وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات والقنوات إحدى أدوات حروب الجيل الرابعة الناعمة التي تستخدم بذكاء لتمرير فكرة أو ترسيخ قاعدة أو نشر ثقافات مغايرة أو تزييف تاريخ معين، وتعد «هوليوود» أهم أدوات القوة الناعمة التي استخدمت لصالح أهداف سياسية سواء كانت من الولايات المتحدة الأمريكية أو الكيان الصهيوني.
منذ ستينيات القرن الماضي، صنعت هوليوود أفلامًا عديدة، لتعزيز رؤية العالم حول ما تدعيه عن «المحرقة النازية» ودور اليهود فى الانتصار على ألمانيا، وانتهاء الحرب الباردة، ثم تناولت الأفلام الهوليودية الدور الاستخباري الإسرائيلي فى تعزيز المعسكر الرأسمالي فى مواجهة المنظومة الاشتراكية، والقوة الخارقة والأسطورية للاستخبارات الإسرائيلية وبعد ذلك صنعت هوليوود عدة أفلام حول «الإرهاب الفلسطيني»، ودحض الرواية الفلسطينية.
ومن أشهر المنصات الحالية نتفليكس، التي تحظى بنحو 230 مليون مشترك عبر العالم، وباتت إحدى أهم القوى الناعمة المجندة لصالح دول كبرى، كما أنها تحمل أجندات مشبوهة وتدس أفكارها بشكل غير مباشر، وتقدم أعمالا تدعو إلى الانحرافات الجنسية كالشذوذ الجنسي وزنا المحارم والاعتداءات الجنسية المختلفة والدعوة إلى التحرر، والكارثة أن هذه الأفكار تصل لعقول المراهقين بشكل تدريجي مما يعرض جيلا كاملا للتشوه الفكري واعتياد تلك الممارسات المخالفة للشرع والفطرة، وتقديم أفلام تخدم تيار أو حركة معينة.
فمن الأعمال التي كانت بغرض كسب التعاطف مع الدولة العبرية وإظهار الإسرائيليين باعتبارهم الأكثر إنسانية فى مواجهة قوى الشر والإرهاب أهمها «عندما يطير الأبطال، وهاشنور هانوف، وصانع الكعك»، كما قدمت أعمالا تركز على تعظيم الدور الاستخباري الإسرائيلي وتمجيد قدراته، مثل مسلسل «فوضى» وفيلم «عملية النهاية» ، وفيلم «الملاك» الذي يحكي قصة أشرف مروان صهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من وجهة نظر إسرائيلية.
المنصة الشهيرة أثارت أزمات عديدة من خلال الأعمال التي تقدمها لعل أبرزها فيلم «أصحاب ولا أعز» النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير Perfect Strangers»» واتهام صناعه بالترويج للمثلية الجنسية وتمرير الخيانة الزوجية والفيلم مليء بالعديد من النماذج القبيحة والتي وإن كانت موجودة لكن تحويلها إلى موضوع فى فيلم سينمائي يجعلها قضايا مكرّسة، مفروضة بأمر الأجندات المشبوهة، وتنعدم أمامها القضايا الكبرى، من نوعية صديق يخون صديقاً ويقيم علاقة مع زوجته. صديق من جيلهم غير متزوج، ليتبيّن خلال أحداث الفيلم أن سبب عدم زواجه هو شذوذه الجنسي بوصفه مثليّاً لا يريد أن يبوح لهم بذلك حماية لشريكه فى المثلية. زوجة تتواصل مع متحرّش افتراضيّ. زوج يتواصل مع مراهقة ترسل له صوراً فضائحية، زوجة تتآمر مع صديقتها لإخراج حماتها من بيتها، زوج يعاشر موظفة لديه وتحمل منه، ويخون صديق عمره بإقامته علاقة مع زوجة هذا الصديق، فتغضب الزوجة الخائنة من معاشرته لموظفته! مراهقة تحمل فى حقيبتها (واقياً ذكورياً) ووالدها لا يتوقف عند هذه التفصيلة، بل عند تفصيلة كيف سمحت زوجته لنفسها أن تفتح حقيبة ابنتها!!
أيضا من الأفلام التى أثارت أزمات فيلم “لطفاء” واتهام المنصة بالترويج للبيدوفيليا “الولع الجنسي بالأطفال” واتهم مخرجة الفيلم بالانحراف وانعدام المسئولية، وقدم كوتون ومعه عضو الحزب الجمهوري جيم بانكس طلبا إلى وزارة العدل الأمريكية برفع دعوى قضائية ضد نتفليكس بسبب الفيلم، واتهما المنصة بالاستغلال الجنسي للأطفال.
كما عرضت المنصة مسلسل «ثلاثة عشر سببا»، وهو عمل درامي للمراهقين ويتكون من أربعة مواسم تدور قصته حول انتحار تلميذة بالمرحلة الثانوية بسبب تعرضها للتنمر من زملائها، ويحاول أصدقاؤها طوال حلقات الموسم الاول من المسلسل الدفاع عن هذه الفتاة ووضعها فى صورة الضحية.
وواجه المسلسل سيلا من الانتقادات من بعض المنظمات المدنية بأمريكا خوفا على أبنائهم من التأثير السلبي للفكرة التي يعرضها المسلسل، كما أن المسلسل يصدر بشكل غير مباشر فكرة تقبل المثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي، وأن الآباء والأمهات لابد من أن يشجعوا أبناءهم على تقبل ميولهم الجنسية ويعلنوا عنها بدون خجل وأن المثلي الجنس هو شخص مظلوم ومقهور ويجب أن ينتصر فى النهاية وأن انتصاره هذا هو أسمى معاني الإنسانية.
وبحسب الدكتورة عزة هاشم بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية «شهدت صناعة السينما والتلفزيون مؤخرًا تحولًا هائلا نتيجة ظهور موجة جديدة من خدمات بث الفيديو عبر الإنترنت (OTT)، والتي تعتمد جميعها بشكل كبير على استخدام الخوارزميات، وهو ما أدى إلى ما أطلقت عليه وسائل الإعلام حروب البث التي عززتها جائحة كورونا، وانتشار «دور السينما الافتراضية» و»مهرجانات الأفلام عبر الإنترنت»، كما أدت إلى تكثيف الديناميكيات التنافسية لحروب البث، وهو ما جعل خدمات مثل «نتفليكس» تحقق أرقامًا قياسية فى عدد المشتركين بسبب التكنولوجيا الخوارزمية.
هل المؤامرة موجودة فيما تقدمه هذه المنصات، تقول الدكتورة عزة: لا شك فى أن وسائل الإعلام بشكل عام تُحدث تأثيرات مباشرة على «الوعي الجمعي»، والوعي الفردي، قد تحدث هذه التأثيرات بصورة مقصودة أو بصورة غير مقصودة، فقد يكون لمنتجي المحتوى الإعلامي - على سبيل المثال- مصالح خاصة فى تحقيق أهداف اجتماعية معينة، والتي- بدورها- قد تدفعهم إلى ترويج أو دحض وجهات نظر معينة.