عاطف عبد الغنى يكتب: 4 سنوات رئاسية

عاطف عبد الغنى يكتب: 4 سنوات رئاسيةعاطف عبد الغنى يكتب: 4 سنوات رئاسية 

*سلايد رئيسى1-6-2018 | 18:36

يتصور البعض أن مصر تجاوزت التحدى الأخطر الذى واجهها خلال السنوات السبع الماضية، وهو تحدى انهيار الدولة، أو السقوط فى هوة الدولة الفاشلة – لا قدر الله – وأن التركيز المصرى الآن يصب فى التحدى الاقتصادى المتمثل بشكل كبير فى إعادة بناء بنية أساسية كانت قد ترهلت، وغابت عنها الصيانة لسنوات طويلة، وإصلاح تشوهات الاقتصاد، بداية من ميزانية الدولة التى اعتمدت على الاقتصاد الريعى لسنوات طويلة، وأهملت القطاعات الحقيقية للتنمية – وليس النمو – مثل الزراعة والصناعة، والتجارة، والعمل على زيادة الاستثمارات التى سوف توفر المزيد من فرص العمالة وتقلل نسب البطالة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، وخاصة فى السلع الضرورية، ومستلزمات الإنتاج،  إلى آخر هذه التحديات التى يتصور البعض أنها بعيدة عن السياسة، والحقيقة أنها فى القلب منها بامتياز.

(1)

يحلف الرئيس عبد الفتاح السيسى  - السبت – الثانى من يونيو 2018 اليمين الدستورية ليبدأ رسميا فترة ولايته الرئاسية الثانية، فى ظروف أهدأ وأكثر استقرارًا وأمنًا عن تلك التى تولى فيها الحكم فى الفترة الرئاسية الأولى، وهذه حقيقة لا شك فيها ويمكن أن نؤكد أن السياسات الخارجية التى انتهجتها مصر خلال السنوات الأربع الأولى فى حكم الرئيس السيسى، قد اتسمت بسرعة الحركة، واتساع الرؤية لتغطى نطاقا جغرافيا واسعا، مع اعتماد براجماتية سياسية افتقدتها مصر فى عهدى سلفه الإخوانى المعزول محمد مرسى ومن قبله الرئيس مبارك.

مصلحة مصر كانت دائمًا وأبدًا هى الخيار الأول والأخير لهندسة التحركات السياسية والدبلوماسية وعقد التحالفات والصفقات، والمصطلح الأخير ليس عيبًا فى عالم السياسة، ليس هذا فقط  ولكن أجادت مصر المناورة لتعظيم النتائج والحصول على أكبر قدر من المكاسب، وهذا أيضًا ليس عيبًا فى عالم السياسة، بل تحتاجه الدول بشدة فى حالات الاضطراب، والقلاقل، والتحديات، والتغييرات العميقة، والكبيرة التى تمر بها فى عمرها مثلما حدث معنا قبل وبعد ثورتى يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣ .

(2)

إحساس المصريين بأن الكرامة الوطنية أصابها ما أصاب كثيرًا من مناحى الحياة كان عاملاً من العوامل التى دفعت الكثيرين للخروج إلى الميادين والشوارع فى 25 يناير 2011 وما بعده من أيام.

لقد أدرك المصريون فى هذه الأيام أن الحاكم ضعيف أمام الإملاءات الخارجية، وخاصة الغربية منها، وبسبب هذا الضعف أتاح للغرب ورأس حربته أمريكا التدخل فى الشئون الداخلية المصرية، واختراق الأمن القومى المصرى من خلال اتفاقيات سرية وعلنية أطلقت يد ما يسمى بالمجتمع المدنى للعبث الخطير الذى لم تدرك عواقبه، لقد اعتمد الغرب عليه فى تنفيذ أجنداته، وجعل مما أسماه الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الموازية، مخلب قط  لتخميش وجه النظام الحاكم وتنفيذ مخطط «سياسة الألف جرح» لاستنزاف هذا النظام والوصول به إلى أدنى حالات ضعفه ليسقط مع أول مواجهة له مع الجماهير الغاضبة، ودفع الحاكم إلى أن يقرب طبقة نخبوية من الرأسماليين امتلكت الثروة والسلطة، فشاع عن الحاكم أنه انفصل عن الشعب، وانصرف عنه.

وأدرك المواطن المصرى البسيط هذه الحقيقة بشىء من المبالغة، يضاف إلى ذلك إدراكه الدائم أن النظام الذى ارتمى فى أحضان أمريكا، تكلست حركته بفعل الشيخوخة، ولم يعد لديه قدرة على المناورة، صحيح أنه لم يصل إلى حد الخيانة الوطنية، لكن التجمد والبلادة والعجز عن الحركة والقدرة على المناورة قد يكون أحيانًا أكثر ضررًا من الخيانة الصريحة.

(3)

دورية «فورين آفيرز» المعبرة عن رؤى وأفكار «مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية»، تناولت فى مقال تحليلى نشر قبل أسابيع سياسة مصر الخارجية خلال سنوات حكم الرئيس السيسى الأربع الأولى أكدت فيه على انتهاج مصر خطا سياسيا مستقلا،  وأن هذا يأتى كملمح ثابت فى سياستها الخارجية منذ يوليو 2013.

 وأضاف المقال أنه تحت القيادة الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسى (بعد توليه الحكم) بدأت مصر تدريجيًا فى بناء عقيدة جديدة لسياساتها الخارجية تقوم على التزامات أيديولوجية، حددها المقال فى مناهضة الإرهاب المتلفح بعباءة الإسلام، واحترام المبادئ التقليدية، والانكفائية فى أغلب الأحيان الخاصة بالسيادة وعدم التدخل، ومحاولات ذات صبغة وطنية جسورة لإعادة التأكيد على الحق المصرى فى حرية التحرك والمناورة فى سياستها الإقليمية، وحسب المقال فإن تلك السياسات مجتمعة تمضى بمصر بعيدًا عن حلفائها التقليديين نحو مستقبل أكثر استقلالية وأقل يقينًا (حسب المقال).

وعندما تطالع مقالًا مثل هذا، حتى وإن بدا أنه منصف، وموضوعى، يجب ألا تغفل ما بين سطوره، فالمقال يعبر عن وجهة نظر مؤسسة أمريكية ضالعة بشكل كبير فى تشكيل سياسات أمريكا الخارجية، وأمريكا كانت تقدم نفسها لمصر على أنها حليف استراتيجى وتقليدى،  أما وقد أظهرت الأيام أنها غير ذلك، وتحاول مصر أن تؤكد على استقلالية قرارها، فلابد أن يصف المقال مستقبل مصر بأنه أقل يقينًا، وفى موضع آخر من المقال أن مصر تراهن على صبر واشنطن، فهى تقصد أن الابتعاد عن أمريكا والغرب هو ضرب من ضروب المقامرة أو المغامرة وهذا حديث يفرض أكثر من سؤال، وأول هذه الأسئلة:

هل كان على مصر بعد ثورتى يناير ويونيو أن تستمر فى الارتماء الأعمى فى حضن أمريكا؟!.

وهل البحث عن استقلالية القرار هو نوع من التمرد والمروق من الوصاية الأمريكية؟!.

 وإلى متى كان على مصر أن تقبل بما ليس فى مصلحتها دون أن تعيد حساباته جيدًا؟!.

(4)

خطوط المعركة الجديدة فى الشرق الأوسط – عمومًا – تحددت إلى حد كبير واختارت مصر فيها التمسك بقرارها والبحث عن استقرارها النابعين من امتلاكها لسيادتها واستقلالية قرارها.

وسعت مصر إلى تأسيس كتلة إقليمية تكون هى عنوانها وتغرد بمنأى عن ثلاث كتل تشكلت بالفعل وزجت بنفسها فى صراعات نابعة من وهم مفرط بالقوة أو الزعامة أو البحث عن إحياء ماضٍ أو مستقبل إمبراطورى موهوم كما فى حالات إيران وتركيا وقطر.

والخلاصة أن مصر استفزت عزيمتها وقررت استنهاض قدرتها الكامنة فى ذاتها ليس فقط للبحث عن موضع قدم فى عالم يتنازعه الأقوياء، أما فى الداخل فمصر تسعى بقوة إلى صنع حاضر والتأسيس لمستقبل أكثر أمنا ورخاء، لذلك تعمل على علاج أمراض أصابت الشعب المصرى فى أغلبه، من أمراض الجسد، إلى أمراض الفقر والجهل والفساد والعشوائية والكسل والعطالة الجبرية والاختيارية.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2