​كمال قوته فى آية ضعفه

​كمال قوته فى آية ضعفهحسين خيرى

الرأى27-3-2023 | 08:02

برغم ضعف الإنسان استطاع أن يتغلب على ضعفه، واستطاع من خلال تعلمه العلم أن يسخر الطبيعة له، ويعجز عن سماع كل الأصوات ذات الترددات المختلفة، ومن ناحية أخرى تسمع الكلاب أصوات الترددات المنخفضة، والخفافيش لديها قدرة على استقبال الموجات الصوتية صاحبة الترددات العالية، لكن الإنسان نجح فى سماع كل الأصوات بجميع تردداتها بل رؤيتها وتحديد هويتها، وفك شفراتها، وطوّعها فى خدمته، ويوضح هذا لكل ذي بصيرة فى قوله تعالى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير".. وتبرز دلالة الآية الكريمة فى أن القوة لا تقتصر على بنيان الإنسان.

ونفس الحال بصر الإنسان محدود، لا يمكنه الرؤية إلا فى نطاق الضوء الأبيض ومكوناته من ألوان الطيف، ويعجز تمامًا عن الرؤية، إذا تغيرت مكونات الضوء فجأة، ولا يستطيع تحديد الأشياء مع الأشعة البنفسجية، أو تحت الأشعة فوق الحمراء أو غيرهما، بينما ترى الطيور والحيوانات بوضوح الأشياء فى ظل هذه الإشعاعات، لكن كما تمكن من سماع ما لا تدركه أذناه عبر قدراته المعرفية، شاهد كذلك بسهولة جميع أنواع الأشعة الضوئية.

وفى عصرنا الحديث استوعب الإنسان علو المقصد الإلهي على قدراته العقلية المحدودة، وجعلنا نتساءل لماذا خلقنا الله ضعفاء ولم يخلقنا أقوياء؟! والسبب أن رؤيتنا بمفردها عاجزة عن تفسير انحسار رؤية مفردات القوة فى القدرات الجسدية والمادية، وأنها هي السبيل نحو الاستقرار علي الأرض، وتكمن حقيقة الإجابة فى أن الخالق وضع سر قوة المرء فى عقله.

ولا تزال أسرار إعجاز الخالق تتبلور فى قدرات الإنسان العقلية، وتنفى من جهة أخرى نظريات علمية أن الدماغ هو العقل، وتؤكد أن القلب المسئول رقم واحد عن التعقل والتدبر، ويفسر ذلك خطاب الخالق فى القرآن الكريم إلى القلب، ويقول الله تعالى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا"، اكتشف العلماء بعد عمليات زرع قلوب للمرضى تغيرات فى تفكيرهم وسلوكهم، وتشابهت أفعالهم مع أصحاب القلوب الأصلية من المتبرعين قبل وفاتهم.

وفى آية ضعف الإنسان دعوة إلى كل ذي عقل أن يتخلى عن الأولياء من دون الله من ذوي المال والجاه، فلا يستقيم أن يستنجد مخلوق بمخلوق مثله، ومن غباء الملحد تمجيده لذاته الواهنة، وترى أفكار الملحد الضالة ضالتها فى آراء بعض الفلاسفة ممن عظًموا الذات مثل فلاسفة الوجودية، وانزلقت بهم إلى الغرور والفشل، ولا ينزعج الإنسان من ضعفه، لأنه طريق التحرر من النفس، التي لا تشبع من ملذات الدنيا، وغرقت فيها، وفى حالة اختار لنفسه الفرار إلى رحاب الله، وأطاع أحكامه، فقد صار منسجما مع الوجود، وارتفع فوق المفاسد والصغائر، وكلما تخطى بفكره السوي سطحية الوجود ارتقى إلى آفاق الإبداع، وكسر حاجز الزمان والمكان بفضل ما سخره الله له.

أضف تعليق