على الرغم من قول البعض إن هذا موضوع متخصص ولكن أختلف معهم فى هذا الرأى، حيث إن النشر أو ما يطلق عليه صناعة النشر هى (بناء الإنسان) بالتعريف الحقيقى، والمفروض أن يكون الناشر هذا دوره الأساسى فى رؤيته الخاصة بمشروعه وماذا سيقدم للقارئ، ويجب أن تكون هناك رؤية متخصصة أو شاملة، ويعرف ماذا يريد (أقصد الناشر) والعميل المستهدف وأيضا السوق، هل هو السوق المحلى أو السوق العربى؟..
وهل السوق بصفة عامة أم أن هناك شرائح معينة فى المجتمع يهدف الوصول إليها.. وكيفية الوصول وماذا يقدم من محتوى؟..
التطور السريع
لم يعد النشر الورقى (المطبوع) هو الوسيلة الوحيدة، ولكن فى ظل التطور التكنولوجى فى العالم ظهر النشر الرقمى ثم الصوتى والمنصات الرقمية والمواقع وغيرها فى عالم السوشيال ميديا، وأصبح التسويق الرقمى من الصعب اللحاق به ولكن يجب أن نعمل عليه ونفهمه لنستفيد منه..
المؤلف – الناشر – المطابع - سلاسل التوزيع
تبدأ المسألة من المبدع من خلال ما يكتب نصا سواء كان متخصصا أو فى مناحى المعرفة الأخرى من الأدب والقصة والتاريخ، ويمتد طبعا هذا إلى أدب الطفل أو ما يقدم للأطفال بصفة عامة..
وإذا بدأنا بالمؤلف المبدع نجد أننا أمام العديد من المشاكل التى يعانى منها الكاتب أو المبدع بدءا من اختيار الموضوع ثم البحث عن ناشر ومتابعة ما يتم من العملية الإنتاجية إلى أن يخرج العمل إلى السوق.
إذا كان المؤلف شابا وهذا هو العمل الأول ستكون هناك صعوبة فى الخروج إلى النور ويقع فى بعض الأحيان فى يد من يدعون أنهم ناشرون وهم بالأحرى سماسرة ويبتزون هذا المؤلف ويقوم بسداد مبالغ كثيرة لا تناسب تكاليف العمل.. وهنا أين دور الناشر؟.. وأحيانا يوقّع على عقود مع دور نشر مستغلة أو دور نشر وهمية..
إذن من يدير حقوق المؤلف (وكيل المؤلف) وكيف يتعاقد وأن يعرف حقوقه وواجباته؟.. وأعتقد أن اتحاد الكُتّاب له دور مع اتحاد الناشرين فى الحد من هذه الظاهرة وحماية حقوق المؤلف وسط بيئة تشريعية غير حامية للمهنة من الدخلاء والذين اعتادوا التربح فى ظل بيئة تشريعية غير متكاملة..
نصل إلى الناشر، وعلى الرغم من صعوبة المهنة والظروف التى تمر بها.. فما زال حتى الآن لا يعترف بالنشر كصناعة فى مصر!
قانون الاتحاد مر عليه حوالى ستين عامًا وفى مجمله أصبح غير صالح فى ظل تطورات كثيرة..
يقوم الاتحاد برعاية الناشر صحيا واجتماعيا ويقدم دورات مهنية ومعارض محلية، وأيضا التعاون مع المعارض العربية..
ولكن اشتراك الناشر وحده غير كاف للقيام بدور كبير للاتحاد وهو المنظم للمهنة وفقا للقانون الحالى.
يحتاج الناشر إلى قيام الأجهزة الحكومية بالشراء كالمتبع فى كل دول العالم ولكن لدينا الأمر متوقف من قبل كورونا.
وسنتحدث عن معاناة الناشر فى التسويق وتكلفة كل تحرك له فى السوق الداخلى والخارجى.
الطباعة
تمتلك مصر قدرة طباعية كبيرة، فلديها من المطابع - الحديث منها والقديم - ولكن تعانى من مشاكل كثيرة منها..
ارتفاع تكلفة الورق، حيث إن ما يزيد على 80% مستورد من الخارج حتى أصبح لدينا بورصة يومية أو بالساعة لسعر الورق الذى تضاعف سعره أكثر من ثمانى مرات مع قلة المعروض بعد حرب روسيا أوكرانيا.
وجود رسوم جمركية على كل مستلزمات الإنتاج مما يرفع التكلفة فى السوق المحلى ويضعف المنافسة حتى على مستوى إفريقيا التى لديها عجز شديد فى الطباعة، وفرصة مصر ذهبية فى هذا المجال، هذا خلاف الضرائب وغيرها من المصروفات الأخرى..
ارتفاع تكاليف قطع الغيار وأسعار الماكينات بشكل كبير..
مما خلق سوقا موازيا فيما يسمى بمطابع بير السلم التى تنتهك الملكية الفكرية، وتعتبر مصدر خطر على الأمن القومى، وغير مسجلة ولها العديد من الآثار السلبية على المجتمع.
التسويق
وهو وسيلة كل منتج لتعريف ما ينتجه وأيضا معرفة ما يطلبه القارئ ودراسة الأسواق الداخلية وفرص التفاعل فى الخارج..
معلومات مؤلمة
- عدد المكتبات فى مصر 400 مكتبة تجارية تخدم حوالى
100 مليون مواطن، 60% منها فى القاهرة والإسكندرية.
- ارتفاع تكاليف إيجار مكتبة، وكذلك إقامة معرض فى أى جهة، فالكل الآن يطلب إيجارا مُبالغا فيه.
- المعارض الخارجية تفرض إيجارات مُبالغ فيها تؤثر على ربحية الناشر.
- تكاليف الشحن مرتفعة، فنحن نتعامل دون ميزة نسبية للثقافة، فمن يُصدّر أى سلعة يعامل الكتاب مثله، مع أننا نُصدّر ثقافة لها أكبر الأثر على العالم أجمع فى معرفة مصر وتاريخها وإنتاجها الفكرى وهى ميزة نسبية مُعرّضة للانهيار.
البنية الإعلامية
صعب على الناشر التعامل معها دون تكلفة، فقد أصبحت الوسائل كلها بمبالغ يصعب على الناشر وضع إعلان عليها.
ليس هناك رؤية كاملة لنشر ثقافة الملكية الفكرية فى المجتمع بدءا من المدرسة وحتى الجامعة لأنها تخلق مجتمعا يحافظ على الإبداع ويحترمه وينميه..
الفضاء السيبرانى والمنصات والمواقع أصبحت المعول الأساسى فى الهدم، لأن الكثير منها يعمل دون قواعد وليس لدينا البيئة التشريعية المنظمة لهذا العالم الجديد والمهم والضرورى والذى يمكن أن يساهم فى حل الكثير من المشاكل بل وتنمية إيراد الناشر..
فى حديث متواصل لمتاعب مهنة تصنع الإنسان وتصون الهوية.