للشهداء في يومهم: لولاكم ما كنا هنا

الخميس الماضي، وقبل مثول المجلة للطبع حضرت الندوة التثقيفية السابعة والثلاثين التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، احتفالًا بيوم الشهيد الذى يوافق ذكرى استشهاد البطل الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذى استشهد وسط جنوده على الجبهة فى الخطوط الأمامية، خلال متابعته تنفيذ ضربة مدفعية مركزة استهدفت خط بارليف فى 8 مارس 1969 فى أعنف عملية قصف بالمدفعية لخط بارليف سبقت حرب أكتوبر 1973.

وخلال متابعته فى اليوم التالى (9 مارس 1969) لنتائج عمليات المدفعية بالموقع رقم 6 وهو أقرب موقع لخط بارليف ويبعد عنه 250 مترًا، أدرك العدو أن هناك قيادة مهمة من القوات المسلحة المصرية تزور الموقع، هنا قامت قوات العدو بقصف الموقع ليستشهد الفريق عبدالمنعم رياض، وسط جنوده ويظل المثل والقدوة فى التضحية والفداء وتتخذ مصر من ذلك اليوم تاريخًا للاحتفال بيوم الشهيد.

وتتوالى الأجيال ويرتفع حجم التضحيات دفاعًا عن تراب الوطن، لتظل مصر مرفوعة راياتها عالية صواريها.

يواصل الأبطال برهم بالقسم الذى أقسموه فى ميدان العزة والفخر، وتظل عقيدتهم ثابتة (النصر أو الشهادة).

وخلال الاحتفال تحرص إدارة الشئون المعنوية على عرض نماذج لتضحيات الأبطال ممن قدموا أرواحهم فداء للوطن، فنالوا الشهادة وضربوا أروع الأمثلة فى التضحية والفداء.

استعرضت الشئون المعنوية رموزًا خالدة من الأبطال ثم عرضت فيلم مثلث القيادة، الذى قدم نموذجا على وحدة الهدف لأبطال جمعتهم ساحة الشرف فى أرض طابور العرض بالكلية الحربية فى بداية حياتهم العسكرية لتوحد أرواحهم على الهدف النصر أو الشهادة، فيرزق ثلاثتهم الشهادة على أرض قدس أقداس الوطن ـ سيناء.

فخلال الحرب التى خاضتها مصر على مدى أكثر من 12 عامًا ضد الإرهاب قدم الشعب خيرة أبنائه من رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية والمدنيين.

(1)

وفى الثامن من يوليو 2015 استُشهِد البطل الرائد مصطفى حجاجى ابن الأقصر خلال مواجهات مع العناصر التكفيرية فى الشيخ زويد، وسط جنوده بعد أن حالوا دون سيطرة العناصر التكفيرية على كمين أبو رفاعي.

ليلحق به زميله الرائد محمد على العزبى فى 23 فبراير 2016 خلال مواجهات مع العناصر التكفيرية فى كرم القواديس، ثم زميلهم الثالث فى مثلث القيادة الرائد عماد الدين عبد الغنى أبورجيلة والذى استشهد فى 31 مايو 2017.

إنه القسم والعهد الذى أبروا به جميعًا.

ليأتى فيلم «الثمن - سيناء ملحمة التضحية والبناء» من إنتاج إدارة الشئون المعنوية ليكشف جزءًا من حجم ما قُدم خلال السنوات الماضية من تضحيات وحجم الحرب التى واجهتها الدولة المصرية.

لم يكن الثمن قليلاً، ولم تكن الحرب سهلة، فالحروب غير التقليدية كما ذكرت من قبل أكثر كلفة وأكثر صعوبة.

فقد تم تدمير 273 ألف و149 نفقًا ومخزنًا للذخائر والمعدات والمؤن وملاجئ كانت تستخدمها العناصر التكفيرية، وهذا الرقم يكفى لإدراك حجم الحرب التى كانت تخوضها القوات المسلحة والشرطة المدنية لتطهير سيناء من دنس الإرهاب.

لقد تم أيضًا تدمير 8,831 عبوة ناسفة و1,119 عربة كانت تستخدمها العناصر الإرهابية وكذا 2,344 دراجة نارية وأكثر من 1,369 من الأسلحة المتنوعة من بينها الأسلحة المضادة للطائرات، وصواريخ كورنيت.

كما تم ضبط 1,790 من أجهزة اللاسلكى التى كانت تستخدمها العناصر التكفيرية فى الاتصال وكذا أجهزة الكمبيوتر.

كما تم ضبط كميات كبيرة من الذخائر من مختلف الأعيرة.

لتأتى فقرة التكريم لأسر الشهداء ومصابى العمليات، وتتحدث أمهات الشهداء وأسرهم ليضربوا أيضًا المثل والقدوة على التضحية من أجل الوطن والعطاء من أجل رفعته وعزته.

وتتحدث الحاجة بهية والدة الشهيد الرائد مصطفى حجاجى والملقبة بأم الشهيدين، حيث استشهد نجلها الثانى الملازم أول أحمد، لتعبر هذه السيدة المصرية عن الدور المهم الذى تلعبه المرأة المصرية فى صناعة الرجال، وإيمانها بوطنها وحرصها على استقراره.

إن حديث أسر الشهداء يجعلنا دائمًا ندرك حجم الثمن الذى دفعته مصر خلال الفترة الماضية فى تلك الحرب حتى حرَّرت الأرض تمامًا من دنس الإرهاب.

لقد توقفت كثيرًا عند مشهد ذلك البطل الذى لم يتجاوز الأعوام الستة وهو يسير مرفوع الرأس واثق الخطى رغم حجم الألم الذى يعتصره؛ فقد البطل بلال محمد جمال محمد عطية الأكشر والده الشهيد البطل نقيب، محمد الأكشر وهو لم يتجاوز العام، وفقد والدته بعد ذلك بـ 6 أشهر لتربيه جدته.

إنه ثمن الحرب فى مواجهة عدو لا يعرف سوى الخراب، ولا يستهدف سوى تدمير الأوطان المستقرة.

(2)

جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي فى ختام الاحتفال لتكشف جزءًا من تفاصيل المخطط الذى استهدف الدولة المصرية خلال الفترة الماضية، وهو الأمر الذى يتطلب منا جميعًا أن نكون أكثر يقظة، فعملية استهداف الأوطان لا تتم بين يوم وليلة، إنما تعمل عليها قوى الشر على مدى سنوات طويلة وتواصل عملها للوصول للهدف (تدمير الدول).

وذكر الرئيس السيسي أنه خلال عام 2009 كان يتولى منصب نائب مدير المخابرات الحربية وخلال مناقشة الوضع الأمنى فى سيناء بحضور مدير المخابرات الحربية فى ذلك الوقت اللواء مراد موافى، ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن، كانت قد تشكلت فى شمال سيناء على مدى 7 سنوات بنية أساسية ضخمة عبارة عن مخازن للأسلحة والذخيرة والمفرقعات، وبنية بشرية كبيرة من العناصر التكفيرية للسيطرة على تلك المنطقة، مستهدفة فصلها عن الدولة، الأمر الذى يحتاج إلى جهد وعمل عسكرى كبير لمواجهة تلك الأزمة.

كان الأمر يحتاج إلى عمل عسكرى كبير من الجيش والشرطة فى ذلك الوقت لكن هذا لم يحدث، نظرًا لوجود الاتفاقية التى تحد من القوات فى تلك المنطقة، سواء من الجيش أو الشرطة.

وظل الأمر حتى 2011 وظهرت المؤامرة بأبعادها الكاملة خلال انشغال المواطنين فى الميدان .. كان يتم تخريب مؤسسات الدولة المصرية فى سيناء والقضاء عليها (أقسام شرطة ومديريات أمن).

وفى يوم 28 يناير 2011 نتيجة هذا التعدى كانت الأمور خارج السيطرة وهنا تم عرض الأمر على المشير محمد حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة فى ذلك الوقت.

ويكمل الرئيس السيسي قائلًا: «قلت للمشير طنطاوى إنه من الممكن أن تكون هناك مشكلة كبيرة فى سيناء لو الأمر استمر بهذا الشكل (حالة عدم السيطرة) لأن هؤلاء (التكفيريين) قد يقومون بعمليات ضد إسرائيل عبر الحدود وعندها سترد إسرائيل وعندها قد يتطور الأمر إلى صراع ضخم وقد يكون ذلك هدفًا للعناصر الإرهابية من أجل إشعال الصراع.

وطلبنا الدخول بقوات فى المنطقة (العريش ورفح والشيخ زويد) للسيطرة على الموقف فى مواجهة العناصر التكفيرية، وتمت الموافقة من الجانب الآخر.

واستمرت مصر فى تلك المواجهة من ذلك الوقت وزادت القوات للتعامل مع التحديات الموجودة على الأرض حتى تم تطهير الأرض بالكامل، وقريبًا سيتم الاحتفال بالقضاء على الإرهاب فى سيناء».

لكن تلك الكلمات حملت رسالة مهمة، وهى أن الدول تسقط فى يد قوى الشر عندما تصاب بحالة من الضعف، وأخطر تلك الحالات أن تصاب بحالة من الانقسام الداخلى والتشرذم، أو تصاب بحالة من الفوضى تجعلها غير قادرة على مواجهة التهديدات.

فعملية تدمير الدول من الداخل أقل تكلفة على العدو، الأمر الذى يجعلها خيارًا مهمًا عندما يستهدف أى دولة.

وهو ما يتطلب منا جميعًا أن نكون أكثر يقظة وألا نسمح بتكرار ما حدث مرة أخرى.

وعلينا أن ننتبه لكل ما يدور فى المنطقة والتهديدات والتحديات التى تواجهها من حالة عدم الاستقرار.

ثم علينا أن ندرك حجم ما تحقق من إنجاز ونحافظ عليه فقد اتخذت الدولة المصرية مسارين متوازيين، الأول مواجهة الإرهاب والثانى عمليات التنمية والبناء فى سيناء وفى كافة ربوع مصر.

لقد بلغت تكلفة مكافحة الإرهاب 90 مليار جنيه، بالإضافة إلى تضحيات أبنائنا من الشهداء ومصابى العمليات، وهو ما يستوجب علينا الحفاظ على ما تحقق.

لقد ذكر الرئيس أنه بعد إعلان القضاء على الإرهاب خلال حضوره اصطفاف المعدات المشاركة فى تنمية سيناء بالفرقة السادسة المدرعة، حاولت قوى الشر أن تنفذ عملية تثبت بها أن الإرهاب ما زال موجودًا؛ لكنهم لن يستطيعوا فعل ذلك؛ يتطلب ذلك منا جميعا اليقظة وإدراك أهمية الحفاظ على الإنجاز، الذى كلفنا ثمنًا باهظًا بخلاف دماء الشهداء والمصابين.

لولا التضحيات التى قدمت ما كنا هنا نعيش فى أمن واستقرار وسلام، ولما استطعنا أن نقوم بما يجرى على أرض مصر من تنمية؛ إن حجم التحديات يتطلب منا أن نكون أكثر صلابة وقوة وتماسك فى مواجهة تلك التحديات لنعبر مرحلة من أهم المراحل فى تاريخ الوطن، لأن عملية بناء دولة واستعادة مكانتها ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى تضحيات.

وقد ذكر الرئيس أن الاحتفال قريبًا فى سيناء بالانتصار على الإرهاب، وسيكون هناك معرض لنتائج تلك الحرب وبالتفاصيل؛ لقد بات علينا جميعًا أن ندرك خطورة انهيار الدول ودخولها فى دائرة الفوضى، فلم تدخل دولة تلك الدائرة إلا ولم تخرج منها حتى الآن.

إن عملية تدمير الدول من الداخل عملية ممنهجة تبدأ بتزييف وعى الشعوب لتنتقل إلى مرحلة تدمير الثقة بين المواطن والنظام ثم مرحلة إفشال الدولة ثم إشعال الفوضى.

لقد استطاعت مصر أن تنجو من تلك الدائرة الشيطانية، لكن محاولات قوى الشر لا تتوقف مستهدفة ضرب استقرار الدولة، ليظل وعى المصريين حائط صد منيع وتضحيات الشهداء ومصابى العمليات فى مواجهة تلك التحركات الشيطانية.

الأم المثالية

خلال الاحتفال بيوم الشهيد فى الندوة التثقيفية وتكريم أسر الشهداء، كانت والدة الشهيد النقيب البطل محمد جمال الأكشر ضمن المكرمين، وحضر معها حفيدها بلال نجل الشهيد، والذى تقوم على رعايته وتربيته ووقف على المنصة متحدثًا ليؤكد أن تلك السيدة التى ربت بطلًا فاز بالشهادة ترعى مشروع بطل جديد سيكون خير خلف لخير سلف، فأتمنى من وزارة التضامن أن تكون تلك الأم الفاضلة/ صباح سيد جودة منصور، ضمن المكرمات هذا العام من الأمهات المثاليات.

أضف تعليق