ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول هل إطالة الركوع في الصلاة أفضل أم إطالة السجود؟
ومن جانبها قالت دار الإفتاء بتَعْظُيم أفضلية الصلاة على سائر ما شرع الله تعالى من عبادات؛ إذ هي عماد الدين وقوامه، وأهم ركن من أركانه بعد الشهادتين، وأحبُّ الأعمال التي يُتَقربُ بها إلى الله تعالى، فعَنْ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ عِنْدَ اللهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّين» أخرجه الإمام البيهقي في "شعب الإيمان".
ولعظم مكانة الصلاة وأفضليتها حرص الصحابة رضي الله عنهم على تأديتها على أتمِّ وجهٍ وأكملِه، متأسّين في ذلك بصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الهيئة والصفة والوقت؛ تطبيقًا لأمره صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه"، ولما علموا من أنه لا تمام ولا كمال يرومه أو يتغياه إنسان في شيء من عبادته إلا إذا كان متبعًا في ذلك هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنته الشريفة.
وبلغ من حرصهم على اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن اعتَنَوْا بتقدير وقت صلاته؛ في قيامه، وركوعه، وسجوده، وكانوا يتناقلون ذلك فيما بينهم؛ حتى إذا رَغِبُوا في الامتثال به عَلِمُوا كيف يُصَلُّونَ مثل صلاته، ملتزمين في ذلك بِطُولها وقِصَرِهَا وهيئتها.
فعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال العلامة مظهر الدين الزَّيْداني في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 130، ط. دار النوادر): [قوله: "نحزِرُ"؛ أي: نقدِّرُ، (الحَزْر): التقدير] اهـ.