ما أن يهل علينا ذلك الشهر العظيم إلا وتنبرى الأقلام، وتشحذ العقول، لتسجيل المواقف والذكريات عن كل ما فات أملًا فيما هو آت أنه «مولد سيدنا 30 يونيو».
شأنه فى ذلك شأن أسيادنا من الشهور البيض الناصعات فهذا كاتب أفردت له صحيفته عمودًا ليذكرنا فيه بما قاله هو وما كتبه من مقالات عن المناسبتين فى وقتها ثورة 30 يونيو 2013، وذكرى التنصيب الأول للرئيس كرئيس منتخب فى يونيو 2014، ويستعيد مقتطفات مما كتبه وهكذا يقول – وكأنه هو من حرك بقلمه تلك الملايين الزاحفة، وأصاب برؤيته الثاقبة كبد الحقيقة الغائبة، وهذا مذيع «التوك شو» المتلون بألوان الطيف المتنقل من قناة لقناة ماسكًا عصاه من المنتصف منذ الخامس والعشرين من يناير 2011، ليلهب بها ظهر من يراه ولي، ويرقص بها بين يدي من يراه أقبل.
أما أهل الفن وجمال طلعتهم وإشراقة وجوههم، وحكمة تعليقاتهم حين ضحوا بوقتهم وتخلوا عن الوقوف أمام الكاميرا لتصوير أعمالهم الفنية ونزلوا إلى الشوارع رافعين علم مصر، فهذه تصف يوم 30 يونيو بقولها «أجمل مشهد فى حياتي»، وأخرى تقول عنه: «يوم غيّر تاريخ مصر»، وآخر يقول: «أنقذت مسيرة الفن»، وغيره يقول.. إلخ.
ولكل الحق فيما قال ويقول طالما هو يصف شعوره ويعبر عن رأيه، ولا ننكر ذلك على أحد، وهذا وطننا جميعًا، وهذه ذكرى المولد ومن حق الجميع أن يفرح.
و.. آه.. آآآه ألم، آه حسرة.. آه وجع.. آه تحذير لأن ما آلمني وأوجعني لم ينته، ولا زال، أقصد خلط الأوراق وفقدان الهدف ونسيان أخطر ما كان والأخطر منه وهم المتربصين خلف الجدران.
نذكر ويذكر معنا العالم كله صيحات تلك الملايين الهادرة فى ذلك اليوم: «إنزل يا سيسي مرسي مش رئيسي»، وهي استغاثة شعب بجيشه فى مواجهة نظام أعد العدة للبطش بهذا الشعب، وأطلق مسلحيه فى كل مكان لتنفيذ ذلك بعد أن حاصر حصنه الحصين وهو المحكمة الدستورية العليا ومنعها من القيام بدورها، واستباح لنفسه كل ما يضمن له ذلك ويحققه بإعلان دستوري مرفوض شكلًا وموضوعًا من جموع الشعب الذي لم يتبق فى قوس صبره منزع.
إن الجيش الذي لم يكن فى مقدوره أن يصُمّ أذانه عن أصوات ذلك الشعب اعتبر هذا النداء أمرًا له، وقام بدوره الذي يعلمه الجميع، فداءً لشعبه ولكن ما تحمله أبناء هذا الجيش وذويهم من كراهية وانتقام من تلك الجماعة المتأسلمة يفوق كل وصف وخيال...
أذكر منها حادثتين فقط كنت شاهدًا عليهما على سبيل المثال لا الحصر والتحديد
الأولى : فى أعقاب تلك الحادثة المروعة التي قام بها معتصمو ميدان النهضة الكائن أمام جامعة القاهرة، وكانوا يقومون باعتراض السيارات المارة فى الشوارع ويقومون بتفتيشها، واكتشفوا أن قائد هذه السيارة ضابط صغير السن -سبق تقاعده بعد إصابته فى حادث أثناء التدريب منذ فترة أكثر من سنتين. فأنزلوه من السيارة وانهالوا عليه بأكثر من 150 طعنة بالخناجر والسكاكين أمام أعين أمه وزوجته وأطفاله الذين كانوا يركبون معه فى سيارته – وعلقوه بعد أن فارق الحياة فى إحدى الأشجار أمام حديقة الحيوان – الأخطر من هذه الحادثة- أن الذي حكاها لي بكل حماس والفخر شيخ فى العقد السادس من عمره، وصاحب أطول لحية بيضاء كنا نحسبها تشع نورًا فإذا بها نارًا، ويشيد بهذه الفعلة ومن فعلوها كانتقام وقصاص لأنه حاول المرور من الشارع الذي يتجمعون فيه ولم ترهبه تلك الجموع الحاشدة. أي كراهية تلك التي تحويها هذه الوجوه التي خدعتنا، ومازالت تخدعنا وتحيا بيننا بكل البراءة والمكر!!.
حادثة أخرى أشد وطأة وأدعى إلى الحير.
وهي ما علق به أحد كبار رجال الدولة وقتها وكان مرشحًا لمنصب أكبر وأرفع، على حادث إرهابي قامت به جماعة إرهابية ضد بعض الجنود فى أحد الارتكازات الأمنية فوق أحد الكباري الكائنة على نهر النيل، وقاموا بقتل ثلاثة جنود، وكنا وقتها خارجين لتونا من المسجد بعد صلاة الفجر، وسألته عن رأيه فى ذلك الحادث، فكان رده الذي هالني هو قوله: «ألم تقرأ فى القرآن الآية التي تقول: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) الآية 8 سورة القصص، إنهم جنود فرعون ويستحقون ما حدث لهم.
هكذا قال..
لن أتكلم عما قدمه الجيش والشرطة من شهداء ومصابين فى مواجهة أشرس وأطول حرب ضد الإرهاب واجهتها مصر.ولا أتكلم عن هذا الحشد الإعلامي القذر والمروع من تلك القنوات الإخوانية، ضد ضباط الجيش والشرطة وأبنائهم وأهاليهم، وخلط الأوراق وكأنهم هم من اعتدى على الشعب لا من يدفع حياته ثمنًا لأمن وأمان هذا الشعب.
إن الخلط ما زال قائمًا ضد كل ما قامت وتقوم به القوات المسلحة من إنهاض واستنهاض لاقتصاد هذا البلد، وكأنها تعمل لصالحها الشخصي لا لصالح الوطن.
ما أحوجنا لإعلام هادف واعٍ مستمر وليس موسمي كاحتفالات المواسم والأعياد