«ذا ديبلومات»: العلاقة بين الصين وفرنسا مثال للجمع بين التنافس والتعاون

«ذا ديبلومات»: العلاقة بين الصين وفرنسا مثال للجمع بين التنافس والتعاونصور أرشيفية

عرب وعالم18-4-2023 | 13:31

رأت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية أن العلاقة بين الصين و فرنسا تمثل نموذجا ومثالا محتملا للجمع بين تنافس القوى والتعاون فيما بينها، خاصة فيما يتعلق بالتحديات العالمية.

وأشارت الدورية الأمريكية – في سياق تقرير لها بعنوان "ا لطاقة النووية أصبحت إحدى أولويات التعاون بين الصين وفرنسا" – إلى أنه في الوقت الذي وصلت فيه التوترات بين الصين والغرب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، فإن البيان المشترك بين الصين و فرنسا المكون من 51 نقطة والذي صدر في 7 أبريل الجاري، بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصين، لم يعزز الثقة السياسية المتبادلة فحسب، بل إنه مثَّل أيضًا محاولة قيمة للسعي إلى تحقيق توازن بين تنافس القوة والتعاون لحل التحديات العالمية.

ونقلت "ذا ديبلومات" عن مدير عام "منتدى باريس للسلام"، جاستن فايس، قوله: "إن الجغرافيا السياسية تقتل الحوكمة العالمية ببطء"، معبرا عن اعتقاده بضرورة إظهار كل من الصين والولايات المتحدة وأوروبا المزيد من الريادة والتوصل إلى سبيل ثالث نحو مثلث مستقر تدمج فيه الأطراف الثلاثة بين التنافس والتعاون من أجل مواجهة التحديات العالمية.

ولفتت الدورية الأمريكية إلى أن مجال ا لطاقة النووية المدنية أحد المجالات التي يمكن للصين و فرنسا السعي من خلاله إلى تحقيق توازن بين التعاون والمنافسة.

وأضافت أنه منذ شهرين، اتفقت الصين و فرنسا على تعزيز التعاون في مجالات ا لطاقة النووية المدنية وصناعة الطيران والرعاية الصحية، وذلك خلال الحوار الاستراتيجي الثالث والعشرين بين البلدين.

ونبهت إلى أن التعاون بين الصين و فرنسا في مجال ا لطاقة النووية المدنية مستمر منذ أكثر من 40 عاما، ويشمل البحث والتطوير التكنولوجي وسلاسل التوريد الصناعية وتدريب الأفراد وما بعد التشغيل، وتم توقيع أول اتفاقية تعاون بينهما بشأن استخدام ا لطاقة النووية في عام 1983 وشملت البحث والتطوير والإنتاج والتطبيق للطاقة النووية، مضيفة أنه على مدى أربعة عقود مضت، تحولت الديناميكية بين الصين و فرنسا في قطاع ا لطاقة النووية إلى علاقة تعاون استراتيجي متبادل.

وذكرت الدورية الأمريكية أنه في الوقت الحالي، ما زالت الصين و فرنسا تحافظان على علاقات وثيقة في مجال تكنولوجيا ا لطاقة النووية وسلسلة التوريد ومستويات السوق، إذ لعبت التكنولوجيا النووية الفرنسية دورًا مهمًا في تطوير تكنولوجيا ا لطاقة النووية للجيل الثالث في الصين.

ففي الثمانينيات من القرن الماضي، استوردت شركة "قوانجدونج" النووية الصينية (CGNPC) محطة ا لطاقة النووية (M310) واستخدمت تقنيتها لتطوير أول نموذج ل لطاقة النووية في الصين (CPR-1000)، والذي يشكل النموذج الأكثر انتشارا لمحطات ا لطاقة النووية من الجيل الثاني في الصين، كما لا تزال صناعة ا لطاقة النووية الفرنسية تشكل حتى اليوم موردًا رئيسيا للمُعدات وقطع الغيار للصين، بالإضافة إلى أن شركة الكهرباء الفرنسية (EDF) هي المستثمر الأجنبي الرئيسي في قطاع الطاقة في الصين.

ورأت "ذا ديبلومات" أن الصين و فرنسا يمكن اعتبارهما المنافسين الرئيسيين في السوق الدولية لمفاعلات الجيل الثالث النووية، فوفقًا للرابطة النووية العالمية فإن نحو 100 مفاعل طاقة بسعة إجمالية إجمالية تبلغ حوالي 100 ألف ميجاوات كهربائية قيد الطلب أو مخطط لها، وتم اقتراح أكثر من 300 مفاعل آخر، وستعتمد معظم هذه المفاعلات المستقبلية على مفاعلات الجيل الثالث.

وأضافت أنه إلى جانب منافسة مفاعلات الجيل الثالث، أصبحت المفاعلات النمطية الصغيرة (SMR) ساحة معركة ناشئة للطاقة النووية، على الرغم من أنها في المراحل الأولى من التطوير ولم يتم اختبارها بعد في تطبيقات العالم الحقيقي، وتتمتع بأفضل خصائص الأمان والمرونة والكفاءة.

ففي أكتوبر 2021 ، أعلن ماكرون خطته الاستثمارية " فرنسا 2030"، والتي تخصص مليار يورو لتطوير مفاعلات نووية صغيرة، ونقلت "ذا ديبلومات" عن خبير الطاقة والباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع للبحرية الفرنسية، نيكولا مازوتشي، قوله: "إن معظم البلدان تفتقر إلى الوسائل اللازمة لبناء مفاعلات نووية ضخمة، وبالتالي ، فإن التحول الاستراتيجي إلى المفاعلات النمطية الصغيرة سيمكن فرنسا من التكيف بشكل أفضل مع طلب السوق الدولية ومنافسة الصين بشكل أفضل".

ورأت الدورية الأمريكية أنه على الرغم من هذه المنافسة في مجال الطاقة النووية، إلا أن الصين و فرنسا شريكين مهمين في التوسع في أسواق الطرف الثالث، إذ يتطلب بناء المفاعلات النووية دعمًا ماليًا وتقنيًا واسع النطاق لا تستطيع شركة واحدة (أو حتى دولة واحدة) تحمله، وبالتالي، فإن التعاون في سوق ا لطاقة النووية العالمي يساعد الشركات في الحفاظ على قدرتها التنافسية.

وأشارت إلى أنه في سبتمبر 2016، وقعت CGNPC اتفاقية تعاون مع EDF وحكومة المملكة المتحدة، تحدد مشاركة الصين في ثلاثة مشاريع في المملكة المتحدة هي: (Hinkley Point C) و(Sizewell C) و(Bradwell B)، مضيفة أن هذه المشاريع الثلاثة تمثل محاولات مهمة للتعاون الصيني الفرنسي في بناء المفاعلات النووية في أسواق أطراف أخرى، إلا أن هذا التعاون لم يتم بسلاسة، حيث اشترت الحكومة البريطانية جميع أسهم CGN في Sizewell C، كما تم تأجيل إنشاء Hinkley Point C بسبب وباء COVID-19 والتضخم غير المتوقع وتدهور العلاقات الصينية البريطانية.

ورأت "ذا ديبلومات" أنه على الرغم من ذلك فإن فرنسا لن تتخلى بسهولة عن فرصة التعاون مع الصين في أسواق الطرف الثالث، خاصة وأن سوق ا لطاقة النووية في البلدان المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" لديها إمكانات هائلة، فبحلول عام 2030 ، يُقترح بناء 107 وحدات طاقة نووية جديدة في الدول التي انضمت إلى المبادرة، والتي ستضيف 115 مليون كيلووات من الطاقة النووية، وهو ما يمثل 81.4 في المئة من سوق ا لطاقة النووية العالمي خارج الصين.

وأضافت أنه لكن محاولات فرنسا للترويج ل لطاقة النووية ضمن أهداف الاتحاد الأوروبي للطاقة المتجددة باءت بالفشل، في ظل إصرار ألمانيا واسبانيا على استبعاد ا لطاقة النووية من أهداف الاتحاد الأوروبي للطاقة المتجددة؛ مما يعني أن سوق ا لطاقة النووية الأوروبية لا يزال غير مضمون بالنسبة لباريس على الرغم من طموحاتها.

وأضافت الدورية الأمريكية أنه يمكن للقوتين النوويتين ( فرنسا والصين) العمل معًا لتحسين التكنولوجيا النووية الحالية وتطوير الجيل الرابع من المفاعلات، بخبرتهم الكبيرة في التعاون في محطات الطاقة النووية، مشيرة إلى أن المنتدى الدولي للجيل الرابع (GIF) ، الذي تم إطلاقه في عام 2000، حدد ست تصورات لأنظمة مفاعلات الجيل الرابع النووية منها: المفاعل السريع المبرد بالغاز (GFR)، والمفاعل السريع المبرد بالرصاص (LFR)، ومفاعل الملح المصهور (MSR).

وتابعت انه بالتالي ، على عكس الجيل الثالث - الذي ركز على مفاعلات الماء المضغوط (PWR) - سيتم توسيع نطاق التعاون البحثي بناءً على هذه الأنظمة المفاهيمية الستة، يختلف تقدم البحث والتطوير في الجيل الرابع بين القوى النووية الرئيسية والأنظمة المختلفة، ومن المقدر أن تدخل تقنية الجيل الرابع من بعض الشركات حيز التشغيل التجاري قبل عام 2030.

وفي هذا الصدد، أوضحت "ذا ديبلومات" أن الصين تسبق فرنسا قليلا في تطوير مفاعلات الجيل الرابع، فبسبب المشكلات المالية، تم تعليق عمل الجيل الرابع SFR المخطط له في فرنسا بقدرة 600 ميجاوات في عام 2019، على الجانب الآخر، وصل المفاعل الصيني ذي درجة الحرارة المرتفعة والمبرد بالغاز - Pebble-bed Module (HTR-PM) إلى طاقته الكاملة الأولية بنجاح في ديسمبر 2021.

من ناحية أخرى، تحافظ شركة (EDF) الفرنسية على تبادلات أكاديمية وثيقة مع المعهد الصيني لاستراتيجية الصناعة النووية (CINIS)، حيث أشار رئيس العلاقات الدولية في الشركة فرانسوا داسا في مؤتمر افتراضي في يونيو 2022، إلى أن مجموعات البحث والتطوير في CINIS و EDF لديها قواعد بحثية مماثلة ، وتتطلع إلى زيادة تعزيز التبادلات والتعاون لإجراء بحث موضوعي متعدد الأبعاد وتحسين المساهمة النووية في تحييد الكربون.

ورأت "ذا ديبلومات" أنه بناءً على هذه العلاقات المتنوعة والوثيقة، فإن إمكانات التعاون الصيني الفرنسي لتطوير التقنيات ذات الصلة بالجيل الرابع، وحتى المفاعلات المعيارية الصغيرة المتقدمة، لا تزال قائمة.

واختتمت بالقول إن التوازن بين التعاون والمنافسة يعد أمرًا بالغ الأهمية في العلاقات الصينية الفرنسية ل لطاقة النووية المدنية ولكنه يسهم أيضا في تحقيق مثلث مستقر بين الصين وأوروبا والولايات المتحدة، فعلى الرغم من تنافس فرنسا و الصين في السوق العالمية حيث تهيمن تكنولوجيا الجيل الثالث، إلا أنهما ما زالا يحافظان على التعاون المحتمل في أسواق الطرف الثالث وتطوير تكنولوجيا الجيل الرابع، وإنه من خلال التزامهما بتقوية "الثقة السياسية المتبادلة" و"تعزيز الأمن العالمي"، تعد العلاقة بين الصين و فرنسا مثالاً محتملاً للجمع بين التنافس والتعاون بالنسبة للقوى العالمية.

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2