«انتشر كالنار فى الهشيم وأصبح قطاعا واسعا من الشباب والأطفال يستخدمونه حول العالم ومع تزايد انتشاره تتعالى الصيحات التحذيرية من خطورته وتأثيره السلبى على عقول ومستقبل الأجيال القادمة، وصفه البعض بأنه شيطان رقمى يغوى بوسائل تسويقية جذابة خداعة، وفى غاية الدهاء، وهو ما دفع مفوضية الاتحاد الأوروبى و الكونجرس الأمريكى بحظره على الموظفين، وهنا يفرض السؤال نفسه «لماذا لا يتم حظر التطبيق؟» الخبراء يجيبون فى السطور التالية..
انتشرت عبارة «تيك توك» فى المجتمعات الناطقة باللغة الإنجليزية للإشارة إلى أن «الوقت يمر»، وشاعت فى أغلب الأعمال الدرامية والأفلام الشهيرة للدلالة على تضييع الوقت، والواقع يؤكد أن تضييع الوقت ليست السيئة الوحيدة التى يسببها تطبيق «تيك توك»، فهو يؤثر على الجهاز العصبى وينشر الرذائل ويستخدم فى تجارة الرقيق وغيرها، ويؤكد الخبراء أن مستخدميه معرضون لمخاطر جمة فضلا عن تخوفهم من حماية سرية بيانات مستخدميه.
تاريخ غير مُشرف
فى البداية، يشرح عبدالعظيم خضر المتخصص فى مجال تكنولوجيا المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعى فيقول، يعتبر التيك توك من أكثر التطبيقات، التى تواجه انتقادات كبيرة وحادة بين منصات التواصل الاجتماعى بسبب المقاطع الجريئة وغير المسئولة أو الشاذة أو الغريبة أو المضللة أو الكاذبة أو التافهة، التى تُعرض من خلاله وتنافس بقوة مثيلاتها من المقاطع الجادة أو الهادفة أو المفيدة، التى تتواجد على استحياء ولا تجد نفس الرواج والإقبال، وليس كما يتصور البعض أن هذه الانتقادات الموجهة للتطبيق تقتصر على مجتمعاتنا العربية المُحافِظة دينيا أو أخلاقيا فحسب، فالحقيقة أن الكثير من المجتمعات الغربية المتفتحة تواجه تطبيق تيك توك بدعوات وقرارات صارمة وتسعى جاهدة لحظره أو التضييق عليه على أقل تقدير، ولكى نفهم سبب الانتقادات الموجهة للتطبيق يجب أن نفهم تاريخه، فالتطبيق بدأ كمنصة لتداول المقاطع الصوتية ثم قامت شركة ByteDance Ltd المالكة للمنصة والتطبيق ومقرها بكين بتطويره إلى ما هو عليه الآن كمنصة تواصل اجتماعى لعرض مقاطع الفيديو القصيرة ولها تطبيق يتم تحميله على الهواتف الذكية، كنوع من المنافسة الآسيوية لمنصات الاجتماعى الشهيرة فى أوروبا وأمريكا كفيسبوك وتويتر وانستجرام ويوتيوب، التى تمتلكهم شركات أمريكية.
ويوضح خضر، الصين قامت بحظر محركات البحث ومنصات وتطبيقات التواصل الاجتماعى المملوكة لشركات أمريكية، مثل شركة (ألفابيت) المالكة لمحرك البحث (جوجل)، وشركة (ميتا) المالكة لفيسبوك وواتس آب وماسنجر؛ لأسباب تتعلق بالحفاظ على سرية وحماية بيانات مواطنيها وقدمت من خلال الشركات الصينية حزمة من المنصات والتطبيقات البديلة، التى اشتهرت داخل نطاقها، إلا أن تيك توك تجاوز هذا النطاق وبدأ ينتشر عالميا وينافس التطبيقات الأكثر شهرة والسبب أن فكرة التطبيق، الذى يقدم مقاطع مصورة قصيرة جدا لاقت قبولا وإقبالا شديدا من غالبية مستخدمى منصات التواصل الاجتماعى فى جميع أنحاء العالم.
السُم والحلوى!
ويستكمل خضر، ويرجع السبب فى هذا الإقبال الرهيب إلى سهولة الاستخدام فالمقاطع تعمل بشكل تلقائى (مجرد أن يفتح المستخدم التطبيق ويتم عرض المقاطع تلقائيا) وتعرض محتوى جذاب أو صادم أو مثير لوقت قصير جدا مما يُحفز العقل اللا واعى لمتابعة المزيد والمزيد، هذه المنصات أو التطبيقات استخدمت طريقة تسويقية غاية فى الدهاء، فمثلا لو عرضنا على شخص قطعة حلوى كبيرة مقاسها مثلا 100 سم مربع دفعة واحدة، فقد يأكلها كلها أو بعضها أو ربما يتناول قطعة صغيرة فقط أو قضمة ويرحل باحثا عن شىء آخر يأكله، أما إذا قسمت هذه القطعة الكبيرة لمئة قطعة صغيرة وكل قطعة لها مذاق وطعم ولون مختلف فما أن يبدأ الشخص بتناول أول قطعة حتى يبدأ عنده الشغف؛ لتذوق المزيد والمزيد حتى يتناول القطع كلها وهكذا يكون قد أكل القطعة الكبيرة كاملة دون أن يشعر، بل وربما يطلب المزيد ويأكل أكثر مما تستطيع معدته على هضمه فتصيبه الأمراض، وفى هذا المثال تمثل المعدة محل العقل، وقطع الحلوى محل المقاطع، وهنا يكمن دهاء طريقة دس السم فى العسل فالكمية الكبيرة من قطع الحلوى الصغيرة أن كان يوجد بالقطعة الواحدة منها ضرر ولو بسيط جدا، سيكون تأثيره فادحا مع العدد الكبير للقطع، كما أن التكرار أو الاعتياد عليها بشكل روتينى يجعلها عادة لا يمكن التخلى عنها بسهولة تماما كالإدمان ويُعظّم من أضرارها.
شياطين رقمية
ويتفق معه فى الرأى أحمد حسنين، المدير التنفيذى لإحدى الشركات المتخصصة فى التسويق الإلكترونى ويستكمل قائلا، التيك توك شأنه كشأن أى تطبيق أو منصة تواصل اجتماعى أخرى له مزايا وعيوب ويمكن استخدامه فى أوجه مفيدة أو غير ذلك، وهو ما شاع فى استخدام تطبيق من نشر الفيديوهات السطحية أو الترويج للإباحية أو ما عرف بفتيات التيك التوك، الذين قاموا بعمل مقاطع مصورة مثيرة للغرائز وشجعوا فتيات مجتمعنا العربى على تكوين مجموعات من المتابعين للحصول على مقابل مادٍ؛ لنشر تلك المقاطع التى تفضح سترهم وتتنافى مع قيم المجتمع وتجرمها القوانين والأعراف والأخلاق ، وهناك جانب آخر سىء فى تطبيق التيك توك وهو حصوله على «أذونات» من المستخدم للوصول إلى تقريبا جميع محتويات الهاتف بما فى ذلك حتى بيانات الكارت الرقمى للمعاملات المالية (رقم بطاقة الفيزا) وهو ما دفع الكونجرس الأمريكى الشهر الماضى إلى حظر تطبيق الفيديوات القصيرة «تيك توك» بالأماكن الحكومية بعد أيام قليلة جدا من إقرار المفوضية الأوروبية بحظر استخدامه على أجهزة العاملين فيها بسبب مخاوف تتعلق بالأمن السيبرانى وأعلنت بمنتهى الوضوح أن ذلك القرار جاء بسبب مخاوف تتعلق بحماية البيانات، ومن المهم جدا أن نلاحظ أن قرار حظر استخدام تطبيق «تيك توك» شمل الهواتف الرسمية و «الشخصية» للعاملين فى المفوضية الأوروبية، وكان ذلك بشكل واضح وعلني، حيث طلب قسم التقنية من الموظفين فيها عدم تحميل التطبيق أو حذفه فى حالة تحميله قبلا، و تم إعطاء الموظفين مهلة محددة لتنفيذ القرار، وهو ما يمنحنا صورة واضحة لضرورة حظر هذا التطبيق بشكل رسمى واتخاذ قرارات بشأنه تحد من استخدامه على المدى الطويل أو على الأقل حتى ينتهى شهر رمضان الفضيل و نستثمر بركاته كفرصة للابتعاد ولو قليل عن «شياطين التيك توك».