ملاحظات على دراما رمضان «1»

ملاحظات على دراما رمضان «1»محمود عبد الشكور

الرأى18-4-2023 | 15:18

مائدة رمضان هذا العام كانت عامرة إلى حد التخمة بالمسلسلات. نحو 35 مسلسلا كانت تتزاحم على القنوات الفضائية، تتخللها إعلانات طويلة، في موسم يمكن أن يقال عنه أنه أكثر تنوعا، حيث ألوان الدراما الاجتماعية والتاريخية والكوميدية، كما أن وجود أعمال متعددة لا يزيد عدد حلقاتها على 15 حلقة، من أبرز الظواهر الإيجابية لهذا العام، وكم طالبنا بذلك بعد أن زاد المط والتطويل مع انتشار قالب الثلاثين حلقة لسنوات طويلة.

مع ذلك فإن من المستحيل بالطبع متابعة كل هذا الكم من المسلسلات، وبعضها ما يزال مستمرا حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولكن يمكن فقط الحديث عن ملاحظات عنها، والإشارة إلى بعض نقاط القوة والضعف، وإلى بعض الأسماء التى تألقت.

يمكت أن نضع خالد النبوى ومحمد رمضان فى قائمة أفضل الممثلين، وأمينة خليل وعائشة بن أحمد وهالة صدقى بين أفضل الممثلات، وفى قائمة أفضل المخرجين نضع الليث حجو مخرج "رسالة الإمام" وكريم الشناوى مخرج "الهرشة السابعة"، ولفت نظرى من الأسماء الجديدة فى عالم الإخراج مى ممدوح مخرجة مسلسل رشيد، وتامر نادى مخرج "مذكرات زوج".

هناك عناصر تقنية رفيعة المستوى لافتة هذا العام منها على سبيل المثال تصوير تيمور تيمور فى "رسالة الإمام"، وتصوير إسلام عبد السميع فى "سوق الكانتو"، وملابس مونية فتح الباب فى "سرّه الباتع"، وملابس مروة عبد السميع فى "سوق الكانتو".

وفى قائمة المسلسلات المتميزة: "الهرشة السابعة" و"رسالة الإمام" و"مذكرات زوج" .

هذه فقط بعض الملاحظات التفصيلية عن دراما رمضان:

تألق النبوى

مشهد عظيم لخالد النبوى قى الحلقة الثانية من مسلسل "رسالة الامام" سيناريو وإشراف على الكتابة والحوار محمد هشام عبية واخراج الليث حجو.

يواجه الشافعى هارون الرشيد بعد أن شاهد الامام إعدام من سبقوه قطعا لرقابهم بالسيف، يدعو الله متضرعا، يحملونه بأصفاده، يتأمل دماء الضحية السابقة بجواره، وبدافع من غريزة النجاة وحدها، يلقى التحية على الخليفة هارون ، ويبدأ حوار يقود الشافعى إلى النجاة.

كل شيء فى المشهد فى موضعه، وهارون ينتقل من وراء الحجاب فى قلب الظلام إلى مواجهة الشافعى كلما أعجبته كلمات الامام، وشباك واحد يلقى بالنور على وجه الامام ولا يشاركه هارون النور إلا عندما يعتق الشافعي، فيكافأ بصريا بمزيد من النور، وبلقطات قريبة بعد لقطات متوسطة وبعيدة.

أما خالد النبوى فيعبر بوجهه وحركة جسده عن مشاعر تتدرج من القلق والتوتر إلى الثقة فالفرحة بعد أن انطلق لسانه البليغ، وبعد أن تشجع بتجاوب الخليفة. ثم قطع المخرج إلى يدى الامام، وهى تعبر وتساهم فى هذا الدفاع الذكى والهادي.

المشهد محورى لأن الامام ستتغير حياته بعده، سينقذ من الموت ويذهب إلى مصر، كما أنه مشهد محورى لأنه يعبر عن قدرات الشافعى الفذة قى الحديث والحوار وفى المناظرة التى تعتمد على المنطق، كما يعبر عن شخصية عملية تعرف كيف تدير المواقف، وتفهم فى طبائع النفوس والعقول، وتؤمن بدعم السماء ومعجزاتها.

أداء خالد فى المسلسل مميز جدا، محوره البساطة والتعامل مع الشافعى كنموذج إنساني، بعكس ما تستدعيه هذه الشخصيات عادة من أداء متخشب، ووجه عبوس مزعج، وحركة مفتعلة.

الطبيعية والبساطة والتفاصيل العادية هى المدخل الصحيح، وهى وحدها ما يقرب الشخصية للمتفرج.

لا يعلو الصوت، وحتى الأشعار ألقاها خالد النبوى بنبرة هادئة بسيطة .

كأن هذه الشخصية العذبة كانت على موعد مع النيل العذب، وكأن هذه البساطة الاسرة تنتظر مكانها فى المحروسة بين أهل البساطة والمفهومية.

نجوم الهرشة

أداء الممثلين والجو العام الذى صنعه المخرج كريم الشناوى منذ الحلقة الأولى لمسلسل "الهرشة السابعة" مذهلان ويستحقان التنويه.

وكأن الكاميرا تسللت إلى بيت وشخصيات وصورتهم وهم فى حياتهم اليومية ، وبتفصيلات وتعبيرات فى مكانها، بدون ثرثرة فى السرد، وبتوظيف ممتاز للموسيقى بدلا من ضجيج شريط الصوت والموسيقى فى كثير من المسلسلات .

الأداء يعتمد على نظرة العين والايماءة وتلوين الصوت حسب الانفعال الداخلي، ويتدرج الانفعال لو كان ذلك مطلوبا وبدرجة محسوبة، و حركة الممثلين طبيعية وعادية وواقعية، وليست حركة مفتعلة، ولا تشغلك عما يقولونه ويعبرون عنه.

معظم المخرجين مشغولون بالكاميرا، وحركة الممثلين تابعة عندهم لحركة الكاميرا، وهى كارثة بكل المقاييس.

ولكن الشخصيات هنا لا تشعر أصلا بوجود الكاميرا وبحركتها وهذا أعظم ما يمكن أن يحققه أى مخرج مع ممثليه.

استمتعت فى الحلقة الثانية مثلا بأداء أمينة خليل فى مواجهة محمد شاهين وأداء أسماء جلال فى مواجهة على قاسم وأداء محمد محمود فى مواجهة عايدة رياض.

كل مشهد صعب للغاية ، ويمكن تحليله بالتفصيل كنموذج لأداء الممثل النموذجى فى الدراما التليفزيونية عموما.

"الهرشة السابعة" حكايات عن المشاعر، عن الكلمات المنطوقة والمسكوت عنها، عن البشر ككائنات متقلبة ومعقدة ، عن الحياة العادية التى تصنع دراما غير عادية، وهذا بالضبط ما قاله وعبّرعنه أداء الممثلين.

مشربية أسامة

أسامة أنور عكاشة نافس مسلسلات ٢٠٢٣ بمسلسل "المشربية إنتاج ١٩٧٨ الذى أعيد عرضه يوميا فى رمضان على ماسبيرو زمان.

المنافسة قوية بالكتابة البديعة، وبإخراج الراحل فخر الدين صلاح، وبفريق الممثلين: شكرى سرحان وسميحة أيوب وعبد الرحمن أبو زهرة ومحمود الحدينى ونسرين وفردوس عبد الحميد وإبراهيم عبد الرازق وصبرى عبد المنعم و.. و.. وو.. وبأغنية التترات لعبد الرحيم منصور وبليغ حمدي.

نماذج إنسانية مدهشة، ورحلة بحث عن الذات، وليس عن كنز مجهول وقصة مواجهة للخوف وللقيود والحواجز.

العمل من أبرز مسلسلات السبعينيات، وفيه تبلور مبكر لأسلوب عكاشة فى قراءة المجتمع فى لحظة، عبر شخصيات كثيرة متنوعة، مثل كتالوج ملون.

الإمكانيات الإنتاجية بسيطة جدا بل وهزيلة، ولكن الفن الجيد عابر للأزمان، ورؤية الكاتب وشخصياته المصرية مذهلة.

الفن أطول من العمر.. شكرا يا أستاذ أسامة.

رمضان العمدة

لم أتحمس لما قدمه المخرج والمؤلف محمد سامى فى حلقات "جعفر العمدة"، فما زال يصنع توليفة غريبة ومزعجة فيها أصداء من المليودراما الهندية، ممتزجة بعالم أفلام الحارة الشعبية المصرية فى أفلام الأبيض والأسود، مع حرفة عالية فى تحويل العمل إلى صراع مستمر، من البداية إلى النهاية، وإعادة تدوير شخصيات وتيمات مستهلكة، فى أجواء وأماكن جديدة.

ولكن ما يثير الإعجاب حقا هو أداء محمد رمضان، وحضوره الفائق، وقدرته على تلوين أدائه، والإنتقال من الجد إلى الهزل ببراعة، وسيطرته الكاملة على كل مشهد يظهر فيه، حتى لو كان مشهدا عاديا.

شخصية جعفر العمدة من أفضل أدواره كممثل، ودليل جديد على موهبته الكبيرة، التى تستحق أن يحافظ عليها، بعيدا عن فوضى واستفزازات النجومية والأضواء، والجرى وراء الترند.

مذكرات زوج

جذبنى مسلسل "مذكـــــــــرات زوج" منذ حلقته الأولى بذكاء المعالجة والسيناريو والحوار (محمد سليمان عبد المالك)، وبأداء ممثليه، وبإدارة مخرجه تامر نادى لكل عناصر العمل بطريقة سلسة.

لم أكن متحمسا فى الحقيقة لإعادة تقديم نسخة جديدة من "مذكرات زوج"، فقد شاهدت العرض الأول للنسخة القديمة من بطولة محمود ياسين وفردوس عبد الحميد، وبنفس العنوان، وكنا، إذا لم تخذلنى الذاكرة، فى شهر رمضان أيضا، ورغم بعض المشاهد الظريفة والمرحة، إلا أن العمل القديم مر مرورا عابرا، وبدا كما لو كان من الأفضل تقديمه كفيلم تليفزيونى أو كتمثيلية سهرة ، بدلا من تقديمه كمسلسل متعدد الحلقات.

ولكن محمد سليمان عبد المالك صنع معالجة مهمة، منحت "مذكرات زوج" حيوية بالغة.

لا أقصد فقط جعل العمل القديم معاصرا بتفاصيل الحياة اليومية والتكنولوجية الراهنة، ولكنه قدم تغييرات هامة ومؤثرة، مع الحفاظ على الخطوط الأساسية، فهناك أيضا زوج وأب مأزوم، يريد أن يتحرر، ويحلم بالتخلص من زوجته، ويلجأ إلى علاقة أخرى لتنقذه مما يعانيه، وهناك علاقة الزوجة بوالدها .. الخ.

ولكن المعالجة الجديدة وسعت كثيرا من زاوية الرؤية، فلم تعد مجرد علاقة بين رؤوف وزوجته شيرين، ولكننا نرى علاقات أخرى مختلفة، منها علاقة طبيب رؤوف النفسى مع زوجته، وعلاقة صديقه طبيب الأسنان مع فتاة أحبها، وعلاقة شقيق رؤوف مع فتاة أخرى ..الخ، وما فعله عبد المالك يصل إلى مستوى التأليف الكامل، أى أنه قام فقط بالإستلهام من الأصل.

أصبح بناء الدراما قائما على عدة ثنائيات، وخرجنا من دائرة العلاقات الزوجية، إلى العلاقة بين الرجل والمرأة عموما، قبل وبعد الزواج، وإلى أفكار مثل الحرية والتحقق.

الشخصيات لا تقصد أن تفشل، ولكنها لا تعرف النغمة الصحيحة فى العلاقة بين الطرفين، دون إغفال دراسة حالات بعينها، ومشكلات زوجية محددة.

البطل فى الحلقات الأصلية موظف كبير، وأولاده كانوا أكبر سنا، ولكنه فى النسخة الجديدة فى مستوى اقتصادى أعلى، مراقب جوى فى المطار، يحلم بالطيران، وهو أيضا يراقب حياته ويصبر عليها، حتى يثور ويتمرد.

تغيير الوظيفة والطبقة وبقاء المشكلة وعدم التكيف جعلا الصراع طريفا، فرغم عدم وجود مشاكل مادية، تتسبب غالبا فى النكد ، وفى فشل الحياة الزوجية، إلا أن ال زوج لا يشعر بالسعادة.

المشكلة ليست فى الفلوس، ولكنها فى البشر.

كل الشخصيات رسمت باتقان: طارق لطفى وعائشة بن أحمد من أفضل الثنائيات فى دراما رمضان، طارق الذى لعب شخصية الإرهابى والشيطان يتحول هنا إلى ترجمة لمعنى الوداعة والاستسلام، ولكنه بدا أقل تألقا فى مرحلة ما بعد الطلاق، وعائشة لا تبالغ ولا تصطنع، فكأنها فعلا قوية ومسيطرة، تفعل ذلك بكل بساطة، ودون حتى أن تلاحظ أن ذلك قد يؤذى غيرها، والطبيب النفسى د طه وزوجته نجيبة، من أفضل النماذج الدرامية هذا العام، بأداء خالد الصاوى وأسماء إبراهيم.

لا بد من الإشادة أيضا بتامر نادي، لأنه مخرج جيد جدا.

مع الأسف لم أشاهد أول مسلسل درامى أخرجه بعنوان "المتهمة"، وهذا هو مسلسله الثاني، مخرج متميز وفاهم، لا يستعرض، ولا تفلت منه المشاهد الجادة ولا المرحة، والممثلون يؤدون بسلاسة وبارتياح ، وبناء الحلقات وإيقاعها مناسب للغاية.

المسلسل يؤكد ما نكرره دائما بأن الدراما ليست بالأفكار والتيمات، فهذه الأمور محدودة ومتكررة، ولكن الدراما بالمعالجات المبتكرة، وبالتعب قليلا ، والبحث عن شخصيات ونماذج إنسانية مختلفة حولنا، بدلا من الاستسهال والقص واللزق، وبدلا من ملء الدقائق بثرثرة فارغة، وصراعات مفتعلة، وكليشيهات مملة.

نجومية الإضاءة

تيمور تيمور مدير تصوير مسلسل "رسالة الإمام" من نجوم هذا العمل ببراعته فى استغلال مصادر الضوء ، وتوظيفها لخدمة المشاهد دراميا، سواء فى مشاهد الليل أو النهار، ومشاهد الليل أكثر صعوبة، لأننا فى عصر يعتمد على الشموع والمشاعل، وكل هذا البناء البصرى للمشاهد يتم بالتأكيد بالتنسيق مع المخرج الليث حجو.

فى مشاهد كثيرة كان النور يساند الإمام الشافعي، ويدل عليه، ويحتويه، كما فى مشهد حوار الإمام مع هارون الرشيد، الذى حللته من قبل، بل إن هارون يتقدم فى نهاية المشهد، وقد اقتنع بعظمة الإمام، لكى يأخذ جزءا من هذا النور، بعد أن كان فى الظلام.

وفى مشهد عظيم آخر فى الحلقة الرابعة، يفترش الضوء مساحة واسعة تغطى الشافعى والسيدة نفيسة معا فى لقائهما الأول، وكأنه يترجم شخصياتهما النوارنية الشفافة، ويقدم فى نفس الوقت تحية المصرييين لآل البيت، هكذا يرونهم، وهكذا يتباركون بأنوارهم.

فى بيت الشافعى أمثلة كثيرة جدا لاستغلال النور الصادر عن النوافذ، بعضها واضح ومباشر، بالذات فى مشهد اعتكاف الشافعى فى صومعته للكتابة، ولكن لفتت نظرى لقطة ذكية جميلة لزوجة الإمام وهى تصب سائلا وخلفها نور النافذة، فبدت نسخة طبق الاصل من لوحة شهيرة للفنان فيرمير.

أضف تعليق