"رمسيس - باريس».. من الهزار إلى التهريج !

"رمسيس - باريس»..  من الهزار إلى التهريج !محمود عبد الشكور

الرأى28-6-2023 | 18:37

كلما شاهدت أحد تلك الأفلام التي ترفع شعار الكوميديا ، بينما هي مصنوعة بأقصى درجات الفبركة والاستخفاف ، تذكرت عبارة ذكرها أحمد حلمي من باب الإفيه في أحد أفلامه ، حيث قال: «ما باحبش الهزار في الضحك، لأنه في الغالب بيقلب لتهريج».

هذا الفيلم عنوانه « رمسيس - باريس»، والمأخوذ عن فكرة لمحمود حجازي، وسيناريو وحوار كريم حسن بشير، وإخراج أحمد خالد موسى، يمكن أن يندرج تحت عبارة أحمد حلمى العبثية فى أحد أفلامه، عن الهزار فى الضحك، التى كنا نظنها مجرد إفيه غريب، فصارت عنوانا على نوعية من الأعمال التى يراد لها أن تكون كوميدية، ولكن الاستسهال والاستهبال والاستعباط يأخذها إلى تهريج كامل، بينما كان يمكن أن تكون أفضل لو لم يتم الاكتفاء بالمفارقة المحورية، ولو كان التعامل بالأساس مع بناء درامي، وشخصيات، وتفاصيل، وصراعات، مثل أى نوع آخر من الدراما.

يدهشنى فى أثناء مشاهدة تلك النوعية أيضا عدد المواهب الكوميدية التى يتم حشدها، ولكن النتيجة عكس ما تتوقع، فمن النادر أن تعثر على موقف جيد مضحك، والممثلون تائهون أو يؤدون كيفما اتفق، ولا يوجد بناء جيد للمشهد إخراجيا أو ومونتاجيا، وكل واحد يحاول أن يلفت الأنظار بطريقة تثير الرثاء، مما يؤكد مرة أخرى ودائما، أن أعظم المضحكين موهبة لن يستطيع أن ينفذ فيلما متواضع الكتابة والإخراج، كما أن وجود هيفاء وهبى لا يمكن أن يفعل شيئا، ولا حتى تصوير الأحداث فى باريس، فكلها عناصر تابعة وتالية للأصل، وهو السيناريو، الذى اكتفى بالمفارقة المحورية، وأخذ يستهلك مواقفها، وصولا إلى ما يقترب من الإفلاس.

المفارقة غريبة، وفيها الكثير من الفبركة، ولكن «خليك مع الفيلم حتى النهاية»، فالبداية من عصابة فرنسية تريد إدخال الحشيش إلى مصر، وكأنه غير موجود على الإطلاق، المهم أن زعيمهم الذى يتكلم الفرنسية، يلجأ إلى السحر، لإخفاء شحنة الحشيش، ثم إظهارها بعيدا عن البوليس، وهكذا يوجد فى الأسواق حشيش مستورد مسحور يحمل اسم « رمسيس / باريس»، وهكذا يشرب أبطال الفيلم سجائر الحشيش فى جلسة انبساط، فيجدون أنفسهم فى فرنسا فى لمح البصر!

أما هؤلاء الضائعون فهم: الششتاوى (حمدى الميرغني) الساحر الفاشل، ومع ذلك يقيم فى بيت فاخر جدا، وهدهد (محمود حافظ)، الملاكم الفاشل الذى يراهنون عليه فى الأحياء الشعبية، وحنين (هيفاء وهبي) العاهرة الساذجة، وسلْخة (محمد ثروت) الديلر الذى يوزع المخدرات، ويستقبل هؤلاء فى باريس فرانسوا (محمد سلام)، وهو شاب مصرى له قصة غريبة، سيحكيها فى النهاية، وهى قصة نموذجية فى السخف والفبركة.

الآن علينا أن نشاهد جلسات تدخين الحشيش من أجل السفر فورا إلى باريس، وعندما يزول أثر المخدر، يعود الجميع إلى مصر، وتستمر هذه اللعبة دون إضحاك، بتنويعات كثيرة، حتى يقرر فرانسوا استخدام هذه العصابة، ذات القدرات "التحشيشية السحرية"، لسرقة لوحة الموناليزا، رغم يقظة البوليس الفرنسي، وخصوصا ضابطة من أصل عربى على ما يبدو، تطارد شحنات المخدرات.

العجيب أن فرانسوا سيقرر الاعتماد على حفنة مساطيل ومهابيل، حتى عندما يسرق الحشيش المسحور، يعيده إلى أعضاء الفريق، والأعجب أنهم من يعترضون على المهمة، ثم يوافقون، لتبدأ رحلة المساطيل فى ضبط مواعيد التعاطي، ومدته، بل وتوقيت الإفاقة، والمسافات بين أعضاء الفريق، وكأنهم فريق عصابة أوشن المحترفة، وليسوا مجرد شخصيات عشوائية لا يجمع بينها إلا الحشيش المسحور.

ولأن كل شيء جائز حتى سرقات المساطيل، يتم فعلا سرقة لوحة الموناليزا، ولكن تبقى مفاجأة فرانسوا، وهى الأسخف فى لعبة الفبركة والهزار، ومجرد سماع حكايته، وهدفه من السرقة، يجعلنا نتأكد مما انتهى إليه "الهزار فى الضحك" من تهريج، مع تعديل مهم هو أنه لا يوجد أصلا سوى أقل القليل من الضحك، رغم كل هذا الحشد من الكوميديانات، ورغم ظهور مصطفى خاطر وأوس أوس كضيوف شرف، وإن كانت شخصية أوس أوس هى الأكثر إضحاكا فى الفيلم كله، حيث لعب دور شاب مصرى يكره المصريين، ولكنه يجدهم أمامه فى كل مكان فى باريس، وفى كل مرة يقومون بإفساد حياته، ويورطونه فى كارثة جديدة.

فشل الفيلم أيضا فى أن يخفف من وطأة السخافات المتتالية، سواء بأغنياته الجماعية، أو بمحاولة استغلال جسد هيفاء وهبي، فهى هنا تؤدى دور عاهرة شعبية، والعجيب أنها نفخت شفتيها وصدرها مثل المطربات والممثلات، وأسرفت فى مط الحوار، وفى استهلاك الكليشهات الحركية لفتيات الليل، كما أنها افتقدت الحس الكوميدى تماما، كما لم تفلح الإفيهات والإيحاءات اللفظية الجنسية فى إنقاذ الموقف، بل إنها كرست من جديد فكرة ثقل الظل والاستظراف والافتعال، وهى عناصر مزعجة جعلت من احتمال المشاهدة أمرا شاقا، وزاد الأمر سوءا أن الفيلم يفتقد الإيقاع المناسب لموضوعه، ولا توجد أى سلاسة فى الانتقال من القاهرة إلى باريس والعكس، مع أن الفيلم كله قائم على هذا الانتقالات، التى يفترض أن تحدث تأثيرا ضاحكا وصاخبا، كأن تجد حنين نفسها فجأة فى جنازة باريسية مثلا، ولكن القطاعات العشوائية، لم تحدث التأثير المطلوب.

المخرج أحمد خالد موسى، الذى ضبط إيقاع فيلم "لص بغداد"، الذى تدور أحداثه فى عدة دول، يبدو هنا حائرا وغير مسيطر على الإطلاق، لا على بناء الفيلم، ولا على الممثلين، حتى الأغنيات قدمت بطريقة تقليدية كبسولة، لا تتناسب مع حيويتها وإيقاعاتها، وحتى مدير التصوير تيمور تيمور، الذى أبهرنا بلوحات مسلسل "رسالة الإمام"، يبدو هنا عاديا و بدون بصمة سواء فى مشاهد باريس، أو فى مشاهد القاهرة.

اللعبة كلها تبدو فاترة، والمفارقة صارت عادية وتافهة، ولم تفلح فبركة جديدة فى تحسين الصورة، فقد أدرك صناع الفيلم أن سرقة المساطيل للموناليزا حكاية لا تثير الاهتمام، فظهرت فى المشاهد الأخيرة حكاية جديدة إضافية عبيطة، وهى سرقة عصابة المساطيل للآثار المصرية فى اللوفر، وإعادتها إلى مصر، فى تهريج جديد إضافى، يعطى الحكاية بعدها الوطني!!

إنها حقا نهاية الهزار، و" آخره" مشاهدة حكايات شخصيات مسطولة، لا تجيد إلا شد الأنفاس، والاستمتاع بالدخان المسحور!!

أضف تعليق