سر اختيار «يوم الغفران».. حرب العاشر من رمضان.. عبقرية التوقيت

سر اختيار «يوم الغفران».. حرب العاشر من رمضان.. عبقرية التوقيتحرب العاشر من رمضان

لم يكن اختيار يوم العاشر من رمضان / السادس من اكتوبر 1973 لبدء الحرب محض صدفة، وإنما كان دليلا على عبقرية العقل المصري، وجاء بناء على دراسات وخطة مدروسة ومحكمة اشتركت فيها جميع أجهزة الدولة على اختلاف تخصصاتها، وتم اختيار يوم العبور بناء على ظروف ترتبط بأحوال العدو نفسه وما يحيط به من ظروف وعلى الوضع الداخلى لمصر والذى روعى فيه توفير الوضع المناسب لاختيار أفضل الأيام المناسبة للهجوم على العدو وعبور قناة السويس لتحقيق أقصى قدر من النجاح والمفاجأة.

تحديد يوم العبور اتخذت عدة خطوات وكان على رأسها لقاء محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى فى مصر مع هنرى كسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وحليف إسرائيل الأول فى النصف الأول من عام 1973 فى باريس والتى قال فيها كسنجر «نصيحتى للسادات أن يكون واقعيا فنحن نعيش فى عالم الواقع ولا نستطيع أن نبنى شيئا على الأمانى والتخيلات والواقع أنكم مهزومون .. إما أن تغيروا الواقع الذى تعيشونه فيتغير بالتبعية تناولنا للحل .. وإما أنكم لا تستطيعون، فى هذه الحالة لا بد من إيجاد حلول تتناسب مع موقفكم غير الحلول التى تعرضونها» فكانت تلك الخطوة التى قادت إلى حتمية الحرب.

حتمية المعركة

وكانت الخطوة الثانية لاتخاذ قرار الحرب هو قرار السادات أن يتحمل المسئولية كاملة بإعادة تشكيل الوزارة برئاسته فى مارس والذى قرر خلاله حتمية الدخول فى معركة عسكرية وكانت الخطوة الأخيرة بعد التنسيق اللازم مع سوريا بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت أن تقوم هيئة عمليات القوات المسلحة بدراسة تحدد من خلالها أنسب توقيت للقيام بالعملية الهجومية خلال عام 1973 ليكون أمام الرئيس السادات حرية الاختيار فى ضوء الموقف السياسى المناسب والاتفاق مع الرئيس الأسد عليه ليكون العمل العسكرى متماشيا مع العمل السياسي.

هيئة العمليات

وقد وضعت هيئة عمليات القوات المسلحة دراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو وفكرة العملية الهجومية المخططة والمواصفات الفنية لقناة السويس من حيث المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه وساعات الظلام وساعات ضوء القمر والأحوال الجوية وحالة البحرين الأبيض والأحمر التى تحقق أفضل استخدام لقواتنا للقيام بالعملية الهجومية بنجاح مع تحقيق أسوأ الظروف لإسرائيل.

أفضل توقيت

وكان من الضرورى اختيار أفضل التوقيتات التى تناسب الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية فى وقت واحد ثم انتقلت هيئة العمليات إلى دراسة كل شهور السنة لاختيار أفضل توقيت لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاه التيار ثم انتقلت الدراسة إلى تحديد طول الليل يوميا لاختيار ليل طويل بحيث يكون النصف الأول منه ضوء القمر والنصف الثانى فى حالة ظلام حتى يسهل تركيب وإنشاء الكبارى فى ضوء القمر ويكون عبور القوات المسلحة والمعدات فى الظلام.

كان من الضرورى أيضا دراسة حالة الأرصاد الجوية المناسبة لعمل القوات الجوية وحالة البحرين الأبيض والأحمر لمعرفة أنسبها لعمل القوات البحرية.

عيد الغفران

تضمنت الدراسة أيضا جميع أيام العطلات الرسمية فى إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم إجازاتهم الأسبوعية حيث تكون القوات المعادية أقل استعدادا للحرب. فوجدت الدراسة أن لدى إسرائيل ثمانية أعياد فى السنة منها ثلاثة أعياد فى شهر أكتوبر 1973 وهى عيد الغفران «يوم كيبور» وعيد المظلات وعيد التوراة ولكل عيد من هذه الأعياد تقاليد وإجراءات يقومون بها تختلف من عيد لآخر، وكان المهم هو تأثير كل عطلة على إجراءات التعبئة فى إسرائيل التى تعتمد اعتمادا رئيسيا فى الحرب على قوات الاحتياط.

وبعد الدراسة تم الاتفاق على يوم عيد الغفران هو يوم السبت وهو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد الذى يعتبر يوم سكون كامل مما يعنى أن استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطى.

الداخل الإسرائيلي

أما العامل الآخر الذى تمت دراسته وهو الموقف الداخلى فى إسرائيل حيث كانت تجرى انتخابات اتحاد العمال فى سبتمبر وتجرى انتخابات الكنيست يوم 28 أكتوبر والمعروف أن الحملة الانتخابية تجذب أفراد الشعب لها علما بأن أغلب الشعب يشكل الجيش الاحتياطى مع تعبئة الدولة أثناء الحرب ، لهذا كله تم اختيار شهر أكتوبر كشهر مناسب لشن الحرب حيث توافرت كل العوامل لعملية الهجوم على العدو.

أما عن تحديد الوقت المناسب للهجوم فى الجبهة السورية فقد كان يحب ألا يتأخر بعد شهر أكتوبر حيث إن حالة الطقس والجو تصبح غير مناسبة نظرا لبدء تساقط الجليد.

رمضان .. الاختيار

وبعد دراسة مستفيضة تم تحديد أنسب ثلاثة توقيتات هى مايو و أغسطس أو سبتمبر و أكتوبر وكان أفضلها هو شهر أكتوبر، حيث إن ظروف الطقس والأحوال الجوية مناسبة للعبور وأن فترة الليل طويلة يصل الظلام فى بعض أيامه ساعات طويلة، فضلا عن أن حالة البحر مناسبة للعمليات البحرية والشهر يزدحم بثلاثة أعياد وتستعد فيه الدولة لانتخابات الكنيست الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنه يتزامن مع شهر رمضان المبارك وهو شهر له تأثير معنوى على القوات المسلحة كما أن العدو الإسرائيلى لا يتوقع الهجوم فى هذا الشهر.

ومن اختيار الشهر إلى اختيار اليوم حيث وقع الاختيار على يوم السادس من أكتوبر بحيث يكون عطلة رسمية وأن يكون فرق المنسوب بين المد والجزر فى القناة أقل ما يمكن لتوفير ظروف أفضل لعبور القوارب وتشغيل المعديات وإنشاء الكبارى، كما يتميز بضوء القمر الساطع فى النصف الأول من الليل حتى تقام الكبارى ليلا فى ضوء القمر ثم يبدأ عبور القوات فى الظلام خلال النصف الثانى من الليل.

وكان يوم السبت الذى يوافق عيد الغفران وهو 6 أكتوبر و العاشر من رمضان وهو أحد الأيام المناسبة وهو الذى وقع عليه الاختيار فى مجموعة «سبتمبر - أكتوبر»، فقد توافرت فيه الشروط الملائمة لاقتحام القناة والهجوم، فهو يوم عيد فى إسرئيل والقمر فى هذا اليوم مناسب ومضىء من غروب الشمس حتى منتصف الليل.

وقد تم الاتفاق فى مكتب اللواء بحرى فؤاد ذكرى قائد القوات البحرية بالإسكندرية يومى 22 و23 أغسطس 1973 للبت نهائيا فى بعض الموضوعات العسكرية المشتركة وأهمها الاتفاق النهائى على توقيت بدء الحرب وسجلت القرارات بخط اليد لضمان سريتها وكانت النتيجة تحتاج إلى تصديق القيادة السياسية لذلك سافر الرئيس السادات لزيارة المملكة العربية السعودية وسوريا، حيث اجتمع بالرئيس الأسد يومى 28 و29 أغسطس واتفقا أن يكون يوم 6 أكتوبر 1973 هو يوم بدء الحرب.

وكان مؤتمر الإسكندرية هو الخطوة الأخيرة فى طريق التعاون العسكرى بين مصر وسوريا ومما لا شك فيه أن اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والسورية لتقرير بدء الحرب ضد العدو فى وقت واحد وخوض الحرب بجهد منسق مشترك هو حدث تاريخى حيث لم يسبق أن حدث مثل هذا التعاون العسكرى بين دولتين عربيتين ضد إسرائيل منذ إنشائها وأصبح علامة بارزة من علامات أكتوبر 1973 وهو ما لم تتوقعه أو تكتشفه إسرائيل أو أى دولة أخرى.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2