كانت اللمة عيادة نفسية

كانت اللمة عيادة نفسيةحسين خيرى

الرأى24-6-2023 | 09:46

فى الزمن الجميل، كان العيد له مذاق مختلف، كانت الابتسامة بجد مش صفراء، والفرحة لاتفارق الصغير ولا الكبير، والفرحة تخرج من القلب على أشياء بسيطة وزهيدة، وأبناء هذا الزمن يتعجبون من ترديد الكبار أغاني الزمن الجميل و"جدعنة" الزمن الجميل والحب فى الزمن الجميل، والسبب بوضوح لأنه كان فى قلوب كثيرة حبها صادق لجيرانها وذويها، وتراعي الأصول، تقاليد تربوا عليها ومنتهى العيب أنهم يتخلوا عنها، والصورة الفائزة بالجائزة الأولى فى زمننا الجميلة هي لمة العيد، ولا يعني الحديث عن اللمة أنها انتكاسة نفسية للحنين إلى الماضي، لكنها فضيلة اجتماعية فقدناها مع إدمان الجشع، وانسحاب لمشاعر المودة والتراحم، وأسكتوا بداخلهم أنين مشاعر الحنين للمة، وبدّلوها برسائل صماء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكنا نستنكر منذ سنوات اقتصار التهاني على الاتصال المباشر بالهاتف.

والعيد لا يحلو إلا باللمة، ومن غيرها لا تكتمل فرحة العيد، ويبدو فى صورة اللمة مارثون للسباق، الكل يتزاحمون على إبداء التراحم ومشاعر الود، الكبار يتسابقون فى اللمة إلى الصغار بالعيدية، وتتطاير الرسائل فى لمة العيد محملة بالسلام والعفو، رسائل نقية من النفسنة، وتتعجب القلوب فى اللمة وتدين بشدة كيف لناس تجلس مع الأخلاء والجيران وتكره بداخلها الخير لهم، وتتنمي لهم الخراب، وتكيد لهم؟ وباقات متنوعة فى لمة العيد، فتلك لمة العائلة، والثانية لمة الأصدقاء، وهذه لمة الجيران، والقلوب تغتسل فى اللمة من الخبث، حتى الأحزان تخرج بلا رجعة مع مواساة الأحباب، وكان فى الزمن الجميل لم يكن الاكتئاب يغزو النفوس، والذي صار كالسوس ينهش فى النفوس، واللمة كانت عيادة نفسية وروحانية تتداوى فيها أوجاع القلوب.

وقد تصدر قرارات فى لمة العيد، ويمنح فيها قرض حسن لابن العم لسداد دينه، ويدرس فيها الأهل البحث عن وظيفة لابن الخالة العاطل، ويُكلف وفد لحسم خلاف بين زوجين، ووفد آخر لحل نزاع عائلي، تنخفض نسب القضايا أمام المحاكم بفضل اللمة، وتكون اللمة كمرجعية لضبط سلوك الكبير قبل الصغير، وحتي يشعر الشباب بشيء من جمال الزمن الجميل فليشاهدوا مسلسلات فى ماسبيرو زمان، ويسمعوا أغاني أم كلثوم وعبد الحليم ومحرم فؤاد، يراقبون فيه مظاهر الحياة القديمة، قد تبعث بداخلهم الأمل نحو حياة تنعم بالسلام، ويضعون أمامها دراما تضج بمشاهد العنف وحوارها لا يخلو من البذاءة، وبدون جهد يكتشفون السطحية والسذاجة والإسفاف، والاعتكاف على مشاهدتها يفقدهم الشعور بالانتماء إلى المكان والزمان، ولا نبكي على اللبن المسكوب، لأنه ببساطة الإنسان هو صانع واقع هذا الزمن الجميل.

وفى النهاية، لا تجعلوا اللمة تنحسر على كراسي المقهي لمتابعة مبارة كرة قدم، ولا تقصروها حول مشاجرة للفرجة، وبسبب غياب اللمة الممتلئة بالنخوة يعتدي الكبير على الصغير، ويعتدي البلطجي على الضعيف صباحا أمام أعين الناس، وترى الآن اللمة كاملة العدد إلا فى المجالس السرية للتآمر والخديعة.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2