العمارة الخضراء والانتعاش الغريب

العمارة الخضراء والانتعاش الغريبحسين خيرى

الرأى13-6-2023 | 14:21

شعر مهندسو العمارة باختناق الإنسان من حياته داخل المعلبات التي تشفط الهواء النقي من حوله، وينجو بنفسه حين يضيق عليه الخناق إلى الحدائق والشواطئ، حتى يأخذ قسطا من الراحة لبصره وأكسجينا لصدره، وبرغم من ذلك لن يفلت الإنسان من هجوم الاحتباس الحراري والتغيير المناخي، ولذا يسعي المعماريون إلى إنشاء مبان تتنفس شهيقا وزفيرا خالية من الكربون، وبمعنى أكثر دقة منشآت تكافح التلوث، وتقبع وسط بيئة صحية، أهم مقوماتها مراعاة تدوير مواد البناء وترشيد استخدام المواد الكيميائية كالدهانات.

منذ أيام خرج على الإعلام "ماتاس بهاتيار" المهندس المعماري الهندي معلنا عن رؤية جريئة فى البناء، اعتمد فيها على برامج متقدمة من الذكاء الاصطناعي، وصمم من خلالها ناطحات سحاب سكنية مغطاة بالأشجار والنباتات، وفكرته لا تنحصر كما يظن البعض على مبنى تتدلى من نوافذه الأوراق الخضراء، إنما عمارات شاهقة كأنها تتفتح من شجرة وارفة الثمرات، تحيا هذه العمارات ومرافقها على الطاقة النظيفة، ويطلق عليها الخبراء اسم العمارة الخضراء، وأول من اقترح مصطلح العمارة الخضراء فى عام 1969 المهندس المعماري الإيطالي الأمريكي "باولو سوليري"، وبدأ على الفور فى تنفيذ مدينة خضراء، وكان اسمها "أركوسانتي" فى ولاية أريزونا، ومازالت تلك المدينة تحت الإنشاء، والسبب فى تأخرها التعديلات التي تطرأ على المشروع من وقت لآخر، ويصاحبها أيضا ظهور تقنيات شديدة الذكاء كل لحظة، قد تساعدها على تنفيذها بشكل متطابق لفكرة العمارة الخضراء بدرجة كبيرة.

واستوحت شركات مقاولات عالمية الفكرة ونفذتها على مبان عملاقة فى عدة مدن حول العالم، وأشهر هذه العمارات الخضراء فى الوطن العربي مركز البحرين التجاري العالمي المكون من منشأتين متجاورتين، استهدفت الشركة المنفذة للمركز الاستفادة من رياح الصحراء، لتتمكن من توليد الطاقة النظيفة بداخله، يستخدمها المركز فى الإضاءة وفى توفير الطاقة لتشغيل أجهزة المبني وفى الوفاء باحتياجات رواده، ويستقبل الرياح ثلاثة توربينات مثبتة على جسور معلقة بين منشأتي المركز التجاري، تحولها إلى وقود مباشرة.

تهتم العمارة الخضراء بالحد من التلوث الضوضائي عن طريق ترشيد أعداد السيارات حول محيط تلك المباني، وتسمح بسير سيارات محركاتها تعمل بالكهرباء أو بالطاقة الشمسية، ومن الضوابط الأخرى للفكرة التزام الشركة المنفذة بتصويب اتجاه المبنى والتوسع فى حجم وعمق غرفه، والمقصد من هذا تسلل الضوء الطبيعي إلى غرف المنشأة، فضلا عن تخلخل الهواء البارد إليها، وتقتصر موارد الطاقة المستخدمة أثناء البناء وما بعده على الطاقة الشمسية والرياح وطاقة باطن الأرض والطاقة الحيوية، وما أشبه اليوم بالبارحة حينما كان أهالينا يراعون فى بناء مساكنها توافر التهوية الصحية فى جميع جوانبها، ومن أجل ذلك كان يوجد فناء داخلي واسع، يحتوي الفناء على تنوع فريد من الأشجار، وصنعوا نوافذ البيت من الخشب المعشوق أو ما يسمى بالمشربية، وكانوا يفضلون بناء نافورة فى وسطه.

أضف تعليق