بانتهاء حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 73، انتهت الحرب الأخيرة في الصراع العربي الإسرائيلي، وكان على القوات المسلحة المصرية خوض حرب الكرامة في ظروف عسكرية صعبة ومعقدة، إذ بدونها ما كان يمكن أن تسترد مصر أرض سيناء الغالية، وبدون خوضها ما كان ل إسرائيل أن تنسحب من الأراضى التى احتلتها فى عام 67، وخاضت مصر الحرب فى وقت كان ل إسرائيل التفوق العسكرى على الدول العربية، وكان هدف القيادة السياسية والعسكرية أن ضمان البدء بالهجوم لتحقيق التفوق العسكرى ل مصر فى المرحلة الأولى للحرب، والتى تعد أصعب وأخطر المراحل، وقد حدث بالفعل ما خططت له القيادة المصرية.
بعد غرسها عنوة فى المنطقة، أرست إسرائيل لنفسها بعض الخطوط فى سياستها بالمنطقة، وعلى رأسها التوسع الجغرافى على حساب الأراضى العربية، والحفاظ على قوة عسكرية متفوقة لتحقيق هدفها، وكذلك الارتباط بقوة دولية تكون بمثابة الحليف لها لتحقيق أهدافها، وأخيرا إضعاف الدول العربية حتى تتمكن من تحقيق أهدافها الممثلة فى السيطرة على المنطقة بأكملها.
ولتحقيق تلك الأهداف قامت العقلية الإسرائيلية بصياغة نظرية عسكرية عرفت باسم «نظرية الأمن الإسرائيلي» لتكون ستارا لتحقيق أهدافها التوسعية ووسيلة لخداع الرأى العام العالمى، وخلق قناعة لدى الإسرائيليين أنفسهم لتقبل مغامراتها العسكرية وهنا يجب أن يكون واضحا أن «استخدام القوة العسكرية» هو حجر الزاوية فى هذه النظرية، التى تعتمد على امتلاك التفوق العسكرى على الدول العربية.
وتعمد قادة إسرائيل عدم وضع حدود آمنة لدولتهم منذ إعلان قيام الدولة وتعلن إسرائيل دائما عن حاجتها إلى حدود آمنة ويصفونها بأنها الحدود التى تستند على موانع طبيعية تتمكن من الدفاع عنها والانطلاق منها للهجوم وهى دائما داخل الحدود العربية المجاورة.
وقد اتبعت إسرائيل سياسة «فرض الأمر الواقع» على العرب اعتمادا على قوتها العسكرية وعدم قدرة العرب على تحرير أراضيهم بالقوة، وبالتالى يجب أن يرضخوا لإرادتها السياسية، وسئل بن جوريون عن حدود إسرائيل فقال «حدود إسرائيل، حيث يقف جنودها».
وكانت المهمة الاستراتيجية للقوات الإسرائيلية هى منع قواتنا المسلحة من اقتحام قناة السويس وتدمير قواتنا التى قد تنجح فى العبور إلى الضفة الشرقية للقناة، تكون نتيجتها استسلام مصر سياسيا لشروط إسرائيل.
تحقيق الهدف الاستراتيجي
أما فى مصر.. فكان الهدف الاستراتيجي، الذى حدده الرئيس السادات مكتوبا فى قرار الحرب ومؤرخا فى 5 رمضان 1393هـ أول أكتوبر 1973 وهو «إن الهدف الاستراتيجي الذى أتحمل المسئولية السياسية فى إعطائه للقوات المسلحة وعلى أساس كل ما سمعت وعرفت عن أوضاع الاستعداد يتلخص فيما يلى:
تحدى نظرية الأمن الإسرائيلي وذلك عن طريق عمل عسكرى حسب إمكانيات القوات المسلحة ويكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإقناعه أن مواصلة احتلاله لأراضينا يفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه.
لقد كان الهدف الاستراتيجي العسكرى لقواتنا المسلحة هو هزيمة القوات الإسرائيلية فى غرب سيناء، واحتلال المنطقة الاستراتيجية فى خط المضايق بسيناء والوصول إلى حقول بترول رأس سدر على الساحل الشرقى لخليج السويس، ومن هذا الهدف تحددت المهام.
وبعد انتصار العاشر من رمضان، أعلنت الدولة المصرية نجاح هدفها الاستراتيجي وفشل إسرائيل فى تحقيق هدفها الاستراتيجي فقد تحطمت نظرية الأمن التى اعتنقتها إسرائيل وثبت بالدليل القاطع أن الفكرة الإسرائيلية عن الحدود الآمنة خاطئة ونظريتها على أساس التخويف السياسي قد سقطت بقرار الحرب الشاملة ضدها.
كما أن نظريتها على أساس التخويف العسكرى والنفسي قد هدمت بعد أن قامت قواتنا المسلحة بعملية هجومية شاملة بكل القوات المسلحة ضدها رغم تفوقها العسكرى، وكذلك نظريتها عن الحدود الآمنة قد سقطت بعد نجاح قواتنا فى اقتحام القناة وتدمير الخط المحصن.
رغم ما تمتع به خط بارليف من سمعة عالمية بفعل الإعلام الغربى الإسرائيلي، إلا أن القوات المصرية استغلت المفاجأة ونجحت فى عبور هذا المانع المائى الكبير الذى وصل عرضه 200 متر مما أفقده قيمته الاستراتيجية والتكتيكية.
فشلت المخابرات الإسرائيلية قبل حرب العبور فى اكتشاف استعداد القوات المصرية البرية والجوية والبحرية للهجوم ولم تستطع تقدير الوقت ولا المكان ولا الاتجاهات.
إسرائيل تعترف بالهزيمة
وقد اعترفت إسرائيل لأعضاء الكونجرس الذين قاموا بزيارتها فى الفترة من 17 وحتى 20 أكتوبر بكفاءة وفاعلية قوات الصاعقة والمظلات والقوات الخاصة التى أسقطت خلف خطوطهم، واعترفوا بأنهم فوجئوا بالهجوم المصري المفاجئ ولم يقدروا قوة مصر وسوريا تقديرا سليما، وقال إليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي: «لا أصدق أن العرب قادرون على القتال».
وعلى الصعيد العربى استعادت مصر والأمة العربية شرفها وكرامتها وعبر المجتمع المصري والعربي فترة الظلام التى مرت بها الأمة منذ يونيو 1967 إلى النور الساطع فى العاشر من رمضان.
وكانت حرب رمضان مختلفة عن الحروب السابقة فى الصراع العربى الإسرائيلي تخطيطا وتنفيذا، فكان من أبرز سماتها التعاون العسكرى بين دولتين عربيتين هما مصر وسوريا تحت قيادة عسكرية واحدة لأول مرة والمشاركة العربية لعدد كبير من الدول العربية بجزء من قواتها، كما أثبتت هذه الحرب أن استخدام البترول كسلاح فى المعركة له فاعلية وتأثير شديد تأييدا للعمل العسكرى واستكمالا له.
وبانتهاء حرب العاشر من رمضان تأكد ازدياد نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية السياسية والعسكرية على قضية الشرق الأوسط، فى المقابل بدأ التآكل للنفوذ السوفيتي فى منطقة الشرق الأوسط، كما عادت المنطقة إلى الحياة ثانية للبحث عن حل وأرغمت الولايات المتحدة لتناول هذه القضية بعدما كانت تتعامل معها باسترخاء وعدم اهتمام.