعن العدالة الناجزة، أضاف محمد مفتاح: "كنا نسأل والدنا: يا عم الحاج.. لما بتدخل صلح بيخلص ازاى؟.. وخصوصا إنه صلح متعثر، كان يرد قائلا: (أدخل الصلح بقلبى) وتمكن والدى من عقد مصالحتين دم، يستحقوا الحصول على جائزة نوبل، فكان الوقت من تاريخ الوفاة إلى تاريخ الصلح 15 يوما.. عمرها ما حصلت فى صعيد مصر، والصلح الثانى كان فى دم أيضا، وكانت المدة 65 يوما من الوفاة وحتى تاريخ الصالح.. وتدخل والدى فى كل كبيرة وصغيرة، حتى أنه حل بعض المشكلات تليفونيا، وكانت مندرته مفتوحة للجميع بشهادة أهل قنا".
وتابع نجل "شاطىء السلام": "والدى لم يكن محسوبًا على أهله أو بلده قنا، بل تعدى تأثيره لأبعد من قنا، لم ينحاز لقريب أو بلديات أو إبن محافظته.. كان فى قمة الحق، وهبه الله حلولا جاهزة، ونتمنى أن يكون فى مكان أفضل".


وأشار محمد مفتاح: "الأقباط، حضروا الواجب (العزاء) فى الحاج مفتاح نور الدين، وقالوا: (الحاج مفتاح له رصيد كبير عندينا، فلا تحرمونا منكم، ولا تحرموا أنفسكم منا)، فقد قامت الكنيسة بدور حيوى ومشرف فى فض النزاعات، وكانت ترد مشاكل بين الإخوة الأقباط إلى والدى، كان يستطيع التغلب عليها ويحل عقدها، بعضها مشكلات عائلية ولا يصح ذكرها، كانوا يحضرون رجالا ونساءا، وكان والدى موفقا فى حلها".
أحداث الثورة
"على أثر خروج الناس للتجمهر أمام المحافظة فى أحداث الثورة، ذهب والدى إلى المحافظة والتقى بالناس، وعمل على تهدئتهم، وصرفهم عن أى عمل مشين، كان وقتها المحافظ مجدى أيوب، وكان قبطيا، وكانت قنا أول محافظة تستقبل محافظ قبطى وتتعاون معه.. واتصل المحافظ بوالدى، وشكره على دوره فى تهدئة الناس والحفاظ على الممتلكات العامة.. وكانت هناك مشكلة كبيرة فى سجن قنا، فى واقعة اقتحام السجون، وذهب والدى أيضا وقام بدروه فى الحفاظ على الأمن".


تأمين الكنائس
"أرسل والدى وفودا لتأمين الكنائس فى أحداث الثورة، وعندما ينقطع التيار الكهربى، كان والدى، مجهز عمال لتشغيل كشافات السيارات فى شوارع قنا وفى محيط الكنائس وحوض عشرة، ولم يحدث تعدى على حق الأقباط فى قنا، كان فكر والدى واضحا: (نحن نسيج واحد، كتلة واحدة، يجب أن نحافظ على بعضنا البعض.. نحن شعب واحد.. نيل واحد.. أكل واحد) وتعهد بحماية الأقباط فى هوارة الحميدات قائلا: (فى رقبتنا)"
الخلاف مع الأشراف
قال نجل "جبل الصبر": "فى أثناء الثورة.. حدث خلاف بين هوارة الحميدات، وأشقائنا الأشراف، والاختلاف سنة الله فى الكون.. وكانت هناك حالة الانفلات الأمنى، وضرب نار شديد.. ولم يتجرأ أحد أن يطلب من الحاج مفتاح نور الدين، أموال لشراء ذخيرة وسلاح لتأمين الحميدات، لأن رأيه كان معروف مسبقا. وقال: (أنا فى أخر أيامى.. ولن أدخل قبرى بدماء فى رقبتى)"
"وبعد أيام قليلة.. حضر كبار وأجواد العرب ووسطاء بين هوارة الحميدات والأشراف، منهم الشيخ الإدريسى، إلى مندرة شيخوالعرب الهوارى؛ لبحث الصلح.. ربنا سلم، ولم يستطيع الانفلات الأمنى أن يتسبب فى جرح شخص واحد من الطرفين، ونحن نعيش مع بعض العمر كله، وتم الصلح فى مكتب المحافظ الوزير عادل لبيب فى فترته الثانية من تولى محافظ قنا، ونحن مختلطين مع بعض فى نسب ومعايش وكأن شئ لم يكن. فمهما كان اختلافنا، تجمعنا مندرة، ونقرأ الفاتحة بالسماح، ونستكمل مسيرتنا الحياتية كأن شيء لم يكن".


أبنائه
وحول تربية "جبل الصبر" لأبنائه، يقول محمد مفتاح: "أثناء تلقى والدى العلاج فى إحدى المستشفيات الكبرى بالقاهرة، لاح على لسان الطبيب المعالج سؤال، فقال لوالدى: (ربيتهم أزاى؟)، رد والدى: (ربيتهم على محبة الناس وعلى أن يكون رجالا).. فتابع الطبيب حديثه: (لدينا مرضى، يأتى بهم أبنائهم إلى المستشفى ويدفعون تكلفة العلاج ويتركونهم حتى دون مرافق).. فكنا جميعا لا نغيب عن والدنا، وهذا ما يلخص ما تربينا عليه منذ نعومة أظافرنا".


أحفاده
وعن علاقة نسر الصعيد بأحفاده، يقول محمد مفتاح: "أصغر حفيدة لدينا هى ندى، إبنة أخى محمود.. صغيرة جدا.. كانت روح أبى معلقة بها.. تبات معه وتكون سببا فى بيات أبيها وأمها إلى جوار أبى.. كان يعشق أحفاده ويطوفون حوله فى كل مجالسه".


زواجه
تزوج أبى مرتين، الأولى كانت من بنت خالته، ولم يكتب لهذه الزيجة الاستمرار وحدث انفصال.. ثم تزوج أمى، وهذا لا يمنع أن زوجة أبى الأولى هى فى حكم عمتنا. توفت أمى فى عام 2013، أى قبل وفاة والدى بنحو 7 سنوات.
الوصية
وعن الأيام الأخيرة فى حياة شاطئ السلام، قال محمد مفتاح، تعب والدى فى أيامه الأخيرة، وكانت هناك معاناة كبيرة، إلى أن وصانا وأخذ منا العهد بأن نكون سائرون على الدرب: "احنا بتوع الناس كلها"، وأكد فى وصيته بالمستشفى: "يا ولدى كله بالحب، انزع الغل من قلبك، هتلاقى الدنيا معاك ماشية.. لا تكره ولا تحقد ولا تغل ولا تخاصم ولا تحارب، والتيسير من الله، وبادر بالصلح وكن خدوما بالناس.. وإياك تتحيز لأخوك أو إبن عمك أو إبن قبيلتك، أو مسلم أو نصرانى".
قيل عن نسر الصعيد
رجل السلام
الحاج مفتاح خلف الله.. رجل الأمن والسلام المصالحات والمجالس العرفية في قنا، من المعدودين في هذا الشأن وصولاً لعربان سينا في أقاصي الشمال، الصديق الأول لمعالي الوزير عادل بك لبيب في قنا إبان فترة كونه محافظ قنا.. أحد مصدري الموالح على مستوى الجمهورية، ومثل مصر في هذا الشأن خارجيا.

رجل بأمة
كبير قبيلة الحميدات، وكبير هوارة الصعيد، رحل بعدما اطمأن عليها، ووضع بصمته في كل مكان، وفي كل منجز تم تحقيقه، وفي كل شبر على أراضيها. اللحظات التي تشرفت فيها بلقاءه، لم تكن اعتيادية؛ بل كانت دقائق تغني عن شهادات جامعية في الحكمة، والتواضع، والأخلاق العالية، والروح المرحة، وحفاوة الاستقبال، والاهتمام الكبير.
يعرف الجميع.. أنك عندما تقابله، لن يترك يدك قبل أن ينتهي من الحديث معك، ليوصل إليك رسالات كثيرة، أولها أنا إلى جانبك، وليست آخرها بأني سعيد برؤيتك.
تقف إلى جواره بكل راحة وأريحية، مستشعراً هيبة الرجل، وتلتقط منه كل كلمة، لتبقى في ذاكرتك ما حييت، فهي لا تخلو من طرفة ونصيحة واطمئنان على الأحوال، واستماع لهمومك، ورسالة لك تنير ما تبقى من طريقك في الحياة.
كانت ملامحه مميزة، فقد كان ذا ابتسامة أخاذة ووجه بشوش. كان يقابل محبيه بضحكة مجلجلة، ويأخذهم دومًا بالأحضان، ولكن الصفة الأهم في وصف الراحل كان قلبه الكبير، الذي لم يعرف الغضب ولا الضغينة، بل كان يتسع للكل بلا استثناء. فلقد كان أبا بارًا وناصحا أمينا وصديقًا وفيًا يرعى صلات الصداقة والرحم بشكل مميز، حتى بات مضربًا للأمثال في هذا الأمر. كان يسعى دومًا ليكون حمامة سلام وجسر الوفاق بين المتخاصمين.
منذ نعومة أظفاري عرفته رجلاً وقوراً باشاً مبتسماً مازحاً لا تفارق الكلمة الطيبة لسانه وشفتيه، أحبه الصغير قبل الكبير فكان مثالاً لرجولة الرجال، وسماحة الكبار، ووقار الشيوخ.
رحل رجل بأمة، سيتذكره التاريخ جيداً في صفحات العظماء، وترك شواهد كثيرة تخلد مسيرته.

عميد السلم الاجتماعي
وقع في اختبارات صعبة، وخاض صراعًا وجوديًا مع قناعاته ضد الجهالة والرجعية، فانتصر للسلم الاجتماعي، انتصر لارتباطاته الروحية، وسطّر بأحزانه أروع ملاحم الحكمة والسلام، حتى استحق أن يوصف بحق بـ (عميد السلم الاجتماعي) في قنا.
فقدت قنا بوجه عام وقبيلة هوارة الحميدات بشكل خاص، واحدًا من أصدق الرجال وأنبلهم، قضى حياته محبًا للجميع، يوزع الابتسامة تلو الابتسامة من ينبوعه الذي لا ينضب من الحب، مشى بين مختلف مكونات المجتمع القنائي داعيًا للمحبة والسلام.
حينما تعرض للاختبار المؤلم في حياته الشخصية، لم تتغير قناعاته، قدّم أوجاعه قربانًا للسلم الاجتماعي، وخاض أشرف وأنبل معركة في حياته ضد كل دوافع العصبية البغيضة، وانتصر أحد أهم دعاة الحب والسلام.

حضرة عالي المقام
عميد قبائل هوارة، سيظلُ حضرة عالي المقام صاحب القيمة والقامة والمقامات الرفيعة ورفعة الأخلاق ورقيها، بما يحمله من رمزية كفاح، وقدسية هدف، ونبل رجاء، وسمو معان عالقا راسخا مترسخا في عقل ووجدان آلاف مؤلفة من الشباب، سيظل مقصدا ومهوي للقلوب، وسيظل رمزا وعلما لقصصِ نجاح تضاهي النجاح نفسه.
وستظلُ حكومته، فكرة أبية على التطويع، شابة فتيةَ، راسخة ما رسخت الجبال في الأرض، صلبة، صلابة عتية الصخور، ستظل ذكراها محفورة في أذهان الجميع.

شاطئ السلام
كان شاطئا جميلا للسلام والأمان.. العم والصديق والزميل، لا يستطيع أحد مهما كان، إلا أن يراه رجل سلام من طراز فريد.

أضف تعليق