«حولت مرضها الصعب إلى رحلة كفاح وصمود ثم توعية للناس» نشوى فتحي.. مريضة بداء العباقرة

«حولت مرضها الصعب إلى رحلة كفاح وصمود ثم توعية للناس» نشوى فتحي.. مريضة بداء العباقرةنشوى

تعرفت على نشوى فتحي مصادفة عن طريق صديقي العزيز منير عتيبة، عندما أطلعني على مقال له بعنوان «سيرة الشجاعة نشوى فتحي»، وأخبرني أنها مريضة لمرض «اكتئاب ثنائي القطب»، وأنها ألفت كتابا بعنوان «أنا وثنائي القطب».

أثار الموضوع اهتمامي فتواصلت مع نشوى وطلبت منها الكتاب وأرسلته لي مشكورة، وأثناء قراءة الكتاب كنت أتخيل الكلام كمشاهد درامية أمام عيني، وبعد الانتهاء من القراءة، قررت أكتب عنه، ولكني لم أستطع، وأجريت مقابلة فيديو مع نشوى لأنهي المقال أو الحوار، ولكني أيضا لم أستطع، شعور إنتابني لأول مرة في كل كتاباتي، فماذا سأكتب ؟ ما فعلته نشوى فاق تخيلاتي ومهما أكتب لن أستطيع التعبير عن إعجابي بها وبقوتها وصمودها .

الموضوع أكبر من تحدي عاشته نشوى واستطاعت اجتيازه، وليس مجرد حياة صعبة تمكنت من النجاح فيها، أو كبوة تعرضت لها وعبرت منها بنجاح، نشوى مريضة وما زالت مريضة، ولكن عبقريتها فى كيف تعاملت مع هذا المرض الصعب جدا، وكيف واجهت المجتمع بكل ما فيه بهذا المرض وقالت جملتها المشهورة « بايبولا وأفتخر»، و بايبولا هو الاسم العلمي لمرض اكتئاب ثنائي القطب.

بداية الحكاية

ما هي حكاية نشوى؟ بدأت الحكاية وهي فتاة ذات خمسة عشر ربيعا فى بداية مرحلة الشباب، مقبلة على الحياة، لديها كثير من الطموحات، فجأة أثناء الدراسة انتابتها مشاعر وسلوكيات غريبة، شعرت أن جسدها انفصل عن عقلها، ذهبت إلى طبيب نفسي تابع للمدرسة الذي كتب لها روشتة بها أدوية قوية جدا أهلكتها جسديا، ولكنها لم تعرف أو تفهم ما المشكلة التي تعاني منها، حتى إنها توقفت عن الدراسة فترة بسبب الأدوية والتعب.

استمر الموضوع مع نشوى دون فهم طبيعة المرض الذي تعاني منه، وكبرت وتزوجت وأنجبت، كان الموضوع يتكرر كل فترة معها إلى أن تطور الأمر جدا أثناء زواجها، وفى نوبة شديدة من المرض، ذهبت لطبيب وشخص حالتها أنها تعاني من مرض «ثنائي القطب أو بايبولا».

وقف الجميع ضدها بداية من أسرتها وزوجها الذي انفصل عنها، وباسثناء والدتها بعد عنها الجميع، اعتبروها مجنونة، منحرفة، سيئة السلوك، أشياء كثيرة جدا كنت كفيلة بتدميرها، لكنها صمدت وقررت أن تنجح وأن تقاوم المرض وتتغلب عليه وأن تشرح للعالم أن المرض ليس عيبا، وأنه فعلا ليس على المريض حرج، وأنه يجب ألا نخجل من المرض النفسي، مثله مثل المرض العضوي تماما، وقررت أن تخوض تجربة هي الأهم لها وهي التوعية عن مرض «ثنائي القطب أو البايبولا». وبشكل عام، عن الأمراض النفسية عموما، وما يعاني منه المريض النفسي وكيف يواجه المجتمع بمرضه، وكيف يتعامل المجتمع معه، وبالفعل أنشأت قناة على اليوتيوب وصفحة على الفيس بوك بعنوان « بايبولا وأفتخر»، ثم نشرت كتابا هو الأول من نوعه فى مصر بعنوان «أنا وثنائي القطب»، هذا بالإضافة إلى اللقاءات التليفزيونية التي أجرتها للتوعية عن المرض.

حكاية مرض ثنائي القطب

ومرض ثنائي القطب المعروف سابقاً بالاكتئاب الهوسي، هو حالة صحية عقلية تتسبب فى تقلبات مزاجية عنيفة ما بين الهوس والاكتئاب، يشعر المريض بالابتهاج والامتلاء بالطاقة أو سرعة الغضب بشكل غير معتاد مما يؤثر على النوم والطاقة والنشاط والسلوك والقدرة على اتخاذ القرارات والتفكير بوضوح، بل والأسوأ أنه يمر فترة على المريض لا يعرف ماذا يفعل، فيمكن أن يقوم بأفعال غير مألوفة بالنسبة له ولمجتمعه، وهو ما يجعل المحيطين به غاضبين أو نافرين منه، دون استيعابهم أنه مريض ويفعل ذلك دون وعي منه.

وهو مرض مزمن مدى الحياة، والنوبة الخاصة به تحدث مرتين فى العام على الأقل أو مع تغيير الفصول، ويمكن السيطرة عليه بالعلاج بالأدوية والاستشارات النفسية، ويطلق عليه مرض العباقرة، حيث أصيب به عدد كبير من المشاهير عبر التاريخ مثل الإسكندر الأكبر، ونابليون بونابرت، وأبراهام لنكولن، وجون كرتين رئيس وزراء استراليا، تيد تونر مؤسس قناه cnn wcw، ونيوتن، وارنست همنجواي، وبيتهوفن، وفرانكلين روزفلت، وونستون تشرشل الذي أطلق على هذا المرض (الكلب الأسود) لأن فترة الاكتئاب تكون أكثر بشاعة من كلب أسود يريد أن يلتهمه، لكن أهم مؤثر يساعد المريض على السيطرة على نوباته المزاجية الحادة هو دعم وتفهم المحيطين به.

حوار مع البحر

كانت نشوى تذهب للبحر القريب من مدرستها بالإسكندرية وتشكو له وتتحاور معه، وتشعر بالأمان وهي تتأمل الموجات الواحدة تلو الأخرى، وتؤكد أنها كانت تستمد منه الطاقة والشجاعة والإصرار، كما تصفه بأنه كاتم الأسرار، هذه التأملات مع البحر خلق منها كاتبة مبدعة وموهوبة منذ صغرها، وأصبح لديها ملكة الكتابة بجدارة.

ومن الغرائب التي تحكيها لي نشوى أنها كتبت كتابها «أنا وثنائي القطب»، وهي تأخذ جلسات كهرباء شديدة جدا، وتقول «كنت أكتب فقط لكي أذكر نفسي، وحتى لا أنسى».

فخورة بمرضى

وعن افتخارها بمرضها، حيث ينتقدها البعض بهذا الافتخار، تقول نشوى «لولا مرضي لما تكونت شخصيتي بهذا الشكل، ولولاه لما كنت كتبت وأصدرت كتابا، ولما كنت بهذا الإصرار والتحدي، مرضي علمني كثيرا وكان سببا فى تغيرات كبيرة فى حياتي، ومنحني خبرات أكبر ب الناس والمجتمع».

وتؤكد نشوى أن طريقة التربية لها تأثير كبير جدا على ظهور المرض، وأيضا على إخفائه فحتى فى وجود الجينات لو كانت التربية صحيحة لن يظهر المرض، لأن الإهانة و التنمر من أهم العوامل التي تساعد على ظهور المرض.

حصلت نشوى على دبلومة فى علاج الإدمان، وهو ما ساعدها فى تكوين حصيلة معلومات مهمة جدا إضافة لاطلاعها على كل جديد بمرضها وبالأمراض النفسية بشكل عام، وأصبحت بالتعاون مع الأطباء دليلا لأي مريض تستطيع أن تدله على الطريق الصحيح، وعلى الطبيب الذي يجب أن يذهب إليه.

قصة نشوى فتحي تحتاج إلى مقالات، وليس مقالا واحدا، كما أنها تصلح لمسلسل أو فيلم سينمائي، ولكن أهم ما فى قصة نشوى برأيي هو التوعية، توعية المجتمع الذي يمكن أن يحكم على شخص حكما ظالما ينتج عنه أثارا سلبية مدى الحياة، يجب ألا نحكم على الناس بالمظاهر، فداخل كل إنسان خبايا وأسرار لا يعرفها أحد، فلنترك كل إنسان فى حاله، ولنفهم أن المرض النفسي مثله مثل المرض العضوي ابتلاء من الله عز وجل، ويجب أن نساند من يعاني منه، وندعمه، لا أن نتنمر عليه ونهزأ به، ونلفظه.

قد أكون تأخرت كثيرا فى كتابة مقالي هذا، وبالتأكيد أن هذا التأخير كان مثار تعجب لدى نشوى والتي أدين لها بالاعتذار لتأخري، كما أشكرها لكم الطاقة الإيجابية التي تمنحني إياها وهي تتحدث معي دائما، ولكني فعلا اجتهدت كثيرا حتى أستطيع أن أكتب هذا المقال، وغالبا لم أكتب كل ما أريد كتابته، ولكن الأهم أني فخور بنشوى جدا وفخور أني تعرفت بها.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2