حكم المسح على الجورب الشفاف

حكم المسح على الجورب الشفافالمسح على الجورب

الدين والحياة9-5-2023 | 05:10

حكم المسح على الجورب هو ما يرغب في معرفته الكثيرون خوفا من الوقوع في الخطأ والمحظور، وتيسيرا عليهم في الضوء، ما يجعل من معرفة حكم المسح على الجورب أمرا مهما.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم المسح على الجورب وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام باستفاضة، عبر الموقع الرسمي ل دار الإفتاء ليعرف الجميع حكم المسح على الجورب.

وأجاب المفتي قائلا: ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز المسح على الجورب (الشَّراب) في الحَضَر والسفر للرجال والنساء، شريطة أن يكون مجلدًا يمكن تتابع المشي فيه، وأن يكون ساترًا للقدمين كاملتين؛ أي: يغطي الكعبين، وأن يكون طاهرًا في نفسه، وأن يكون قد لُبِسَ على طهارة. ومن الفقهاء من ذهب إلى جواز المسح على الجورب مطلقًا حتى لو كان خفيفًا؛ ومن القواعد المقررة أنه "لا إنكار في مختلفٍ فيه"، فمن كان في حاجةٍ ولا يجد إلا أن يمسح على الجورب (الشَّرَاب) الخفيف فلا حرج عليه ناويًا تقليد من أجاز من الفقهاء، وتكون مدة المسح للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح من وقت الحدث بعد لبس الجورب، ويبطل المسح بنزعه من القدم، أو انقضاء مدة المسح؛ فيتوضأ إن كان محدثًا، ويغسل قدميه لا غير إن كان متوضئًا، ويبطل كذلك بما يوجب الغسل من جنابة أو حيض أو نفاس.

وأضاف: الإِسلامُ دين اليُسرِ والسماحة، وقد جاءت أحكام الشريعة الإسلاميَّة تُراعي أحوال النَّاس، وتتَّفِق مع طبيعة الإنسان الذي علم الله سبحانه وتعالى ضعفه؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذًا وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمن، أوصاهما -كما أورده الشيخان في "صحيحيهما"- بقوله: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا».

والجورب: هو ما يرتديه الإنسان في قَدَمهِ سواء كان مصنوعًا من الصوفِ أو القطنِ أو الكتانِ أو غير ذلك.

قال الإمام الزبيدي في "تاج العروس" (2/ 156، ط. دار الهداية): [الجورب: غشاءان للقدم من صوف يُتخذ للدفء، وكذا في (المصباح) (جمعه جواربة).. (و).. (جوارب).. (و) استَعمَلَ ابنُ السكيت منه فِعلًا، فقال يصف متقنص الظباء: قد (تجورب) جوربين: لبسهما، وتجورب: (لبسه، وجوربته) فتجورب أي (ألبسته إياه) فلبسه] اهــ.

والخُفُّ هو: نعل مصنوع من الجلد يغطي الكعبين، والكعبان هما العظمتان البارزتان على جانبي القدم، وجمعه خِفاف بكسر الخاء؛ قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 80، ط. دار الحديث): [والخف: نعل من أدم -أي جلد- يغطي الكعبين] اهــ.

والمسح في اللغة: هو إمرار اليد المبتلَّة بالماء على الشيء؛ قال الإمام الجرجاني في "التعريفات" (ص: 212، ط. دار الكتب العلمية): [المسحُ: إمرار اليد المبتلة بلا تسييل] اهـ.

والمسح على الخفين رُخصةٌ شُرعت من الله سبحانه وتعالى تيسيرًا وتخفيفًا على عباده؛ يدل لذلك ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ. فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا».

قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (3/ 102، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه جواز المسح على الخفين وبيان مشروعيته] اهــ.

وقد أجمع الفقهاء على جواز المسح على الخفين في الحَضَر والسفر للرجال والنساء؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (11/ 137، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية): [وعمل بالمسح على الخفين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وسائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين أجمعين وفقهاء المسلمين في جميع الأمصار، وجماعة أهل الفقه والأثر كلهم يجيز المسح على الخفين في الحَضَر والسَّفَر للرجال والنساء] اهـ.

وقد نصَّ الفقهاءُ على جواز المسح على الجوربين للحديث الذي رواه الأربعة وأحمد في "مسنده" -واللفظ له- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وآله وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ"، إلا أنهم قد اشترطوا لذلك عدة شروط منها: أن يُلبَسا على طهارة تامة، وأن يكونا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا مجلدين يمكن تتابع المشي فيهما، وأن يكونا ساترين للقدمين كاملتين؛ أي: يغطيان الكعبين، وأن يكون لبسهما مباحًا؛ أي في غير معصية.

قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (1/ 10، ط. دار الكتب العلمية): [وأما المسح على الجوربين، فإن كانا مجلدين، أو منعلين، يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء؛ لا يجوز المسح عليهما بالإجماع، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز. وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره، وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لعُوَّاده: "فعلتُ ما كنتُ أمنع الناسَ عنه" فاستدلوا به على رجوعه] اهــ.

وجاء في "مختصر خليل" (ص: 23-24، ط. دار الحديث): [رُخِّصَ لرجلٍ، وامرأةٍ وإن مستحاضةً بحَضَرٍ أو سَفَرٍ مسحَ جورب جلد ظاهره وباطنه.. بشرط جلد وستر محل الفرض، وأمكن تتابع المشي به بطهارة ماء كملت بلا ترفه وعصيان بلبسه] اهــ.

وقال الإمام النووي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه" (ص: 14، ط. دار الفكر): [وشرطه أن يُلبَس بعد كمال طهر، ساترًا محل فرضه، طاهرًا يمكن تباع المشي فيه] اهــ.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 215، ط. مكتبة القاهرة): [(وكذلك الجورب الصفيق الذي لا يسقط إذا مشى فيه) إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذَيْن ذكرناهما في الخف، أحدهما: أن يكون صفيقًا، لا يبدو منه شيء من القدم.

الثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه. هذا ظاهر كلام الخرقي. قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل: إذا كان يمشي عليهما، ويثبتان في رجليه، فلا بأس] اهـ.

وهناك من ذهب إلى جواز المسح مطلقًا على كل ما يُطلق عليه اسم الجورب حتى لو كان خفيفًا، وممن قال بذلك من الفقهاء الإمام ابن حزم الظاهري والشيخ ابن تيميَّة.

قال العلامة ابن حزم في "المحلى بالآثار" (1/ 336، ط. دار الفكر): [قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر بالمسح على الخفين، وأنه مسح على الجوربين، ولو كان ههنا حد محدود لما أهمله عليه السلام ولا أغفله، فوجب أن كل ما يقع عليه اسم خُف أو جورب أو لبس على الرجلين فالمسح عليه جائز] اهــ.

وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (19/ 242، ط. مجمع الملك فهد): [النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أمته بالمسح على الخفين، فقال صفوان بن عسال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كنا سفرًا أو مسافرين: ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جَنَابةٍ، ولكن من غَائطٍ وَبَولٍ وَنَومٍ». ولم يقيد ذلك بكون الخف يثبت بنفسه أو لا يثبت بنفسه. وسليمًا من الخرق والفتق أو غير سليم، فما كان يسمى خفًّا ولبسه الناس ومشوا فيه مسحوا عليه المسح الذي أذن الله فيه ورسوله، وكلما كان بمعناه مسح عليه فليس لكونه يسمى خفًّا معنى مؤثر، بل الحكم يتعلق بما يُلبس ويُمشى فيه، ولهذا جاء في الحديث المسح على الجوربين] اهــ.

وما يسري على الخُفِّ من أحكام في صفته ومدته وانتقاضه ومبطلاته يسري على الجورب؛ أما صفة المسح فتكون على ظاهر الجورب وجوبًا كما في الخف، ومسح أسفله مستحب، ولا يجوز مسح أسفله فقط، وإنما يبلل من أراد المسح يده بالماء ثم يمررها على الجورب بداية من الأصابع وحتى الساقين.

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2