د. سامى الإمام يكتب.. الفجوة العلمية بين إسرائيل والعرب

د. سامى الإمام يكتب.. الفجوة العلمية بين إسرائيل والعربد. سامى الإمام يكتب.. الفجوة العلمية بين إسرائيل والعرب

*سلايد رئيسى23-3-2017 | 00:21

الكاتب*

تبدى إسرائيل اهتمام بالغا بترجمة ونقل كل ما تنتجه العقول العربية على قلتها مقارنة بالكتلة الجيوسياسية التى يشغلها العرب والمسلمون، لمزيد من الدراسة والمعرفة عن مجتمعاتنا إلا  أننا فى العالم العربى لا نزال نجهل الكثير عما يدور هناك ولا نقف طويلا أمام النتاج العقلى لهذا (الآخر).

فقد قامت الدوائر الصهيونية بإنشاء مدرسة الدراسات الشرقية مع المعاهد الأولى فى الجامعة العبرية بالقدس عام ١٩٢٥ وقام الباحثون اليهود، قبل قيام الدولة بترجمة أمهات كتب التراث العربى والإسلامى وكتب الذاكرة الشعبية وكذا مختارات من الشعر العربى القديم، إلى اللغة العبرية.

لماذا صنعوا ذلك؟ الجواب إذا كانوا هم يحتلون موقع العدو بالنسبة لنا، على مر التاريخ فنحن لا نحتل موقع الصديق بالنسبة لهم، لقد أدركوا مبكرا قبل إعلان الدولة قيمة المعرفة الشاملة بجميع أحوال العدو.

ولم يكن المقصود بالعلم عندهم مقصورا على دراسة التاريخ والجغرافيا والدين والآداب واللغة العربية وعلوم الاجتماع والثقافة والفلكلور.. بل تعدى ذلك إلى دراسة الأحوال الاقتصادية ومراكز البحوث والصناعات المختلفة المدنية والعسكرية وغير ذلك. وأدرك قادة الصهاينة فى مطلع القرن الماضى أهمية التفوق النوعى الذى يحقق الانتصار على الأغلبية العربية فى المنطقة، فأخذوا بأسباب العلوم التكنولوجية، فقد اعتبر (حاييم وايزمان) أول رئيس للدولة الصهيونية أن العلم هو الوسيلة للتغلب على ما يواجهه من مشكلات وما يحيط به من مخاطر لا تكفى القوة وحدها فى الانتصار عليها، وإنما -هكذا قال- لدينا سلاح هائل ينبغى استغلاله بفطنة وكفاءة وبجيع الوساءل المتوافرة لنا وهو سلاح العلم.. مصدر قوتنا ودرعنا.

وقال «ديفيد بن جوريون» أول رئيس لوزراء الدولة الصهيونية إن التطور العلمى شرط مهم لتعيزيز أمننا.. لقد أصبح العلم اليوم هو مفتاح التعليم والتطور الاقتصادى والقوة العسكرية إن أمننا واستقلالنا يتطلب أن يقوم عدد أكبر من الشباب بتكريس أنفسهم للعلوم والبحوث، البحث الذرى والإليكترونى وما شابهها.

وقال بن جوريون: إن شبابنا الموهوبين الذين يدرسون القانون بدلا من العلم والتكنولوجيا إنما يضيعون رأس مال بشرى يشكل عند الشعب اليهودى قيمة لا تقدر بثمن.

لذلك إذا كنا مقتنعين بأن معرفة العدو ودراسة جميع أحواله تعد أول أدوات الانتصار عليه واتقاء شره فإننا الآن أكثر قناعة من أى وقت مضى بأن الحق لابد أن تسانده قوة، قوة بالمعنى الأوسع دلالة للكلمة، بالمعنى الذى أمرنا الله سبحانه وتعالى به فى كتابه العزيز:

(واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقون من شىء فى سبيل الله يوف الله إليكم وأنتم لا تظلمون).. سورة الأنفال (الآية ٦٠).

وبتنا مقتنعين أيضا بأن جهلنا بأى ناحية من نواحى المجتمع الإسرائيلى واليهودى هو حليف إسرائيل الأول ضدنا.

من هنا كان واجبا على كل باحث عربى فى مجال الدراسات الإسرائيلية واليهودى أن يقوم بدور بناء نحو قضايانا العربية والإسلامية العامة، خاصة فى فلسطين وأن يكشف زيف الادعاءات الصهيونية وكذبها بشأن معتقداتنا ومقدساتنا، وألا يقف مكتوف الأيدى تجاه ما يدبر لنا ولأمتنا الإسلامية والعربية من مكائد وشرور.

لقد أصبحنا فى عصر لا يقل فيه سلاح الفكر والثقافة أهمية عن القوى التكنولوجية والعسكرية.. بل يتفوق عليها فى كثير من الأحيان.

الرموز الدينية

انتهج قادة الصهاينة لا منذ قيام إسرائيل وحسب.. بل من قبل ذلك بكثير أيديولوجية ثابتة تتمثل فى تويف الرموز الدينية اليهودية للتخفى وراءها وصبغ دعوتهم بها لتوحيد صفوف اليهودوتحقيق أهدافهم.

ففى هذا الإطار عند منظرو الصهيونية إلى الدين اليهودى بغية توظيف رموزه وأفكاره وأعياده، فكان التراث الدينى معينا لا ينضب من تلك الرموز والأعياد وحتى الأساطير التى قامت عليها إسرائيلوالتى أضحت أهم عناصر القومية.

لقد وجد دعاة الصهيونية أن دعوتهم لن توجد قبولا فى أوساط الجماعات اليهودية المختلفة اجتماعيا وعرقيا وثقافيا إلا إذا صبغت بصبغة دينية، ووعدت بتحقيق آمال أسطورية وأحلام طالما روادت خيال اليهود، وذلك من خلال الإبقاء على مستوى من التجريد والإبهام الذى يسمح بكثير من التفسيرات والمضامين الدينية واللادينية بشأن الكثير من الرموز التوراتية.

إن ليهود فى فلسطين ليسوا عنصرا جنسيا فى أى معنى بل هم جماع لكل اخلاط الأجناس فى العالم، وكيف نتوقع تعايشا وتآلفا بين أناس يحملون عدة جنسيات وعدة جوازات سفر، وترى الواحد مهم لقاح عدة بلدان وعدة لغات. إنك لتجد أمه بولندية وأباه روسيا وكانا يعيشان فى ألمانيا ويتفاهمان  باليديش (خليط من اللغة الألمانية ولغات أوروبية أخرى والعبرية) ولكن ابنهما ولد فى رومانيا وهاجر إلى انجلترا وتزوج من استرالية ثم استقر فى إسرائيل إلى أن هرب منها إلى أمريكا!

لقد اعتبر وايزمان - مؤسس الصهيونية الحديثة والذى كانت صلته بالدين فى أدنى الحدود لدرجة أنه لم يقم بختان ولده الوحيد الذى تنصر فيما بعد، أن الدين أداة من أدوات توحيد صفوف اليهود خلف فكرته، ورأى فى الحاخامات ورجال الدين (ضابط اتصال) بين دعوته -الصهيونية- من جهة وجموع اليهود فى أنحاء العالم من جهة أخرى. وذلك على الرغم من تحذير بعض كبار الشخصيات اليهودية فى مطلع القرن العشرين كاينشتين، ومارتين بوبر، ويهودا ماجينس، ولايبوفيتش، من أن استخدام الصهاينة للدين وتحويل الأساطير الكبرى إلى تاريخ غير صحيح بهدف تبرير سياسة عنصرية للتوسع الاستعمارى سيؤدى إلى خسائر داخلية وكارثية ستعانى منها اليهودية.

صناعة الخوف

عمد الصهاينة كذلك إلى صناعة «عجل ذهبى» جديد اسمه الأمن مؤداه أن هناك خطرا شديدا وشرا مستطيرا يتربصان بالإسرائيليين نتيجة وجودهم وسط محيط عربى يوصف بالهمجية والبربرية والوحشية يضمر لهم الحقد والكراهية. وبناء على ذلك أدمن الصهاينة لعب دور الضحية واحترفوا صناعة جديدة هى (صناعة الخوف).

وقد استندوا فى ذلك إلى مفاهيم توراتية، حيث تبعت نظرية الأمن الإسرائيلية من العقيدة الدينية التى تأمرهم إن هم دخلوا أرضا أن يطردوا أهلها فقد ورد فى التوراه:

(وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكا فى أعينكم ومناخس فى جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التى أنتم ساكنون فيها فيكون أنى أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم سفر العدد ٣٣/ ٥٥-٥٦ إشعال الحروب).

مما سبق نعرف أن الصهاينة يفتعلون الحروب والمعارك لغرضيين أساسيين:

الأول: إلهاء الإسرائيليين غير المتجانسين عرقيا ويتكونون من اثنيات متطاحنة.

الثانى: ضمان تلقى المساعدات الخارجية وابتزاز يهود العالم بهدف تحقيق مطامع استعمارية وصهيونية فى المنطقة.

وهذا ما يعبر عنه أحد المسئولين فى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية  فيقول:

إن جو الحرب بالنسبة للطوائف اليهودية هو الملاط الذى  يمسك اللبنات التى يتألف منها الحائط اليهودى.

والجنرال يقصد بالطبع فسيسفاء المجتمع الإسرائيلى الملونة بشتى ألوان الطيف والأجناس.

ويلاحظ الكاتب الفرنسى اليهودى (مارك هليل) فى كتابه الذى سماه صراحة (إسرائيل فى خطر من السلام) أن التجربة دلت على أن التبرعات تبلغ رقما قياسيا كما كانت إسرائيل فى خطر، وأن الحرب بالتالى ضرورية للوضع الإسرائيلى المتأزم.

ويقول هليل فى نهاية كتابه:

إذا كان هناك إله يحمى إسرائيل فهو مارس إله الحرب.

هكذا نحن أمام بناء فكرى يستند إلى نصوص توراتية، تمثل إطار عاما للنظرية الصهيونية ويتمحور حول فكرة الوعد الإلهى بإقامة وطن فى أرض الميعاد عن طريق قيم ومعتقدات اشتقت من النصوص المقدسة.

[caption id="attachment_14564" align="alignnone" width="150"]د. سامى الإمام د. سامى الإمام[/caption]

*تعريف الكاتب:

د. سامى الإمام: أستاذ الديانة اليهودية والخبير بالفكر الصهيونى بجامعة الأزهر

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2