عندما تكون في أشتوم الجميل فلابد أن يحملك الشوق إلى «تنيس» التي تقع داخل بحيرة المنزلة، على مسافة سبعة كيلومترات جنوب غرب بورسعيد، وتبلغ مساحتها حوالي 8 كيلومترات، حيث تحوي تلك الجزيرة آثارًا إسلامية، وهى الجزيرة التى عاش فيها الإمام الشافعي بعضًا من الوقت أثناء وجوده في مصر.
الجزيرة التى تُعَد الآن موئلاً رائعًا لأعشاش الطيور كانت شاهدًا على حقبة تاريخية هامة بنزوح بعض سكان مدينة صان الحجر الأثرية إليها، وكان يُطلَق عليها «كاتس» باليونانية القديمة، كما يقع بها تل تنيس الأثري الذي يصل إرتفاعه إلى ما يقرب من خمسة أمتار عن سطح البحيرة.
وقد كانت «تنيس» واحدة من أجمل مدن مصر منذ الفتح الإسلامي ل مصر حتى العصر الأيوبي، وكان يُصنع بها كسوة الكعبة، إلا أن المدينة تعرضت لكثير من هجمات الصليبيين الشرسة، فأمر الملك "محمد بن العادل بن أيوب" بهدمها وتهجير أهلها عام 1246، ونظرة من قريب عليها سترى أساسات المباني، ومجارى المياه، والصهاريج، وخلجان الدفاعات عن المدينة، إلى جانب بقايا تحلل الطوب الأحمر الذي كانت تُبنى منه جميع المباني في ذلك الوقت.
بداية الفتح العربى لـ«تنيس» وصفت بأنها مجرد أخصاص من قصب حتى عرفت بذات الأخصاص وظلت هكذا إلى صدر من أيام بنى أمية وجاء ازدهارها ونموها حين برزت كمدينة متخصصة فى صناعة أنواع من النسيج المشهور وواصلت نموها خلال حكم الخلافة العباسية إلى أن بدء فى بناء سورها فى عصر "المتوكل على الله العباسي" عام 230 ھ وانتهى منه في 239 ھ.
الموقع الجغرافي المتميز لـ«تنيس» قُدر له أن يلعب دوراً هاماً في المجالين السياسي والحربي طوال تاريخها، وتميزت كرباط بموقعها الجزري الحصين، مؤكداً أن أهل «تنيس» سادة المرابطين لأنهم فى جزيرة محاصرين كما كانت فى حماية حصن أو رباط الأشتوم "أشتوم بحيرة تنيس" وكان يعد هذا الحصن بمثابة خط دفاع أمامي لها كما كانت دمياط بإمكانياتها الحربية في وضع يـمكنها مـن مساعـدة ومساندة تنيس عند تعرضها للأخطار الخارجية، ولعبت «تنيس» دوراً مميزاً فى المجالين السياسي والحربي حتى الربع الأول من القرن السابع الهجر سواء أثناء الصراعات الداخلية أو أثناء الغزو الخارجي.
ومن ثم كان لـ«تنيس» دوراً هاماً فى الأحداث السياسية أثناء عصر الولاة في الفترة محـل النزاع بين ولدي هارون الرشيد "الأمين والمأمون" حين استطاع "عبد العزيز الجروي" وولده أثناء هذه الفترة من إقامة إمارة بـ«تنيس» على ساحل مصر، كانت تبسط سلطانها على الإسكندرية ومدت سيطرتها جنوباً حتى بلبيس، كما استولت على الصعيد مدة مـن الزمن حتى لقبه صاحب الانتصار بملك الساحل.
«تنيس» الكاملة تشغل مساحة كيلو متر مربع واحد تقريباً والتل الأثرى يرتفع تدريجياً من شاطئ البحيرة مكوناً تلال صغيرة يعلو بعضها بضعة أقدام والبعض الآخر بضعة أمتار يميزها المرء وسط أنقاض واسعة من الطوب الأحمر وشقاف من الخزف والفخار وقطع زجاجية من كل لون، وأشار أن التل يميل لونه للون الأحمر الطوبي نتيجة لتحلل بقايا المباني القديمة التى كانت مبنية بالطوب الأحمر والتي ترجع للعوامل الطبيعية التى تسود المنطقة على مدار العام فقد تشربت بمياه الأمطار وتركت طبقات هشة تكسو وجه الأرض والتلال الحالية.
كانت تمارس فى «تنيس» على سبيل المثال الأنشطة الحرفية والصناعية العديدة، حيث ظلت تتمتع بشهرة واسعة فى صناعة النسيج حيث كانت الصناعة الرئيسية طوال حياتها وأشهرها إنتاج أنواع القباطي والثياب المشهورة من القصب والشروب.