ذهبت إلى الإسكندرية للمشاركة فى ندوة خاصة حول صناعة النشر فى مصر، حيث تنظم مكتبة الإسكندرية – فى عهدها الجديد – ندوات شهرية متخصصة حول بعض القضايا المجتمعية تحت عنوان "حوارات الإسكندرية".
وهى مبادرة محمودة من المكتبة، حيث يجب أن تقوم المؤسسات الثقافية الكبرى فى المجتمع بمناقشة قضاياه المؤثرة على الأمن القومى والهوية المصرية وتحسين أحوال المواطنين، خاصة بعد تراجع الكثير من الهيئات ومراكز البحوث عن القيام بهذا الدور مؤخرًا.. كسلا أو لنقص التمويل أو لغياب المبادرة وتراجع الشغف!
وفى ندوة النشر لم أستمع فيها جديدا، فقد كتبت من قبل عدة مقالات متتالية بعنوان "مهنة فى خطر" حددت فيها الأسباب التى يتركز أغلبها فى ارتفاع أسعار الورق (زاد 4 أضعاف)، والاعتداء على الملكية الفكرية، وغياب المكتبات العامة، فضلا عن الرسوم والضرائب والمبالغة فى قيمة الاشتراك فى المعارض المحلية والإقليمية.
ذلك.. بالإضافة إلى "الافتكاسات" الجديدة فى قطاع التعليم مثل تحميل الكتب الجامعية على "فلاشة"، والكتب المدرسية على "تابلت"، وهو ما أدى إلى تراجع كبير فى حجم الكتب المطبوعة وأثر سلبيا على مهنة النشر.
وطبقا لما قاله رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد؛ فقد تراجعت الإصدارات المصرية الجديدة من 15 ألف عام 2019 إلى حوالى 8 آلاف فقط فى نهاية العام الماضى، مشيرا إلى أن مصر كانت تنتج ثلثى ما يقرؤه العالم العربى وتراجع حاليا إلى حوالى 30% فقط.
وهو ما أكده أيضا رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده مرجعا الأمر إلى عدم اعتراف الدولة بمهنة النشر كصناعة، وهو ما يعنى غياب "الدعم" المستحق، فضلا عن ارتباك البيئة التشريعية وانتشار ظاهرة التزوير.
ومع ذلك فقد طرح فى الندوة بعض الأفكار المهمة، منها ما طالبت به أميرة أبو المجد مدير عام دار الشروق من ضرورة وجود قاعدة بيانات عن الناشرين والإصدارات الجديدة والكتب الأكثر توزيعا.
وأيضا ما قاله د. خالد العمرى رئيس لجنة النشر بوزارة الثقافة بضرورة الحفاظ على هوية المجتمع وقواه الناعمة، مشيرًا إلى نقل أكثر من 170 ناشر مصرى نشاطهم إلى دولة الإمارات العربية، وهو ما يعنى خسارة مصر لقواها الناعمة بالتدريج!
أخيرًا.. ولعل من أهم ما خرجت به من تلك الندوة، هو التعرف عن قرب بالعالم المحترم د. أحمد زايد مدير المكتبة الجديد والعميد الأسبق لكلية آداب القاهرة، والذى صدر له من قبل أكثر من 15 كتابًا من مؤلفاته، بجانب 10 كتب مترجمة، كما أسس العديد من الجمعيات ومراكز الأبحاث المتخصصة، وقد كرمته الدولة بجائزتى التفوق والتقديرية، وهو فى قمة التواضع والأدب مع أفكاره المستنيرة وحديثه الممتع.
وشكرا للأصدقاء د. محمد سليمان والباحث محمد غنيمة والمخضرم سامح فوزى.