احتفالات صاخبة ومجالس علمية رمضان فى القاهرة المملوكية.. عظمة وفخامة

احتفالات صاخبة ومجالس علمية  رمضان فى القاهرة المملوكية.. عظمة وفخامةرمضان فى القاهرة المملوكية

بلغ الاحتفال بشهر رمضان فى عصر سلاطين المماليك فى مصر ذروته من العظمة والفخامة وساعد على ذلك ضعف الخطر الصليبى والمغولى من جهة وما تمتعت به مصر من سطوة اقتصادية وسياسية فى العالم الإسلامى آنذاك بفضل عدد من سلاطين المماليك الذين وصفوا بالمدافعين عن راية الإسلام وبقدرتهم على القضاء على خطر الصليبيين والتتار.

كان الاحتفال بشهر رمضان المعظم يبدأ باستطلاع هلاله وكان يسمى يوم الركبة أى ارتقاب هلال رمضان وكان يوافق 29 من شعبان حيث يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر بدار القاضى الشافعي، وكان يقف على باب الدار نقيب المتعممين، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الأعيان للقاء ذلك النقيب ومضى بين يديه قائلاً: «بسم الله سيدنا فلان الدين»، فيقوم القاضى ومن معه ويجلسه النقيب فى موضع يليق به، وعندما يتكاملون يركبون جميعًا وعلى رأسهم القاضى ويتبعهم من بالمدينة من الرجال والصبيان حتى إذا ما انتهوا إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال ينزل القاضى ومن معه لترقب الهلال، وبعد صلاة المغرب يعودون جميعًا بالشموع والمشاعل والفوانيس، أما إذا حدث ارتباك بسبب كثرة السحب أو رؤية الهلال فى بعض الجهات وعدم رؤيته فى البعض الآخر فإن الحاضرين يكتفون بشهادة اثنين من الرجال، وبعد ثبوت الرؤية يوقِد التجار الشموع بحوانيتهم وتكثر الأنوار فى الطرقات والدروب و المساجد وبذلك يتحول الليل نهارًا طيلة شهر رمضان.

البخارى بالقلعة

أما فى القلعة فقد كانت لها طقوس خاصة فى الاحتفال حيث كان يقرأ صحيح البخارى بها والتى تعد من أهم المظاهر الرسمية لإحياء شهر رمضان فى ذلك العصر، وفى عصر السلطان شعبان كانت تتم قراءة البخارى فى أول يوم من شهر رمضان بين يدى السلطان وبحضور طائفة من قضاء القضاة والفقهاء.

أما فى عصر السلطان المؤيد شيخ فقد جعل قراءة البخارى بالقلعة تبدأ من أول شعبان وتستمر حتى 27 رمضان، بالإضافة إلى أنه دعا لحضور ذلك المجلس جمعًا كبيرًا من مشايخ العلم والطلبة، حتى زاد عددهم سنة 819 هـ على ستين فقيهًا وكان يصرف لكل منهم ألف درهم، وكانت تلك المجالس للمناقشة والجدل إلا أن من مساوئ تلك المجالس أنها كانت تثير حزازات بين رجال العلم والدين حتى أمر السلطان بالكف عن الجدال أثناء مجالس العلم، وفى الثلث الأخير من رمضان كان يحتفل السلطان احتفالا كبيرا فى القلعة حيث ترسل العطايا إلى القضاة والعلماء والفقهاء، وتوزع الأموال على الناس.

السلاطين المماليك اهتماما خاصا بالعلماء فكان رمضان فرصة للتوسعة على العلماء فكان يصرف لهم رواتب إضافية فى شهر رمضان وبخاصة من السكر الذى كانت تتضاعف كمية المستهلك منه فى هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى.

اهتم سلاطين المماليك بالتوسع فى الإحسان والصدقة طوال أيام رمضان، فكان السلطان برقوق يأمر بذبح كل يوم من أيام رمضان 25 بقرة يتصدق بلحومها مع ما يطبخ من الطعام وما يخبز من آلاف الأرغفة على أهل الجوامع والخوانق والربط والسجون، بحيث يخص كل فرد رطل لحم مطبوخ وثلاثة أرغفة، وقد كانت سنة حسنة اتبعها من خلفه من بعده من سلاطين المماليك، وقد حاكى أمراء المماليك سلاطينهم فى الإكثار من الصدقة والإحسان فى شهر رمضان، ومنهم الأمير طشمتر البدرى الذى عرف عنه حرصه على الإكثار من ذبح البقر والغنم فى ليالى رمضان.

أما المساكين والمعدمون فرتب لهم سلاطين المماليك فى شهر رمضان مطابخ لإفطار الصائمين وتوزيع الصدقات عليهم، وبلغ عددهم فى هذه المطابخ أيام السلطان الظاهر بيبرس خمسة آلاف شخص فى كل يوم من أيام شهر رمضان، كذلك اعتاد سلاطين المماليك أن يعتق الواحد منهم فى شهر رمضان 30 شخصا أى بعدد أيام الشهر.

وكان من وسائل الاحتفال لدى عامة الشعب الغناء ودق الطبول طول الليل، كذلك تميزت القاهرة بكثرة الأنوار والمشاعل فى الطرقات، والفوانيس المختلفة الأشكال التى يحملها الكبار والصغار، وتظل أبواب الحوانيت خاصة حوانيت الطعام والمطابخ مفتوحة الأبواب طوال ليالى شهر رمضان.

احتفالات ختم القرآن

أما عن احتفالات عامة الشعب ب رمضان فقد عمد كثير من الناس إلى إحياء رمضان فى الجوامع و المساجد بقراءة صحيح البخارى أو صحيح مسلم أو بالذكر أو بالصلاة لا سيما صلاة التراويح. وجرت العادة فى عصر المماليك أنه عند ختم القرآن بأحد المساجد فى شهر رمضان يحتفل بذلك احتفالاً كبيرًا، فتقرأ القصائد ويجتمع المؤذنون فيكبّرون جماعة فى موضع الختم، ثم يؤتى بفرس أو بغلة ليركبها القارئ الذى تولى قراءة الختمة، ويزفونه إلى بيته فى موكب هائل، وأمامه القراء يقرأون والمؤذنون يكبرون والفقراء يذكرون، وربما أضاف بعضهم إلى ذلك ضرب الطبل والدف والأبواق.

وفى السحور، جرت العادة فى القاهرة ومصر أن يطوف أصحاب الأرباع وغيرهم بالطبلة على البيوت وهم يضربون عليها، أما أهل الإسكندرية فاعتادوا أن يكون التسحير بدق الأبواب على أصحاب البيوت والمناداة على كل فرد باسمه.

وعن طقوس الأيام الاخيرة لشهر رمضان فكان يصعد ناظر خاص إلى القلعة فى موكب كبير وبصحبة عدد عظيم من الحمالين يحملون خلع العيد، وفى ليلة العيد يدخل الأمراء جميعًا على السلطان للتهنئة وتقبيل يد السلطان فإذا ما أصبح الصباح واستهل أول أيام العيد نزل السلطان إلى الحوش السلطانى لتأدية صلاة العيد وذلك فى موكب من أفخم المواكب السلطانية، وبعد أن يصل السلطان صلاة العيد ويسمع الخطبة يعود إلى الإيوان الكبير بالقلعة، حيث يعد سماطًا حافلاً بلغت تكاليفه فى بعض السنوات 50 ألف درهم، وأخيرًا يخلع السلطان على الأمراء وأرباب الوظائف كما يفرج عن بعض المساجين بمناسبة عيد الفطر.

كما يتم الاستعداد لاستقبال العيد وتوديع الشهر الكريم بالسهر حتى ساعة متأخرة من الليل وصقل الملابس وإعداد الزخارف وتعد القرافة والنيل هى أهم المتنزهات التى يخرج لها عامة الشعب فى الأعياد، فيخرجون إلى القرافة ومعهم نساؤهم وأولادهم، أو يقصدون شاطئ النيل حيث يستأجرون المراكب للنزهة، واعتاد المسلمون أن يعتبروا شهر رمضان والأيام الثلاثة الأولى من شوال أعيادًا متصلة يحتفلون بها ويمجدونها ويحرصون على إضفاء هالة خاصة من الفرح والسرور عليها.

وعند الحديث عن شهر رمضان فى عصر سلاطين المماليك لابد أن نتذكر أشهر معاركهم حيث تعد معركة عين جالوت التى وقعت فى رمضان 685هـ بقيادة السلطان سيف الدين قطز والقائد ركن الدين بيبرس ضد التتار حين هاجموا بغداد أبرز المعارك فى تاريخ المماليك وهى التى ردت همجية التتار وأعادت هيبة الدولة الإسلامية فى هذا الشهر الكريم.

أضف تعليق

المنتدى الحضري العالمي شهادة دولية للدولة المصرية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2