"الإفتاء" توضح حكم مسابقات الخيل والإبل وتحديد جائزة للفائز

"الإفتاء" توضح حكم مسابقات الخيل والإبل وتحديد جائزة للفائزسباق الخيول

الدين والحياة23-5-2023 | 19:28

ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول: ما حكم عمل مسابقات للخيل والإبل؟ وهل يجوز تحديد جائزة للفائز في المسابقة؟

قال مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام : تنظيم وعمل المسابقات للخيل والبغال والحمير والإبل جَائزةٌ شرعًا ما دامت هادفةً، وتعود على المجتمع بالنفع العام، وكانت خاليةً عن القمار والميسر والمراهنة والتدليس والغرر أو الجهالة.

ويجوز شرعًا تحديد جائزة للفائز في المسابقة، والمستحبُّ أن تكون من غير المتسابقين خروجًا من خلاف من اشترط المحلِّل.

وأضاف: الأصل في المسابقات أنها جائزةٌ شرعًا إذا كانت هادفةً، وتعود على المجتمع بالنفع العام، وكانت خاليةً عن القمار والميسر والمراهنة والتدليس والغرر أو الجهالة؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ قَالَتْ: "فَسَابَقْتُه فَسَبَقْتُه عَلَى رِجْلَي، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُه فَسَبَقَنِي"، قَالَ: «هَذِه بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» "سنن أبي داود".

كما ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم سابق بين الخيل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سَابَقَ بَينَ الخَيلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا" متفق عليه.

وجعلها العلامة ابن حجر العسقلاني دائرةً بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث عليها؛ فقال في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (6/ 72، ط. دار المعرفة-بيروت): [وفي الحديث مشروعيةُ المسابقة، وأنه ليس من العبث؛ بل من الرياضة المحمودة الموصِّلة إلى تحصيل المقاصدِ في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرةٌ بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعثِ على ذلك. قال القرطبي: لا خلافَ في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة؛ لما في ذلك من التدريب على الحرب، وفيه جواز إضمار الخيل، ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو] اهـ.

وأما عن تحديد جائزة للفائز في المسابقة، فهذا جائز شرعًا؛ بشرط أن تكون هذه الأموال من المنظمين لهذه المسابقة، أو من أية جهة تقدّمها للفائزين، أو من أحد المتسابقين لا منهما معًا؛ كأن يقول أحدهما لصاحبه: إن سبقتني فلك كذا، وإن سبقتك فلا شيء لي، فإذا كان مال الجائزة من المتسابقين، فقد اشترط الجمهورُ من فقهاء الحنفية والمالكية في غير المعتمد والشافعية والحنابلة المحلِّل في مسابقة الخيل والإبل والسهام؛ لأن فيها شُبهةَ قمار وميسر، فلا بد من إدخال هذا المحلِّل حتى تزول هذه الشبهةُ.

وجاء في "إرْشَادِ السَّالِك إلى أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقه الإمَامِ مَالِك" (1/ 140، ط. مصطفي الحلبي): [تجوز المسابقة في الخفّ والحافر على جُعْلٍ، ويشترط تعيين الغاية والمراكيب، فإن جعله أجنبي ليحوز من سبق منهما جاز.. وتجوز المناضلة بالسهام وهي كالمسابقة فيما يجوز ويمتنع، ولا بد من اشتراط وَسْقٍ معلوم، أو نوعٍ من الإصابة] اهـ.

والقول المعتمد في مذهب الإمام مالك عدم اشتراط المحلِّل؛ قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 140): «قال أبو عمر: أنكر مالكٌ العملَ بقول سعيد، ولم يعرف المحلِّل، ولا يجوز عنده أن يجعل المتسابقان سَبَقَيْنِ يُخْرِج كلّ واحد منهما سبقًا من قبل نفسه على أن من سبق منهما أحرز سَبَقَهُ وأخذ سَبَقَ صاحبه] اهـ.

وقال في "الكافي في فقه أهل المدينة" (1/ 490، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [لا يؤخذ بقول سعيد بن المسيب في المحلِّل، ولا يجب المحلِّل في الخيل] اهـ.

وجاء في "القوانين الفقهية" (ص: 276، ط. دار ابن حزم): [المسابقة في الخَيلِ جَائزة، وقيل: مرغَّبٌ فيها، فإن كانت بغير عوض جازت مُطلقًا في الخيل وغيرها.. وإن كانت بعوض وهو الرِّهانُ فلها ثلاثة صور:

الأولى: أن يخرج الوالي أو غيره مالًا يأخذه السابق، فهذه جائزة اتفاقًا.

الثانية: أن يخرج كل واحد من المتسابقين مالًا، فمن سبق منهما أخذ مال صاحبه وأمسك متاعَهُ وليس معهما غيرهما، فهذه ممنوعة اتفاقًا، فإن كان معهما ثالثٌ وهو المحلِّل فجَعَلا له المال إن كان سابقًا، وليس عليه شيء إن كان مسبوقًا، فأجاز ذلك ابن المسيب والشافعي، ومنعه مالك] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "التنبيه في الفقه الشافعي" (ص: 127، ط. عالم الكتب-بيروت): [ويجوز أن يَكونَ العِوضُ منهما ومن غيرهما، فإن أخرج أحدهما السَّبق على أن من سبق أحرزه جاز، وإن أخرجا السَّبق على أن من سبق منهما أخذ الجميع لم يَجُزْ إلا أن يكون معهما محلِّلٌ وهو ثالثٌ على فرس كفء لفرسيهما لا يخرج شيئًا، فإن سبقهما أحرز سبقهما، وإن سبقاه أحرز كلُّ واحدٍ منهما سَبْقَهُ، وإن سبق أحدهما مع المحلِّل أحرز السَّبق المتأخر، وإن سبق أحدهما أخذ السَّبقين، وإن أخرج الإمام من بيت المال أو أحد الرعية من ماله سبقًا بين اثنين، فشرط أن من سبق منهما فهو له جاز، فإن سبق أحدهما استحق] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 279، ط. عالم الكتب): [الشرط (الخامس: الخروج) بالعوضِ (عن شَبَهِ قِمار) بكسر القاف. يقال: قامره قمارًا ومقامرة فقمره: إذا راهنه فغلبه (بأن لا يخرج جميعهم) العوض؛ لأنه إذا أخرجه كلٌّ منهم لم يخْلُ عن أن يغْنَمَ أو يغرَم، وهو شِبْهُ القِمَار، (فإن كان) الْجُعْلُ (من الإمام) على أن من سبق فهو له جاز ولو من بيت المال؛ لأن فيه مصلحةً وحثًّا على تعلُّم الجهاد ونفعًا للمسلمين (أو) كان الْجُعْلُ من (غيره) أي: الإمام، على أن من سبق فهو له جاز؛ لما فيه من المصلحة وَالْقُرْبَةِ، كما لو اشترى به سلاحًا أو خيلًا، (أو) كان الْجُعْلُ (من أحدهما)، أي: المتسابقين، أو من اثنين فأكثر منهم إذا كثروا وَثَمَّ من لم يخرج (على أن من سبق أخذه جاز)؛ لأنه إذا جاز بَذْلُهُ من غيرهم فأولى أن يجوز من بعضهم] اهـ.

واستدلَّ الجمهور على جواز المسابقة بين الخيل بعوض بما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ» "مسند أحمد"؛ قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 503، ط. دار الحديث): [والحديث دَلِيلٌ على جَوَازِ السِّبَاقِ على جُعْلٍ؛ فإِنْ كان الْجُعْلُ مِن غَيْرِ الْمُتَسَابِقَيْنِ، كَالْإِمَامِ يَجْعَلُهُ لِلسَّابِقِ حلَّ ذلك بلا خلاف، وَإِنْ كان مِن أَحَدِ الْمُتَسَابِقَيْنِ لمْ يَحِلَّ؛ لأَنَّهُ من الْقِمَارِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ السَّبَقُ إلَّا فيما ذُكِرَ من الثَّلَاثَةِ، وعلى الثَّلَاثَةِ قَصَرَهُ مالكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وأَجَازَهُ عطاءٌ في كلِّ شَيْءٍ، وَلِلْفُقَهَاءِ خلافٌ في جَوَازِهِ على عِوَضٍ أَوْ لَا، ومن أَجَازَهُ عليه فله شَرَائِطُ مُسْتَوْفَاةٌ في الْمُطَوَّلَاتِ] اهـ.

كما استدلّوا على اشتراط المحلِّل إذا كان المال من المتسابقين بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَينَ فَرَسَينِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ أَمِنَ فَهُوَ قِمَارٌ» أبو داود وابن ماجه ومسند أحمد.


ويجاب عن ذلك بأنَّ هذا الحَديثَ ضَعيفٌ لا تقوم به حجة؛ قال الإمام الصنعاني في المرجع السابق نفسه (2/ 504): [ولأئمة الحديث في صحته إلى أبي هريرة رضي الله عنه كَلامٌ كثير حتى قال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفًا على سعيد بن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد عن سعيد من قوله. انتهى. وهو كذلك في "الموطأ" عن الزهري عن سعيد، وقال ابن أبي خيثمة: سألت ابن معين عنه فقال: هذا باطل] اهـ.

أضف تعليق