مع تزايد تركز الثروات في العالم في مناطق محدودة، ومع تزايد الفقر في مناطق أخرى، كثرت الأطماع بين الدول، وأصبح هناك دولاً كثيرة تبحث عن القوة والسلاح لحماية أرضها وثرواتها واستثماراتها، في حين تبحث دولاً أخرى عن القوة للاستيلاء على حقوق ومقدرات غيرها، ولعل أبسط الأمثلة على ذلك، هو ما تفعله إيران، حالياً، لتقوية قدراتها الهجومية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم أغراضها الطمعية في الاستيلاء على ثروات الدول النفطية المجاورة لها، بما يمكنها من استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة في المنطقة كقوة عظمى.
وانطلاقاً من تلك الاستراتيجية، بدأت إيران، منذ سنوات، في العمل نحو امتلاك السلاح النووي، علاوة على رفع كفاءة الأسلحة التقليدية، وأبسط مثال على ذلك، إتمامها لصفقة شراء نظام كامل من الصواريخ (SS300) السوفيتية، والذي من المقرر اكتماله بنهاية عام 2018، ليوفر لها الحماية الكاملة ضد أية هجمات عسكرية، من دول معادية، لتدمير مفاعل بوشهر أو تدمير القوة الاقتصادية والبنية التحتية الإيرانية. وعلى الجانب المقابل، اندفعت دول الخليج في شراء كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، حتى وصلت لأن تكون المملكة العربية السعودية، أكبر مستورد للسلاح في العالم، يليها قطر، ثم الإمارات، وبعدهم باقي دول الخليج.
وفي الجانب الآخر، أصبحت الهند أكبر ثاني مستورد للسلاح في العالم بعد المملكة العربية السعودية، على أساس امتلاك القوة للأسلحة التقليدية أمام عدوها الرئيسي، باكستان، في ظل امتلاك كلا الدولتين للسلاح النووي، مما يحول دون استخدام أي منهما له، أمام عدوتها الأخرى، لذلك عاد كلاهما إلى الأسلحة التقليدية. وفي جزء آخر من العالم، ترى تركيا واليونان، وبالرغم من عضويتهما معاً في حلف واحد، هو الناتو، إلا أن تركيا تعمل جاهدة، الآن، خاصة بعد ظهور الغاز في البحر المتوسط، على زيادة قوتها العسكرية التقليدية أمام جيرانها، والتدخل بعمل عسكري في المنطقة تحت زعم الحفاظ على مصالح قبرص التركية.
وتؤكد التقارير الصادرة عن أكبر مراكز الدراسات الاستراتيجية العالمية، أن مصر، أيضاً، تعمل بنجاح على تقوية وزيادة ورفع كفاءة قدراتها القتالية، على ثلاثة محاور؛ أولها منطقة البحر الأحمر، في ظل وجود تهديدات جديدة في منطقة باب المندب، مما يدفع مصر للعمل على تأمين المجرى الملاحي للبحر الأحمر من باب المندب وحتى قناة السويس، وما يمثله ذلك لتأمين ثلث الدخل القومي لمصر، الناتج عن هذا الشريان الملاحي الحيوي. وثانيها منطقة حوض نهر النيل، الممثل لعصب الحياه في مصر، فقامت، مؤخراً، بإتمام صفقة لشراء طائرات الرافال المقاتلة، التي يصل مداها حتى منطقة منابع نهر النيل. وأخيراً، وليس آخراً، منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي عززت مصر قدراتها القتالية فيه، لتؤمن استثماراتها به، بعد اكتشاف الغاز في هذه المنطقة، وزيادة الأطماع الدولية، مع احتمالات أي تدخلات أجنبية لتهديد هذه الاستثمارات القومية من جهات عديدة، وهو ما ظهرت بوادره، الغير مباشرة، في التحرش التركي ضد الحفارات الإيطالية، العاملة في منطقة قبرص اليونانية، مما اضطر القوات المسلحة الإيطالية، للدفع بمدمرة بحرية، لتأمين عمل حفارات شكة إيني الإيطالية، في تلك المنطقة.
وهناك سباق للتسليح في بعض الدول للقضاء على العناصر الإرهابية، حيث تعمل ليبيا، الآن، على فك الحصار المفروض عليها، من الدول الغربية، لشراء الأسلحة والمعدات لقتال عناصر داعش الإرهابية المتمركزين على أراضيها بعد فرارهم الكثير منهم من سوريا والعراق. كما تعمل المغرب على التغيير النوعي في أسلحتها لضحد الإرهاب هناك.
وعلى مستوى القمة، فتعكف الولايات المتحدة الأمريكية، حالياً، على تحديث وتقوية أنظمتها القتالية، بعدما رفع الرئيس الأمريكي ترامب، ميزانية وزارة الدفاع إلى 700 مليار دولار، لتصبح أكبر ميزانية للدفاع في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بهدف الإبقاء على تربع الولايات المتحدة الأمريكية على قمة القوى العسكرية في العالم، وتأكيد التفوق على غريمتها التقليدية روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي القديم. في تلك الأثناء، تعمل روسيا، هي الأخرى، على تقوية أنظمتها القتالية، بهدف تأمين أراضيها واستثماراتها، كما تعمل على بيع إنتاجها الجديد من الأسلحة المتطورة، حيث نجحت في تطوير أنظمة الدفاع الجوي، لتصبح (SS300)، والنظام الجديد (SS400)، أقوى أنظمة العالم المضادة للطائرات، والصواريخ البلاستية، وقد باعت منها روسيا، بالفعل، إلى العديد من دول العالم، وحققت مكاسب كبيرة تساعدها على تطوير هذه الأنظمة وباقي الأنظمة مستقبلاً.
وهكذا نجد أن العالم يسير الآن نحو تنمية القدرات القتالية، ولا ننسى إسرائيل، التي تعمل على تطوير إمكاناتها العسكرية، بما يضمن لها التفوق العسكري على جيرانها من الدول العربية، وفي ظل بزوغ العدو الجديد في المنطقة، وهي إيران، التي قاربت على الوصول إلى امتلاك السلاح النووي، الذي سيمثل تهديداُ مباشراُ لأمن إسرائيل، فضلاً عما يمثله من تهديد لدول الخليج في المستقبل القريب.
إن سباق التسليح المحموم في مناطق الصراع في العالم، سوف يستمر، مادام هناك حزب الأشرار، وأحزاب أخرى تتصدى للعدوان عليها، وأحزاب ثالثة تعمل على تأجيج تلك الصراعات، لم تمثله من زيادة في حصيلة الأموال الناجمة عن تجارة هذه الأسلحة والمعدات.
ووفقاً للتصريحات، الأخيرة، للرئيس الأمريكي ترامب، فقد قام بزيادة ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، إلى 700 مليار دولار، بهدف إجراء الأبحاث والاختبارات اللازمة لتطوير الأسلحة والمعدات، بما يجبر جميع الدول على التسابق لامتلاك تلك الأسلحة الحديثة، وتبدأ دائرة جديدة من تجارة الأسلحة، ينتعش معها سباق التسليح، وهو الهدف من السياسة الأمريكية الجديدة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.