كتب: عمرو عادل
أثارت موافقة البرلمان على تعديل قانون إشغال الطرق وإقرار رسوم ضريبية على عربات المأكولات، جدلًا واسعًا خاصة قبل شهر رمضان الذى يعتمد فيه أغلبية المصريين على وجبة الفول فى السحور.
كذلك خيمت حالة من الزعر على أصحاب عربات المأكولات الأخرى خاصة غير القادرين على دفع الرسوم التى ستقررها المحافظات بهذا الشأن.
الملفت فى النظر أنه تم تناول الأمر بشكل مغلوط حيث تم الربط بين قانون إشغال الطرق والذى أقر الرسوم الجديدة، وقانون آخر تقدم به النائب محمد على يوسف رئيس لجنة المشروعات الصغيرة وحصل أيضًا على موافقة خلال الأيام الماضية ويرتبط بعربات المأكولات ..
البرلمان
في البداية حلت «عربات المأكولات» على مائدة البرلمان، الأسبوع قبل الماضى، بعد موافقة البرلمان على تعديل أحكام قانون رقم 140 لسنة 1956 المتعلق بإشغال الطرق العامة، والذى تقدمت به الحكومة ممثلة فى وزارة النقل منذ فترة، والذى أقر فرض رسوم لا تتجاوز 20 ألف جنيه، لمنح عربات المأكولات تصاريح عمل؛ وذلك لإشغالهم مساحة من الطرق العامة، وهو التعديل الذى أثار الجدل ولقى اعتراضات كبيرة من المواطنين الذين يخشون ارتفاع الأسعار وتحملهم فاتورة تلك الرسوم.
وقال النائب محمد المرشدى وكيل لجنة المشروعات الصغيرة بالبرلمان: إن تعديل قانون إشغال الطرق يختلف عن قانون عربات المأكولات، وأنه حدث لبس كبير فى طريقة تناول الموضوع، لأن الأخير تم تقديمه من رئيس لجنة المشروعات الصغيرة بالبرلمان النائب محمد على يوسف، وتمت الموافقة عليه الأسبوع الماضى، حيث يشمل سيارات المأكولات داخل التجمعات السكنية سواء بالمدن أو المحافظات، والإدارة المحلية وهيئة المجتمعات المحلية، هى المنوط بها، مضيفًا أن القانون الخاص بعربات المأكولات هدفه تقنين وضع الشباب ممن لديهم عربات بالأحياء السكنية حيث يتم تخصيص مناطق لتلك العربات بالأحياء مثل الدول المتقدمة، ويحصل الشاب على عربة مجهزة خاضعة لكل المواصفات ورقابة الصحة والبيئة، وذلك فى إطار المشروعات الصغيرة المقدمة للشباب، حيث يمكن للشاب أن يقترض عن طريق بنك أو جهاز تنمية المشروعات ويحصل على سيارة المأكولات وترخيصها، وهو الأمر الذى لم يكن متاحًا من قبل، فيما بات من حقه أن يقف بالمدينة بالمكان الذى سوف يرخص له به، وذلك يضمن تقنين أوضاعهم وعدم مطاردتهم أو خسارة السيارة ومصادرتها من المرافق.
وأوضح أنه من أهم ملامح القانون أن جهاز تنمية المشروعات يساهم بقروض للمشروعات الخاصة بالشباب «عربات الأكل» والمصانع الحربية أعدت نماذج لتلك السيارات، فيما لم يحدد القانون الرسوم الخاصة بترخيصها، حيث ترك الأمر للجهة الإدارية بالمحليات هى الموكل لها الإشراف على تلك السيارات.
وفيما يخص الرسوم التى تصل إلى 20 ألف جنيه قال المرشدى إنها تتعلق بقانون إشغالات الطرق، والذى تقدمت وزارة النقل بطلب لتعديله، حيث إن عربات المأكولات سواء أكانت فول أو غيرها والتى تتواجد فى الطرق الرئيسية أو التابعة لوزارة النقل سوف تدفع الرسوم مقابل إشغالها للطريق، وقد حددت الوزارة أماكن معينة بالطرق الرئيسية لتكون مقرًا لتلك العربات وسوف يكون مبلغ الـ20 ألف جنيه هو مقابل تلك المساحة.
أصحاب العربات
ما بين الشفقة والشماتة والترحيب والرفض يعيش أصحاب عربات الفول حالة من التشتت الكبير بعد سماعهم بأنهم أصبحوا مخيرين بين الترخيص أو الحبس أو ترك المهنة نهائيًا، بعضهم رحب بالأمر ورأى أنه سيتيح له العمل بشكل أطول، والبعض الآخر رأى أنه من غير الممكن دفع قيمة الترخيص نظرًا لأن مكانه لا يتحمل دفع هذه القيمة وأنه قد يلجأ إلى ترك المهنة.
قال الحاج علي ، صاحب عربة فول بمنطقة مدينة نصر : إنه لم يعلم تفاصيل التكاليف التى يمكن أن يدفعها للحى، وبعد أن علم بأنها قد تصل إلى 20 ألف جنيه أصابه الذهول، مؤكدًا أنه على الرغم من ضخامة المبلغ إلا أنه سيكفيه التعرض لحملات الحى بين الحين والآخر ومصادرة معداته، وكذلك التوقف عن دفع إتاوة شهرية لعمال الحى حتى يتركونه واقفًا فى مكانه.
وأضاف محمد السيد، صاحب عربة فول بشارع الهرم: «أعمل 3 ساعات فقط مساء كل يوم لا أكسب أكثر من 200 جنيه يوميًا 50 منهم أجرة العامل المعاون لى ناهيك عن أسعار الفول والزيت وخلافه، فلا يتبقى لى شهريًا أكثر من 2000 جنيه كمكسب وهو يكفينى للحياة أنا وأسرتى ولا يمكننى أن أدفع تلك المبالغ الخرافية التى يتحدثون عنها لأنه يصعب توفيرها من الربح، خاصة أن طبيعة المكان الذى أعمل فيه لا تسمح بالحصول على مبالغ أكبر من تلك التى أبيع بها يوميًا.
اعترضت هبة السعيد فتاة جامعية حاصلة على ليسانس حقوق من جامعة عين شمس، وتعمل على عربة سجق وكبدة بمنطقة مصر الجديدة، على المبلغ المقرر دفعه إشغالًا للطريق، مؤكدة أنه رغم توقفها عن العمل منذ شهر ديسمبر الماضى فإنها تنتظر الترخيص الذى يتيح لها العودة للعمل مرة أخرى، خاصة أنها تركت المحاماة من أجل العمل فى الشارع لعدم وجود فرصة عمل جيدة فى المحاماة.
خبراء الاقتصاد
وعن رأي الجانب الاقتصادى فيما يخص هذا القرار، حيث أكد الدكتور والخبير الاقتصادى رشاد عبده، أن قرار فرض رسوم على ترخيص عربات المأكولات قرار صحيح، لأنها مقصد عدد كبير من المواطنين، وتحتاج إلى إشراف صحى، ومتابعة، كذلك تنتشر الرشاوى بسبب خوف صاحب العربة من مصادرتها، فالترخيص أيضًا يمنح ضمانات، كون صاحب عربة لمأكولات يقف بمكان ثابت ومعروف وفى حال حدوث أى مكروه يمكن الرجوع إليه، فضلًا عن تقليل فساد المحليات.
ولكن الأزمة الحقيقة تكمن فى تحديد مبلغ كبير ليكون مقابل للترخيص، لأن 20 ألف جنيه ليست مبلغ بسيط على شباب غلابة يقوم باختيار تلك المشروعات لتوفير دخل له، مشيرًا إلى أن المبلغ فى أقصى تقدير له لم يكن ليتخطى 3 آلاف جنيه، حتى يمكن للشباب العمل والشعور بالأمل فى الغد فلا يوجد داع لأن نحول حياتهم لسواد.
وحول الحديث عن تحقيق تلك العربات لمكاسب كبيرة يصعب حصرها، قال عبده لا توجد مشكلة فى أن يحقق الناس مكاسب، خاصة أننا لا نتحدث عن مشروعات بالملايين، ولكنها مشروعات بسيطة تحقق مكسبًا مناسبًا للمعيشة الإنسانية، فكيف يمكن لأى شاب أن يحقق تلك المعيشة فى حال أنه يقوم بدفع أى مبلغ يستطيع جمعه فى رسوم وضرائب، مضيفًا أن أصحاب العربات سوف يحملون فارق الأسعار للمواطن الغلبان، وهذا سوف يؤدى إلى رفع أسعار فى شتى المجالات، فمثلًا عربات الفول التى يتردد عليها الموظف والعامل والحرفى، عندما ترتفع قيمة الوجبة بها، سوف نجد الحرفى يرفع من قيمة عمله والعامل كذلك وهكذا، ونجد الأسعار ارتفعت ونعود لنسأل عن السبب، ولذلك فإن هذا القرار ضد المواطن.
مشيرًا إلى أن الدول المتقدمة قامت على المشروعات الصغيرة وترك الفرصة للمواطن أن يحقق مكاسب من تلك المشروعات، وهو ما يأتى بالنفع للمجتمع ككل، ولكن لدينا الأمر اختلف فنحن نحارب من يحقق مكاسب، حتى وإن كانت ضعيفة، منوهًا إلى أن البرلمان هو عين للشعب على الحكومة وليس العكس، وعليه أن يعود لدوره لا أن يجامل الحكومة على حساب الشعب.
مكسب عربات الفول
كانت ولا تزال عربة الفول لها طابع خاص فى وجدان المصريين، فهى قبلة الموظف والعامل والطالب والمثقف والشاعر والفنان، ورغم مرور عشرات السنوات عليها كفكرة لتداول الأطعمة خارج المنزل، إلا أن لونها الأحمر الزاهى والآيات القرآنية وأشكال الأطباق والأمثال الشعبية ظلت هى الملامح الرئيسية لها.
2.5 مليون عربة فول، هذا هو الرقم التقديرى الذى ذكره المركز الوطنى لحماية الأسواق والمستهلك، فيما يخص عدد عربات الفول فى مصر عام 2015، والذى يحتمل أن يكون قد تضاعف خلال الأيام السابقة مع انتشار فكرة عربات المأكولات، ورغم أن المنتج واحد، إلا أن مكاسب تلك العربات تختلف وفقًا للعديد من العوامل، منها منطقة التمركز، وما إذا كانت عربة ثابتة أو متحركة، وعدد المترددين عليها.
على الرغم من أن هناك جزءًا كبيرًا لا يجنى الكثير من الأرباح إلا أن هناك جزءًا آخر يتربح بمئات الآلاف سنويًا من عربات الفول، المهنة التى تبدأ بتجهيز عربة فول بتكلفة نحو 7 آلاف جنيه، فيما أعلى مصنوعة من الخشب إضافة إلى «قدرة» يقدر سعرها حاليًا نحو 1000جنيه وتجهيزات الشغل الأخرى.
تستخدم العربات بداية من 10 كيلو فول إلى 50 كيلو، ويبلغ كيلو الفول من 20 إلى 30 جنيهًا، مقارنة بـ 5 أو 6 جنيهات قبل ثورة 2011 وتستخدم تلك الكميات حسب العربات التى تعمل طوال اليوم أو فترة الصباح أو المساء فقط. وحسب عدد من أصحاب عربات الفول تستخدم العربة نحو 300 إلى 1000 رغيف عيش فى اليوم، ويباع طبق الفول فى المناطق الشعبية بـ 5 أو 6 جنيهات، وفى بعض المناطق يصل إلى 12 جنيهًا.
وتقدر قيمة المكاسب لتلك العربات ما بين 400 و500 جنيه مكسب يومى للرعبات الموجودة بالمناطق الرئيسية والراقية، إلى 150 و200 بالمناطق الشعبية، فيما ترتفع تلك القيمة وتتضاعف خلال شهر رمضان، والذى يشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين على الفول وخاصة فول العربات نتيجة إغلاق العديد من المطاعم أبوابها خلال فترة الصيام، وتوقفها عن العمل.