أكاد أجزم أن "أمواج لا تهدأ" أكثر العناوين انطباقاً وتوصيفا لحًال وتصرفات الرئيس الأمريكي أو حال منتقديه؛ وهو عنوان لافت لأحدث كتاب صدر مذ أيام قليلة عن ترامب، مؤلف الكتاب رغم معركته مع سرطان الدماغ؛ وعمره الذي تخطى الثمانين عاماً؛ عطفاً على مكانته الحساسة؛ فلم يمنعه كل ذلك أن يجأر برأيه جهاراً نهاراً، فالسناتور جون ماكين -المؤلف- من أقوى الأصوات في الحزب الجمهوري؛ حيث يسمونه الصقر الجمهوري، ويرأس "لجنة القوات المسلحة" بمجلس الشيوخ.
سبق الكتاب بشهور قليلة صدور آخران أحدهما "نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" للصحفي مايكل وولف (والذي لم يتوان عن إعلان رأيه بمنتهى الوضوح بقناة إن بي إس الشهيرة)، وثانيهما: "ولاءٌ أعلى" لمؤلفه: جيمس كومي؛ المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آى)، وقد دارت محاور الكتب الثلاثة على توصيف حال وسياسات رئيس أغنى وأقوى دول العالم.
"مشكوك في قدراته العقلية وجدارته بالرئاسة"؛ لم تكن تلك العبارة الوحيدة التي ذكرها مايكل وولف في مؤلفه، بل أضاف بأنه فاشل؛ وكيف أن ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوتشنر يحملانه مسؤولية الإخفاقات قائلين: لسنا نحن بل هو، ووصفه -على لسانه أو لسان المحيطين به- بالشخصية الأنانية؛ وبأنه طفل وأحمق وغبي ولا يقرأ ولا يسمع، وأشار لقول إيفانكا كيف ان والدها خضع لعملية تصغير دماغه وزرع شَعر لرأسه، كما وصف تصرف ترامب بتواصله مع الروس إبان الانتخابات بأنه "خائن".
في كتابه "ولاء أعلى" وصف المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية الرئيس الأمريكي بالحقير والأناني وغير النزيه، وأنه يفضل أن يخضع له الجميع بالولاء والطاعة على طريقة زعماء المافيا، وأورد رأي "روبرت ماردوخ" ملك الإعلام ساعة عقَّب على مكالمة أجراها مع ترامب بقيلته: أي شخص تافه هذا؟!
أما السناتور ماكين صاحب "أمواج لا تهدأ" فقد رفض أن يمشي ترامب في جنازته، ووصفه بأنه شخصية لا تصادق إلا مادحيها؛ وتعادي منتقديها، كما كشف عن مدى الفوضى في كواليس الإدارة الأمريكية والعشوائية في تصرفات الرئيس؛ مبيناً أن مسؤولي البيت الأبيض -أنفسهم- يرونه غير مهيئٍ للحكم، كما تناول رفضه المطلق للأصوات المعارضة، واتهمه بالتقاعس عن التمسك بالقيم الأمريكية، وأنه يسعى لتشويه وتقييد حرية الإعلام وهذا نهج الحكام المستبدين ممن يسعون لتشويه الصحافة الحرة والسيطرة عليها؛ على حد توصيف المؤلف.
انتقد الكاتب كيف أن رئيس الدولة العظمى لا يفهم معنى أن العالم ينظر لأمريكا على أنها راعية لحقوق الإنسان وينتظر منها تحقيق تقدم أكبر في هذا الشان؛ وهو: "ما يتوجب علينا أن نفخر به لا أن يأتينا رئيس لا يعي ذلك ويتجاهل حقوق الإنسان!"، كما قام المؤلف بتوبيخه لأنه هدد بقتل زوجات وأولاد الإرهابيين في حملته الانتخابية.
نال الكتابان الأول والثاني هجوماً من الرئيس الأمريكي، ورفع محاموه قضايا ضد المؤلفَين ودور النشر؛ بينما الكتاب الأخير لم يصدر عن البيت الأبيض حتى الآن أية رد فعل، وبعيداً عن موقف ترامب فإن الثلاثة كُتب تخط فصلاً جديداً في تاريخ أمريكا؛ بعد أن حطم ترامب الرقم القياسي كأكثر الرؤساء تناولاً وتهكماً ونقداً؛ مقارنةً بسابقيه.
اللافت للانتباه في الكتب الثلاث إصرارها على التمسك بحرية الإعلام والصحافة، ومحاولة الحفاظ على هيبة أمريكا كقبلة لحقوق الإنسان، والاستماتة في الحفاظ على مكانة الدولة عالمياً، كما يلفتنا أن الرئيس الأمريكي لم "يقصف قلماً" ولم يسجن أحداً منهم، بل سلك محاموه الطريق القانوني في مقاضاة المؤلفين ودور النشر، ولم يتم سحب المؤلفات من السوق أو التشهير بسمعة أصحابها؛ بل تربعت ثلاثتها على عرش المبيعات بملايين النسخ في أمريكا وبريطانيا واستراليا وألمانيا؛ وكذا على موقع "أمازون" التسويقي الشهير، بل وكان ساكنو البيت الأبيض أول من ابتاعها وقرأها.