«ابن الحاج أحمد».. سخرية فى كل الاتجاهات

«ابن الحاج أحمد».. سخرية فى كل الاتجاهاتمحمود عبد الشكور

الرأى30-5-2023 | 13:45

أحببت هذه التجربة الأولى للممثل الكوميدى شيكو كبطل لفيلم سينمائى روائى طويل، بدون زميله الظريف هشام ماجد، وكان الاثنان قد انفصلا قبل ذلك عن زميلهما الثالث أحمد فهمي، والثلاثة موهوبون بلا شك، ويقدمون تجارب مختلفة، وتزداد خبرتهم شيئا فشيئا فى مجال السينما والدراما التليفزيونية، ويجمع بينهم محاولة البحث عن الجديد والمبتكر، على اختلاف حظوظ تجاربهم من درجات النجاح أو عدم التوفيق.

تجربة شيكو كبطل كانت من خلال بطولة فيلم العيد "ابن الحاج أحمد"، عن فكرة لعمرو سلامة، وسيناريو وحوار لمحمد المحمدى وأحمد محيي، واشترك فى السيناريو فادى أبو السعود، وأخرج الفيلم معتز التوني.

يمكن وصف التجربة من حيث الشكل بأنها تستلهم طبيعة عالم الكوميكس، مثل أفلام كوميدية شبابية كثيرة فى الفترة الأخيرة، بل إننا يمكن أن نعرّف هذه الأفلام بأنها "أفلام كوميكس مصرية"، وأوضح معالم هذا النوع، لو اعتبرناه نوعا فرعيا من الأفلام الكوميدية، الطريقة الكاريكاتورية فى رسم الشخصيات، وهيئتها وتصرفاتها، والاقتراب أكثر من الخيال إلى درجة العبثية أحيانا، يضاف إلى ذلك فى تجربة شيكو أن المعالجة كلها أقرب إلى البارودى أو المحاكاة الساخرة، لنوعيات أفلام مثل أفلام الجاسوسية وأفلام العصابات، دون إهمال البحث عن معنى ما للحكاية، وهى هنا قيمة البطولة، التى يمكن أن تتحقق لأى مهنة، وفى أى مكان، ولا تحتاج إلى أمور خارقة أو استثنائية.

تتضح أجواء الكوميكس منذ العناوين من خلال شخصية بطل الفيلم أحمد ( شيكو)، الذى يطلقون عليه "شلتة" فى محاولة للتقليل من شأنه، حيث يظهر كشخصية مرسومة فى لقطات متتالية، ثم يتأكد هذا الجو بملابس ملونة وهيئة خاصة وتسريحة شعر غريبة ( ستايلست ملك ذو الفقار)، نراه يتصرف مثل طفل كبير أخرق وأحمق وغبي، ويعمل كصبى يوصل الطلبات من محل البقالة، الذى يمتلكه والد الحاج أحمد (سيد رجب)، الذى نراه قعيدا على كرسى متحرك، ولكنه أيضا بملابس ملونة لا يمكن أن يرتديها بقال واقعي، وستكون الملابس إحدى أدوات الإنفصال عن الواقع طوال الأحداث، وخصوصا مع شخصية مثل ضفدع (مصطفى غريب)، صديق أحمد، الذى سيرافقه فيما بعد فى مغامراته.

حماقة أحمد، وخلافاته مع والده تظل أيضا كارتونية، ثم يحدث التحول الأول فى الأحداث، عندما يتعرض محل البقالة للهجوم بالمدافع الرشاشة، من أشخاص غامضين، يبدون من ملابسهم، وكأنهم قد خرجوا من مجلة كوميكس، ورغم أن الحاج أحمد يرد أيضا بالمدافع، إلا أن الطلقات لا تقتل أحدا، بالضبط مثل أفلام الكارتون.

ستكون اللعبة بعد ذلك متعددة التحولات، باعتراف الحاج لابنه بأنه كان منذ 35 عاما جزءا من تنظيم وطنى ضد أعداء الوطن، وأن هناك تنظيما معاديا، يريد تصفية الحاج أحمد وزملائه، الذين تنكروا فى شخصيات وأسماء مختلفة، والآن على أحمد الغبي، وصديقه ضفدع، أن يساعدا الحاج أحمد فى البحث عن الفريق القديم المتنكر، ويأتى التحول الأخير فى منتصف الفيلم، عندما نكتشف أن التنظيم لم يكن وطنيا على الإطلاق، ولكنه تنظيم عصابي، تعاون أعضاؤه على سرقة الذهب من زعيمهم الشرس، والزج به إلى السجن، وهاهو الزعيم قد وصل إليهم أخيرا، ويريد تصفيتهم واحدا واحدا.

لا يمكن افتراض أية أجواء واقعية، بينما يفتح منطق الكوميكس مجالا واسعا للخيال، ولاكتشاف تنكر رجال العصابة السابقة فى شخصيات عجيبة، لإخفاء شخصياتهم، كأن يعمل أحدهم عامل قمامة فى أحد المولات ( صبرى فواز)، أو يعمل شخص آخر مأذونا شرعيا (إسماعيل فرغلي)، أو كأن تعمل إحدى عضوات العصابة (عايدة رياض) كعازفة فلوت فى أوركسترا القاهرة السيمفوني، بل نكتشف أن بيومى فؤاد الممثل كان أيضا عضوا فى العصابة، أما اسم بيومى فؤاد فهو اسم منتحل !

هذا الخيال يطلق الضحكات، مضافا إليه آثار الفوضى الناتجة عن غباء أحمد البدين، وصديقه الذى لا يقل عنه غباء، ومعهما ابنة أحد أفراد العصابة المخدوعة فى أبيها (رحمة أحمد)، وفى كل مرة يتم اكتشاف عضو متنكر من العصابة القديمة، ولكنه يتعرض لكارثة بدنية، بسبب غباء أحمد وزملائه، وفى مواقف مبتكرة، لعل أفضلها وأكثرها إضحاكا ومسخرة، مشاهد التقاط عازفة الفلوت (عايدة رياض) بالحبال فى حفلة بالأوبرا، وما انتهت إليه من كارثة أثرت على صوتها.

تطال السخرية كل شيء، بمن فيهم أحمد نفسه، الذى ينخدع فى أبيه وزملائه، والذى سيكون عليه أن يثبت أنه ليس مجرد "شلتة’" بدون قيمة أو وزن، وأنه يمكنه أن يكون بقالا وبطلا فى نفس الوقت.

ورغم غرابة تصرفه فى النهاية، إلا أنها غرابة تليق بحدوتة ساخرة بسيطة وخيالية، ويليق بالنهاية أيضا ظهور هشام ماجد فى المشهد الأخير من الفيلم، فى تحية لزميله شيكو، وكأنه "إفيه" أخير فى فيلم قائم أصلا على لعبة طويلة، بدأت منذ سنوات، واستمرت من جيل الآباء المجرمين، إلى جيل الأبناء، أى من جيل الحاج أحمد، إلى جيل ابنه أحمد.

إلى حد كبير كان إيقاع الفيلم مناسبا لهذه الخفة، ولتلك التحولات فى الحكاية، ونفذت سلافة نور الدين المونتيرة البارعة مشاهد جيدة، منها مشاهد أحلام اليقظة لأحمد، ومشهد الموتوسيكل، الذى انحشر بأحمد أسفل مقطورة عملاقة، فى سخرية من أفلام الحركة، ومن بطلنا البدين على حد سواء، وبدورها كانت موسيقى عادل حقى تؤكد أجواء السخرية، باستلهام الجملة الموسيقية الشهيرة لسلسلة أفلام "مهمة مستحيلة".

هناك بعض الملاحظات مثل تباين أداء شيكو كممثل من مشهد إلى آخر صعودا وهبوطا، ومثل مبالغات وصخب أداء رحمة أحمد، ولا محل للقول بأن الشخصية عصبية وانفعالية، لأن الانفعال أمام الكاميرات يجب أن يكون محسوبا، وليس مسرحيا ومفتعلا كما شاهدنا، وهى مسؤولية المخرج قبل أن تكون مسؤولية رحمة.

كان يمكن كذلك أن تكون شخصيات رجال العصابة أكثر طرافة، وأكثر كاريكاتورية مما ظهرت عليه الشخصيات التى لعبها محمد لطفى وأحمد فهيم وحمدى هيكل، وربما كان يمكن أن يكون الخيال أكثر جموحا بشكل عام، لأن قماشة الحكاية تسمح بذلك.ولكننا فى النهاية أمام تجربة مختلفة، فيها الكثير من المشاهد المضحكة، وفيها وعى بطبيعة النوع، وبحدوده، بل وهناك أيضا محاولة لكى تقول الحدوتة أشياء عن معنى البطولة، وعن أولئك المهمشين الذين لا تتوقع منهم إلا الفشل.

سنكتشف فى النهاية أن بطلنا قادر على أن يحقق الكثير، وقادر أيضا على أن يكون أحمد، الإنسان المستقل، بعيدا عن والده المنحرف: الحاج أحمد.

أضف تعليق