وساطة أفريقية بين
روسيا وأوكرانيا تسعى لإيقاف الحرب حتى تسترد القارة الأفريقية أمنها الغذائي، القارة السمراء أكثر النقاط حول العالم تأثرًا بالتبعات السلبية للصراعات والأزمات الدولية بشكل عام، لكن في ظل الحرب الطاحنة في شرق أوروبا تواجه القارة الأفريقية أحد أخطر التبعات الاقتصادية والتي تضر بشكل مباشر بالأمن الغذائي لأكثر من مليار أفريقي، لهذا يسعى القادة الأفارقة والاتحاد الأفريقي منذ اشتعال وتيرة الصراع الروسي الأوكراني لوجود مسارات للتهدئة، ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل القارة الأفريقية نتاج مهددات الأمن الغذائي اتجهت جنوب أفريقيا لقيادة وساطة أفريقية تتضمن مبادرة سلام بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فهل أمامها فرص للنجاح؟!
رئيس جنوب أفريقيا قام بالفعل بإطلاع الأمين العام للأمم المتحدة على مبادرة السلام التي يدعمها عدد من الرؤساء الأفارقة من بينهم رؤساء السنغال وأوغندا ومصر كما تحدث إلى بوتين وزيلينسكي وصرح رمافوزا بأن الطرفين أبديا استعدادًا لاستقبال بعثة من زعماء أفارقة لبحث خطة سلام محتملة لحل الصراع، أما عن فرص نجاح تلك الوساطة فربما تكون متاحة حتى وإن كانت بشكل نسبي خاصة أنها تأتي قبل انعقاد القمة الروسية الأفريقية المقرر انعقادها في يوليو القادم والتي تنعقد في ظل تدهور أحوال الأمن الغذائي في القارة السمراء بسبب تلك الحرب، ومن ثم استجابة
روسيا للوساطة الأفريقية بالتأكيد سيحفز القادة الأفارقة على تعزيز الثقة بين دولهم وموسكو والاتجاه إلى زيادة التعاون المشترك بما يساهم في إنجاح القمة الروسية الأفريقية والتي تأتي بعد أشهر من القمة الأمريكية الأفريقية، ف
روسيا تحتاج إلى إنجاح القمة وأيضا الاستمرار في المنافسة داخل السوق الأفريقي الذي يشكل لها محيطًا استثماريًا وتجاريًا أمنًا، كما لا تريد موسكو التخلي عن تواجدها كأقوى دولة كبرى منافسة للصين والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها من الدول صاحبة التواجد الاقتصادي الضخم داخل القارة وهي عوامل تدفع
روسيا بالتحديد للاستجابة للصوت الأفريقي خاصة أن التبادل التجاري بين
روسيا وأفريقيا ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية ليصل إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا في حين أن معدل التجارة المتبادلة بين أفريقيا و
روسيا لا يقارن بالرقم الصيني الذي يتخطى 200 مليار دولار أو حتى الأمريكي الذي يتجاوز 80 مليار دولار، لكن أيضا
روسيا وحدها تمد دول القارة الأفريقية بنحو 30% من احتياجاتها من الحبوب لهذا الشراكة بين الجانبين تمثل ضرورة حتى في ظل انخفاض معدلات التجارة البينية وهذا لاعتبارات تتعلق بالأمن الغذائي.
تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية أضرت بالاقتصاديات الأفريقية بشكل كبير ولم تعرض فقط أرقام التبادل التجاري بين
روسيا وأفريقيا للانخفاض، بل عرضت كل معدلات التجارة بين القارة السمراء والشركاء الدوليين للانخفاض كون دول القارة تبحث عن خفض وارداتها من الخارج في ظل أزمة عالمية طاحنة وتراجع معدلات التنمية، لكن يظل الأمن الغذائي هو الخطر الأكبر الذي يدفع قادة الدول الأفريقية للتحرك نحو إيجاد مبادرة سلام بين الجانب الروسي والأوكراني بعد تزايد انعدم الأمن الغذائي لدى ربع سكان القارة الأفريقية، ووفق الأرقام التي أعلنتها الأمم المتحدة والصليب الأحمر فنحن 346 مليون أفريقي يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد، ورغم التطمينات التي أبداها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بداية الحرب للقادة الأفارقة سواء خلال لقائه مع رئيس دولة السنغال الذي كان يشغل رئيس الاتحاد الأفريقي حينها، أو تلك التي تحدث بها لرئيس مفوضية الاتحاد خلال الزيارة التي أجراها لموسكو مع بداية الأزمة إلا أن الأمر ازداد سوءًا، خاصة أن دول القارة الأفريقية تستورد من
روسيا وأوكرانيا حوالي 85% من احتياجاتها المتعلقة بالحبوب والأقماح، فعلى سبيل المثال الصومال وحدها تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها المتعلقة بالقمح من
روسيا وأوكرانيا وهذا أيضا وفق ما أشارت إليه الأمم المتحدة، ورغم استمرار محاولات
روسيا لطمأنة الجانب الأفريقي إلا أن الأمر يزداد سوءًا على صعيد الأمن الغذائي، حتى إن قرار
روسيا الأخير بشطب ديون بقيمة 20 مليار دولار كانت مستحقة على بعض الدول الأفريقية ورغم أهمية القرار فلم ولن يساهم في خفض مخاطر ومهددات الأمن الغذائي.
لهذا تتضافر الجهود القارية للعمل بشكل مكثف من أجل الضغط على كل أطراف الصراع لإنقاذ شعوب القارة الأفريقية من الجوع والفقر، على أمل أن تستجيب القوى المتصارعة لأنين بطون الشعوب الأفريقية التي تتوجع كلما اشتعل البارود على جبهة القتال الروسية الأوكرانية.