«السلام عليكم يا أخواتي.. النهاردة هحكيلكم اللى حصل بينى وبين جوزى واحكموا مين فينا الغلطان».. عبارة قد تسمعها مرات عديدة خلال اليوم الواحد أثناء تصفحك مواقع السوشيال ميديا.. ويبدو أن تحقيق أعلى نسب مشاهدات أصبح الغاية التى يريد أى شخص الوصول إليها دون النظر إلى ما يتم عرضه على الملأ.. فنحن بصدد مشكلة من أخطر المشاكل وهى عرض الحياة الزوجية وكشف ستر الأسرة على مواقع التواصل الاجتماعى من أجل تحقيق «الريتش» أو أعلى المشاهدات.. وفى السطور التالية نناقش أسباب انتشار هذه الظاهرة ومدى خطورتها على المجتمع.
فى البداية تقول الدكتور إيمان عبد الله استشارى علم النفس والإرشاد الأسري، إن انتشار فيديوهات على «السوشيال ميديا» تكشف تفاصيل خاصة جدا بالأسرة، أمر فى غاية الخطورة، مؤكدة أن هذا الأمر جراء الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا، حيث أصبح المستخدمون يتجاهلون إيجابياتها ويركزون على السلبيات ليحصلوا على أعلى نسب المشاهدة.
وأشارت إلى أنه فى علم النفس يوجد ما يسمى بالهوية والتى تتكون من الذات العامة والذات الخاصة، وأن اقتحام عالم «السوشيال ميديا» بدون دراسة أو دراية جعل هناك خلطا بين الذاتين، فالذات العامة هى أن يكون لنا كيان اجتماعى ولنا معارفنا ونتعرف على الآخر ونستفيد من ثقافات الآخرين ونتطلع أكثر، أما الذات الخاصة فهى الأمور الخاصة بنا التى لا يمكن عرضها على الملأ وهى تخص الأمور التى تسبب حياء عند عرضها، مثل أموالنا أو شكل بيتنا أو الغرف الخاصة بنا وأسرارنا، وهو ما تربينا عليه، فدائما كانت أمهاتنا تشدد علينا ألا نقول أى شىء داخل بيتنا حتى الأكل الذى تناولناه، أما الآن فنقولها ونصورها ونعرضها مباشرة على الآخرين .
وأكدت د. إيمان أن ما لا يعرفه البعض أن للسوشيال ميديا ضوابط وقوانين مثل الحياة العامة يجب أن نلتزم بها حتى لا نتعرض للعديد من المشاكل منها الجريمة والتنمر والتحرش والابتزاز، كما أن فضح حياتنا الخاصة من الممكن أن يتسبب لنا فى الاضطرابات النفسية والحسد والمقارنات، مشيرة إلى أنها شاهدت العديد من الفيديوهات لسيدات يعرضن أدق تفاصيل حياتهن بل الأخطر أن نجد زوجة تقوم بعمل الروتين اليومى فى شقتها من تنظيف وغيره بملابس غير لائقة وزوجها أو ابنها هو من يقوم بتصويرها، فتم خلع برقع الحياء، من أجل الحصول على شهرة أسرع والكسب المادى بدون أى مجهود.
وأشارت إلى أن الستر ليس ستر العورة فقط ولكن الستر هو التستر على أمورنا الخاصة أيضا، والتى أصبحنا نكشفها من أجل الاستعراض وحصد الأموال وهذا الأمر أدى إلى زيادة الجرائم وارتفاع نسب الطلاق بعد إجراء العديد من الدراسات الخاصة بهذا الأمر والتى أثبتت أن الحصول على المال هو الغرض الأساسى من تلك الفيديوهات.
وهنا يوجد أمامنا كارثتان، الكارثة الأولى هى المحتوى المقدم والذى يعد محتوى فارغا يخص الأخبار والتصرفات الخاصة والسلوكيات الدقيقة لحياتنا، والكارثة الثانية هى المتابعون لتلك النوعية من الفيديوهات.
وشددت الدكتورة إيمان عبد الله على ضرورة إعادة نظر القائمين على تلك الفيديوهات التى تتنافى مع العادات المصرية وتقاليدنا العريقة وما تربينا عليه، فنحن الآن نربى أبناءنا على الفضح وليس الستر وبالتالى عدم الشعور بقيمة الأسرة وخصوصيتها.
هدم عاداتنا
ومن جانبها، أوضحت الدكتورة منى شاكر استشارى نفسى وعلاقات أسرية، أن فيديوهات «السوشيال ميديا» ضيعت أى حرمة لأى شىء، على الرغم من أن الفترة التى سبقت انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، كنا دائما ننادى بالخصوصية، فنحن لا يمكن أن ندخل على أحد حجرته إلا قبل طرق باب الغرفة أولا لأن بها خصوصياته، وعلى الرغم من ذلك فقد استسلمنا استسلاما تاما للسوشيال ميديا التى تجهل تماما فكرة الخصوصية.
واستنكرت د. منى شاكر عرض خطوات الزفاف من قراءة الفاتحة وحتى الفرح على السوشيال ميديا خطوة خطوة حتى خلافات ما قبل الزواج والاتفاقات، كما سمحت العروس أن يتم رؤيتها قبل وضع المكياج وهى ترتدى الروب الستان ثم نرى وجهها بعد وضع المكياج كأنها فتاة أخرى بعد تغيير ملامحها، وخروج الجنين والولادة أصبح على الملأ على السوشيال ميديا، كيف سمحنا أن كل حياتنا أصبحت ترى وتشاهد وعلى مرمى السمع والبصر للجميع بهذا الشكل البغيض؟ حتى لقمتنا وأكلنا التى كنا عندما نطهوه وتفوح رائحته نقدم للجيران منها، أصبحنا نصور الأكل ونصور ماذا نأكل أثناء تناول الطعام، الكاميرا دخلت حجرة النوم، واقتحمت بيتنا وكل الغرف الموجودة به، كل هذه الأشياء ليست عاداتنا وتقاليدنا، لكن للأسف أصبحت مكتوبة علينا.
حتى الأطفال أصبحوا يقولون لأمهاتهم نريد لعبة مثل اللعبة التى رأيناها فى هذا الفيديو، وهناك من يسألونهم لماذا نحن لا نعيش مثلهم أو نأكل مثلهم!، حتى الشهادات والتعليم أصبحا ليس من ضمن اهتمامات الأطفال الآن بعد رؤية هذه الفيديوهات.
وأكدت أن القيم والمبادئ والتربية أصبحت ليس لها وجود، كل شىء أصبح مجرد فيديو مدته دقيقتان أو ثلاث ويهدم سنوات عديدة من التربية والمجهود والتعب. وأوضحت أن الحل من وجهة نظرها هو تحجيم وحجب رؤية تلك الفيديوهات من جانب أطفالنا ونجلس معهم ونفهمهم مدى الضرر من مشاهدة تلك الفيديوهات الهدامة والتى تؤثر فى مبادئنا ونشأتها.
سلبيات مفجعة
ويقول الدكتور عبد العزيز آدم أخصائى علم النفس السلوكى إنه منذ الانتشار المفزع لمواقع التواصل الاجتماعى فى شتى الفئات العمرية ومختلف الثقافات والمستويات الاجتماعية، دون وجود أى درجة من الرقابة أو المسئولية على المواد التى يتم نشرها عبر تلك المواقع، نتج عن ذلك سلبيات مفجعة منها ما وصل إلى استغلال هذه المواقع لنشر أبشع السلوكيات والمجاهرة بل والمباهاة بالسلوكيات غير السوية التى «برغم رفض المجتمع لها» يتم إقحامها وفرضها على كل متابعى تلك المواقع.
وأشار إلى أنه نتج عن ذلك ظهور سلوكيات سلبية لا حصر لها بعد أن اتخذت هذه الشرذمة تلك المواقع كأداة سهلة الاستخدام والوصول للجميع فى بث سمها القاتل فى مبادئ جيل بأكمله، مبادئ نشأ عليها مجتمعنا عبر التاريخ والسنين الماضية، معللين ذلك بأنها حرية شخصية يجب على الجميع الإذعان لها وتقبلها مهما كان مقدار رفض المجتمع ونبذه لها.
وأكد أن تلك الأمثلة المحزنة تلوث مسامعنا وأعيننا ليل نهار حتى أن الأمر وصل إلى نشر تفاصيل الحياة الزوجية وأسرارها على الملأ دون وجود أى وازع دينى وأخلاقى بعد أن أصبح همهم الأول هو تحصيل أكبر عدد من المشاهدات والمتابعات. وأصبحت تلك المواقع هى وسيلتهم لنشر الفساد فى صور يندى لها الجبين دون وجود أدنى حد من الرقابة.
هذا كله أصبح وسيلة لاجتذاب البسطاء وإدمان مشاهدة هذه المواقع والذى ينتج عنه خلل نفسى وصل إلى الانعزال عن المجتمع والانشغال عما هو مفيد ومجد بما هو مضيعة للوقت وإهدار لمفهوم القيمة.
هذا الأمر أصبح من الخطورة التى تصل إلى تهديد للهوية المصرية والأخلاق التى نشأ عليها مجتمعنا والتى توارثناها جيلا بعد جيل.
وأوضح د. عبد العزيز أنه لابد أن يكون هناك وقفة حاسمة لنبذ كل تلك السلوكيات و المواد المخلة التى تقتحم مجتمعنا اقتحامًا مخزيا وتفرض علينا، ولابد أن تكون هناك قوانين رادعة تخص مواقع التواصل الاجتماعى تحديدًا، وألا تقتصر فقط على كل من أساء استخدامها بطرق مخلة وأخلاقيات منعدمة، بل يجب أن تتعدى ذلك كل من شاركوهم أو شجعوهم على نشر الرذيلة فى مجتمع سوي.
ولفت إلى أن مفهوم الحرية التى يتشدق بها هؤلاء المضللون هو مفهوم مشوه يفتقر إلى الموضوعية وأقل درجات العقلانية والفهم من الأساس، لأن أبسط قواعد الحرية المتعارف عليها مجتمعيا وعالميًا هي: «إن حرية الفرد تتوقف عند حرية الآخرين»، وهو ما يعنى أن نشر تفاصيل الحياة الزوجية على الملأ بهذه الصور المخلة هو أمر لا يمت للحرية بأى صلة بل ينافيها تمامًا، إننى على ثقة فى أن مجتمعنا القويم سيلفظ هؤلاء المنحدرين ولن يكون لهم ولأهوائهم المشوهة مكان فيه ولن يكونوا أبدا معولًا لهدم أسس رسخت فى وجدان وطننا منذ آلاف السنين، وستحيا مصر قوية راسخة المبادئ رغم أنف هؤلاء وكل من تسول له نفسه النيل من مبادئها وأخلاقها القويمة التى تعلم منها العالم بأكمله.
خراب البيوت
وفى السياق ذاته، قالت د. ريهام أحمد عبدالرحمن الباحثة فى الإرشاد النفسى والتربوى جامعة القاهرة، ومدربة معتمدة فى علوم تطوير الذات، إن وسائل التواصل الاجتماعى باتت وسيلة لخراب البيوت وإفشاء ما فيها من عورات وأسرار خاصة بين الزوجين، فيقول الله عز وجل فى كتابه الكريم: «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» سورة النساء، (21). فالعلاقة الزوجية ميثاق غليظ يجب أن يقوم على حفظ الخصوصية واحترام الآخر حتى فى أوقات الخلاف.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى وسيلة للبحث عن المال والشهرة وتحقيق ما يسمى بـ «التريند» حتى وإن كان ذلك على حساب سمعة الشخص أو كرامته، والمثال على ذلك ما يتم على مواقع التواصل الاجتماعى من تشهير بالآخر سواء بنشر الأخبار الكاذبة عنه، أو الإعلان عن الانفصال ولكن بطريقة تسىء للطرف الآخر وتشهر به كنوع من لفت الانتباه وتحقيق أعلى نسب مشاهدة.
ليس هذا فحسب بل إن هناك بعض الأمهات التى تشهر بأبنائهن وتسيء لسمعتهم من أجل الوصول للشهرة والتريند.
أما عن الآثار النفسية والاجتماعية لفضائح السوشيال ميديا فأكدت د.ريهام أنها تتمثل فى انعدام وجود القدوة الصالحة والمجتمع الآمن وبالتالى انهيار القيم والأخلاق فى المجتمع.
ونشر خصوصية الحياة الزوجية على مواقع التواصل يضر بالطرفين ويجعل حياتهما مشاعا لتدخل الآخرين فيها.
وانتشار الحسد والغيرة نتيجة للمقارنة السلبية بين حياة الشخص وحياة المشاهير على السوشيال ميديا، مما ينتج عنه الشعور بعدم الرضا والسعادة.
وبعض ما ينشر من تجريح فى الطرف الآخر وتشهير به بهدف الوصول لأكبر عدد من المتابعين، يؤسس لانتشار العنف اللفظى والنفسى بين أفراد المجتمع وبالتالى يمهد لانتشار الجريمة فى المجتمع.
كما أن الاستسهال فى نشر طلاق المشاهير والتعامل معه كتريند، يسهل من زيادة انتشار نسب الطلاق و يساعد فى تفكك المجتمع.
والتقليد الأعمى من قبل الشباب والمراهقين لكل ما يتم نشره على منصات التواصل الاجتماعى من محتوى سلبى هادم للقيم يهدد مستقبلهم الأخلاقى والمهنى.
نشر حياتنا الخاصة من المحرمات
وأكدت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى من عرض التفاصيل الدقيقة لحياتنا مصورة ليشاهدها الجميع مهزلة بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فضلا عن أنه من أكبر المحرمات.
لأن الحياة الزوجية لها قدسيتها، لقول - النبى صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»، وهنا فى الحديث الشريف يشير إلى أن الحياة الزوجية والأسرية تعتبر سرا لا يجوز نشره أو حتى تبادل الأحاديث عن تفاصيله لدى الآخرين، ولكن الآن أصبحنا نصور حياتنا ليشاهدها الملايين ويتابعها لحظة بلحظة .
وقد قال الله تعالى فى سورة الأنفال:( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) وهنا أشار الله تعالى إلى أن إفشاء تفاصيل الحياة الزوجية من منزلة خيانة الأمانة وربطها بخيانة الله والرسول لتعظيم هذا الأمر، فيجب على من يقدم هذه الفيديوهات أن يعلم مدى خطورة هذا الأمر دينياً ومجتمعياً.