ينتظر جميع المسلمين في أنحاء العالم شهر رمضان الكريم من عام إلى عام بفرحة وسعادة كبيرة للاحتفاء به، والشهر الفضيل لدى المصريين خاصة مرتبط بعادات ومظاهر احتفالية وأجواء ساحرة، من تعليق للزينة وشراء الفوانيس والياميش إلى جانب أجواء الليل من صلاة التراويح والتجمعات الأسرية والسهر والمسحراتي، كل تلك المظاهر والعادات جسدتها أغاني رمضان في كلمات وألحان خُلدت في الذاكرة، كما أن تلك الأغاني وصفت رمضان بشهر البركات وأعمال الخير ومليء بالروحانيات وتكثر فيه الزكاة والإحسان والغفران، كما صورت فرحة العيد بعد رمضان ومظاهره.
وقُدمت أغان كثيرة عن رمضان لكن هناك مجموعة من الأغاني أصبحت من علامات الشهر الكريم وتبث دائمًا في الإذاعة أو التلفزيون وأصبحت من الموروثات الفنية المتعلقة برمضان وارتبط بها الجميع ويسعد لسماعها.
الترحيب ومظاهر الاحتفال برمضان
من أشهر أغاني الترحيب بقدوم رمضان أغنية "رمضان جانا " للمطرب محمد عبد المطلب عام 1965، ووصفت كلمات الأغنية التي كتبها حسين محمد طنطاوي، مدى الشغف والفرح بقدوم رمضان ومظاهر تعليق الزينة في كلماتها "يوم رؤيتك لما تجينا زي العرسان نفرح وننصب لك زينة أشكال وألوان" والسهر في انتظار المسحراتي في "يا مسحراتي دوقلنا تحت الشباك سمعنا وأفضل غني لنا للفجر معاك" وللأغنية لحن مميز قدمه محمود الشريف.
"وحوي يا وحوي" قدمها المطرب أحمد عبد القادر وهي من أقدم الأغاني التي رحبت بقدوم الشهر الكريم حيث كانت في الثلاثينات من القرن الماضي، ومزج شاعرها حسين حلمي المانسترلي كلماتها مع كلمات مصرية أصيلة وعادات المصريين في رمضان، في "وحوي يا وحوي إياحه روحت يا شعبان إياحه" وهي كلمات مرتبطة برمضان بشكل أصيل يتغنى بها الأطفال وهم يلهون بالفوانيس وهي كلمات فرعونية فـ" وحوي" تعني فرحي و"إياحه" قمر والمقصود بتلك الجملة الخروج والفرح مع قدوم الهلال، وأشار في أغنيته إلى عادة الفانوس في "هاتي فانوسك يا أختي يا إحسان" وإلى مظاهر الاحتفال العيد في "بكرا في عيدك نلبس فستان"، تميزت أيضا الأغنية بلحنها الخاص الذي قدمه أحمد الشريف.. وهذه الأغنية أعاد الشاعر فتحي قورة صياغتها وقدمت مرة أخرى في فيلم "قلبي على ولدي" لزكي رستم، وغنتها وقتها المطربة هيام يونس وهي طفلة.
وغنى الفنان عبد العزيز محمود من ألحانه وكلمات محمد علي أحمد عام 1966، أغنية "مرحب شهر الصوم" التي جسد فيها مظاهر الاحتفال برمضان ومدى الاشتياق لقدومه وأيامه التي كلها بركات وفضل وإحسان في "زيك مفيش بين الأيام كلك حسنات.. بيزيد معاك نور الإسلام فضل وبركات" وأشار إلى حلاوة ليالي رمضان في "لياليك محلاها يا رمضان.. ويا محلى بهاها يا رمضان" كما عبر عن الفرحة بالصلاة والصيام والسهر في "كل العباد فيك فرحانة من صلاة وصيام.. حتى العيون فيك سهرانة مش راضية تنام"، كما وصف عادة اللعب بالفوانيس في "محلاهم فيك بعد ما نفطر شمع منور.. ماسكين فوانيس دا فانوس أحمر وفانوس أخضر".
من ضمن أغاني الترحيب بشهر رمضان أغنية "أهلًا رمضان" التي غناها محمد فوزي والتي أيضا رسمت كل ملامح الفرحة والشوق بقدوم رمضان وأنه من الأشهر المفضلة في كلماتها "يا مفضل عند الرحمن بعد الغيبة هلالك بان".
أغاني وصف رمضان
من الأغاني التي وصفت رمضان كشهر سماح وغفران وبركات وتحث على اتباع السنة والذكر وترحب بعودته مجددًا أغنية محمد قنديل "والله بعودة يا رمضان" التي اقتبس الشاعر عبدالوهاب محمد اسمها من تهنئة المصريين لبعضهم، ولحنها الموسيقار جمال سلامة.
كما وصفت المطربة فايزة أحمد في أغنيها "يا شهر الصيام" بأنه شهر الطفولة حيث يرتبط الجميع في طفولته بالفانوس وأنه شهر كله معاني ودروس وعبادة، ووصفت أيضا كلمات الأغنية مظاهر رمضان من مدفع إفطار وطبلة السحور، في "بمدفع فطورك وطبلة سحورك يوحد شعورنا وتهدى النفوس" كتب كلمات الأغنية عبد الفتاح مصطفى، ولحنها محمد فوزي.
أغنية "والله زمان يا رمضان" غناء فاطمة على وألحان أحمد صدقي وكلمات عبد الفتاح مصطفى، هي من الأغاني التي تجسد مظاهر رمضان خاصة الفانوس الذي يعد موروثا شعبيا عند المصريين يعود تاريخه لأكثر من ألف عام منذ أيام الفاطميين وجاء في كلمات الأغنية التي كتبها عبد الفتاح مصطفى "يا فانوس منقوش زي الطربوش لونك منقوش أحمر وأخضر أزرق وأصفر".
أغنيات فضل رمضان
أغنية "كريم يا شهر الصيام" للمطربة الكبيرة نجاة من الأغاني التي جسدت فضائل شهر رمضان من صبر وبركات وسلام ورحمة، وأن رمضان شهر فرحة للمحروم لما في الشهر من خيرات في "يا فرحة المحروم بالبر يوم ورا يوم" وهي من كلمات عبد المنعم السباعي وألحان أحمد عبد القادر.
من الأغاني أيضا التي جسدت ووصفت فضل الشهر وتميزت بلحنها المبهج أغنية "يا بركة رمضان خليكي" لمحمد رشدي، وكلمات محمد الشهاوي ولحن حسين فوزي، ويخاطب رشدي في أغنيته بركة رمضان بأن تظل في البيوت قائلا "يا بركة رمضان خليكي خليكي في الدار" وأنها الخير الذي يسعد الدنيا في " جايبه الخير دائما وياكي والدنيا بتسعد بلقاكي".
المسحراتي حالة خاصة
من أشهر مظاهر رمضان لدى المصريين المسحراتي الذي يحمل الطبلة ويطرق عليها ليلا ليوقظ الجميع لتناول السحور وقد جسد تلك الشخصية الموسيقار سيد مكاوي في أغنية "أصحى يا نايم" التي كتبها فؤاد حداد، وهي شكلت حالة خاصة في وجدان المصريين كذلك أداؤه الغنائي ونطقه الشهير في كلمة "رمضان كريم" يعقبها طرق الطبلة.
كما قدم الموسيقار محمد فوزي أغنية "المسحراتي" من كلمات بيرم التونسي وكان فوزي أول من قدم المسحراتي عبر الإذاعة عام 1955.
ولتلك المهنة تاريخ طويل حيث يعود تاريخ المسحراتي إلى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يتولى أمر إيقاظ الناس بلال بن رباح، ثم مع مرور الأزمنة طور المصريون الأمر وأصبحوا أول من قاموا بإيقاظ الناس على صوت الطبلة للسحور في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون بالطرق عليها بضربات متتالية لها نغمة مميزة يعرفها من يسمعها، وينادي المسحراتي بكلمات مثل "اصحي يا نايم وحد الدايم" كما يتغنى بالأناشيد كما من عاداته المناداة على الناس بأسمائهم، حتى أصبح المسحراتي جزءًا أصيلًا من تاريخ مصر وعاداتها ومظاهرها في رمضان وقدمت له أغاني خاصة.
أغاني رمضان للأطفال
لم ينس الشعراء الأطفال في شهر رمضان وكتبت لهم عدة أغاني من أشهرها "أهو جه يا ولاد" تأليف نبيلة قنديل وألحان علي إسماعيل، وغناها مجموعة من المطربين، وجسدت هذه الأغنية معظم مظاهر الاحتفال برمضان من التحضير للإفطار منذ الصباح في "من الصبح نقوم ونحضر له" وتطرقت لأنواع ياميش رمضان في "من قمر الدين وبلح على تين" وأيضا في "نملأ جيوبنا بندق وزبيب ونهادي بيهم كل حبيب"، وذكرت الشاعرة فرحة العيد ومظاهره بعد رمضان في "بعديك العيد وبنفرح به.. كحك بسكر راح نفطر به ..والزكا بأيدينا هنوديه".
وكما قُدمت أغنية للأولاد بمناسبة رمضان، تأتي أغنية "افرحوا يا بنات" غناء مجموعة مطربين أيضا، كأغنية للبنات تطالبهن فيها بالفرح والتي تعد في كلماتها مشابهة لأغنية "اهو جه يا ولاد" حيث جاء فيها ذكر الفوانيس والتين وقمر الدين وأكياس الياميش والمكسرات في "أكياس النوقل وقراطيسه" وحلوى رمضان التي نتناولها عقب الإفطار في "بعد الفطار دوغري نحلي .. بكنافته وقطايفه تملي" والتي تعتبر من المظاهر الأساسية التي تميز شهر رمضان.
محمد فوزي لم يفوت تلك المناسبة وقدم أغنية للأطفال، فقد غنى عدة أغنيات للأطفال التي حققت نجاحات كبيرة مازالت تغنى حتى الآن، وقدم فوزي أغنية "هاتو الفوانيس" التي جمع فيها معظم مظاهر رمضان من خشاف وفول وكنافة وقطايف في "هنغير ريقنا على خشاف والفول راح يتاكل حاف وكنافة وقطايف بيضا" وأيضا السهر مع الأصدقاء والحث على المسامحة في "ويا بخت اللي يصالح صاحبه ويسبق بالخير ويروحله".
في وداع رمضان
"تم البدر بدري" الأغنية الأشهر في وادع رمضان التي غنتها المطربة الراحلة منذ أيام قليلة شريفة فاضل، وكتبها عبد الفتاح مصطفى وهو متأثر وحزين لانتهاء رمضان وكتبها بمشاعر صادقة لذلك لمست قلوب مستمعيها ولحنها عبد العظيم محمد، وتقول كلماتها "تم البدر بدري والأيام بتجري والله لسه بدري والله يا شهر الصيام" وحينما يسمع أي شخص تلك الأغنية يشعر بالحزن على فراق هذا الشهر الفضيل، وحققت الأغنية نجاحا مدويا عقب إذاعتها في منتصف الستينات وأصبحت من العلامات المميزة لشهر رمضان، وعزا الشاعر في كلمات الأغنية بأن رمضان يأتي بفرحة وينتهي تاركا فرحة أيضا بالعيد في كلماته "وتسيب يوم وداعك فوق الأرض عيد.. يا هالل بفرحة ومفارق بفرحه".
الأغاني الحديثة لشهر رمضان
في الآونة الأخيرة قدم عدد من المطربين أغنيات لشهر رمضان والتي أيضا جسدت مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم وحققت نجاحا كبيرا وتجاوب معها المصريون منها أغنية المطرب الشعبي حكيم " رمضان كريم" ألحان هاني فاروق وكلمات إسلام خليل، التي قدمها تتر لأحد المسلسلات تحمل نفس اسم الأغنية في عام 2017 ورسمت كلماتها مظاهر رمضان وفرحته وعاداته في الأماكن الشعبية من مهاداة الجيران بعضهم لبعض أصناف الطعام خلال الشهر في "رمضان كريم والله يوماتي وخدي وهاتي و كل أيد بتناول ايد" ومن سهر على المقاهي وازدحام على محلات الكنافة وسماع تواشيح الشيخ النقشبندي في "القهوة اللي في حارتنا بتفتح بعد الفطار وبياع الكنافة عنده زباين كتار.. واسمع في الراديو وأعلي تواشيح النقشبندي ..نتسحر بدري بدري والحارة بحالها تجري عالجامع الكبير".
غنى أيضا هشام عباس أغنية "رمضان هل هلاله" من كلمات وألحان عزيز الشافي التي تعتبر "نوستالجيا" لشهر رمضان بكل مظاهر زمان ويتضح هذا في كلمات الأغنية في "فكرني بحاجات وذكريات.. بيعدي عمري وليها في قلبي مكان" وجسد تلك الذكريات في كلمات "جت على بالي ابتسامة الشعراوي.. قبل المغرب وهو بيفسر القرآن.. صوت المنشاوي قرايه الطبلاوي.. والشيخ محمد رفعت وحلاوة الآذان"، وتطرق للمة العائلة وزحمة الجوامع في التراويح وصلاة الفجر وأجواء الحسين ودورات كرة القدم الرمضانية، ووصفت الكلمات دفء البيوت في تفاصيله البسيطة في "سبحة أبويا طرحة أمي.. ودموعنا في صلاة التراويح"، وقدم هشام عباس الأغنية منذ أكثر من عشر سنوات.
في نفس الفترة قدم أيضا إيهاب توفيق أغنيته "هلال رمضان" من كلمات عبد المنعم طه وألحان أشرف سالم، التي أشار فيها إلى أن انتشار أجواء المحبة والروحانيات والإيمان وهي من علامات عودة رمضان وجاءت كلماتها "لما تلاقى نجوم السما مليانة إيمان.. وأما تلاقى الخير والحب في كل مكان..وأما تلاقي هلال نور في السما فرحان..يبقى بعودة رجوعك لينا يا رمضان" وتطرق أيضا إلى فوانيس رمضان والتراويح وأجواء السهر والسحور.
كل تلك التفاصيل جعلت رمضان في مصر مختلفا عن كل العالم وهو ما تغنى به حسين الجسمي في أغنية "رمضان في مصر حاجة تانية والسر في التفاصيل.. رمضان في مصر حاجة تانية طعمه بطعم النيل" التي لخصت كل تفاصيل وأجواء رمضان في مصر التي لها سحر خاص ميزته عن غيره وسر تفرده هو تفاصيله التي عددها في الأغنية، حتى المغترب الذي يستمع لتلك الأغنية يستعيد ذكرياته في وطنه ووسط أهله ويتمنى العودة لقضاء رمضان معهم وتجسد ذلك في "وده كان مسافر في الغربة وخذ إجازته هنا معانا" ورغم الأغنية كانت إعلان دعائي لإحدى شركات المحمول إلا أنها حققت نجاحا كبيرا ولمست قلوب المصريين رغم ظهورها منذ عامين فقط، والأغنية من كلمات أمير طعيمة وألحان إيهاب عبد الواحد.
كل تلك الأغاني القديمة والحديثة رسمت بورتريه بالكلمات لشهر رمضان وجسدت مظاهر الاحتفاء به وبمجرد سماعها يبادر إلى أذهاننا ذكرياتنا في رمضان مع الأهل والأصدقاء والأبناء، ويكفي سماعها لتعرف عادات المصريين في رمضان وطرق احتفالهم والأكلات والحلويات والمشروبات المفضلة لديهم في هذا الشهر المبارك، فالفن هو القوة الناعمة التي تهذب النفوس وتشحن الطاقات ونستعيد معها الذكريات، ووصفت وجسدت هذه الأغاني ملامح رمضان لدى المصريين واحتفالاتهم بالشهر الكريم.