«آلاف الضحايا وقعوا في فخ نصبته لهم منصة الـ «بلوكشين» Hoogpool لتداول العملات الرقمية المشفرة، لتظهر في عالم الترند كـ «مستريح رقمي» جديد يظهر على الساحة يعتمد في نصبه على تكنولوجيات معقدة ومتشابكة، إلا أن الطُعم الذي يصطاد به ضحاياه هو نفسه المستخدم منذ آلاف السنين إنه «طُعم الربح السريع» الذي استخدمته المنصة ومن قبلها استخدمه المستريحون ومن قبلهم شركات توظيف الأموال وصولا إلى فجر الضمير، الذي نحتاج بشدة إلى إشراقه مرة أخرى من جديد في سموات عالمنا الرقمي الافتراضي والواقعي المظلمة».
نعم تعصف الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية بالعالم أجمع، ذلك الكوكب الذى بالكاد استفاق من كارثة جائحة الفيروس اللعين «كوفيد 19» حتى وجد نفسه يعانى من أزمات طاحنة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وبينما يحاول إيجاد السلام والسكينة بين البشر وجد الأرض تنفث غضبها وتثور الزلازل التى أودت بحياة الآلاف فى لحظات، لكن هذا كله لا يبرر سعى الطامعين فى البحث عن الربح السريع والمكسب الخارق فى إيجاد تلك المعادلة الربحية التى تتعارض مع العقل والمنطق والواقع الحقيقي، وعلى الرغم من التحذيرات التى يطلقها خبراء الاقتصاد كل يوم لتنبيههم من الوقوع فى شراك تلك الأفخاخ الاقتصادية لا يزال الكثيرون يبحثون عنها ويسعون إليها بهمة حثيثة ويلقون بأنفسهم طواعية بين براثنها طمعا فى تحقيق الربحية الخيالية التى تحورت كالفيروس واندمجت فى عالم الرقمنة والواقع الافتراضى والعملات الرقمية المشفرة لإنتاج خطر جديد يحتاج لمجهود كبير لاستيعابه، وتحتاج مواجهته إلى تكاتف المجتمع المدنى مع الجهات الرسمية وتكثيف جهود التوعية واتخاذ الإجراءات والتدابير للحد من انتشار أضراره ومفاسده، وفى السطور التالية يشرح الخبراء ماهيته وسبل الوقاية منه.
سلاسل الثقة
من زاوية التكنولوجيا الحديثة يشرح أحمد حسنين المدير التنفيذى لإحدى الشركات العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والتسويق الإلكترونى فيقول، تكنولوجيا البلوكشين Blockchain هى نظام تشفير تعتمد عليه جميع العملات الرقمية ويتم تسجيل قيمة العملات وقيم التبادل داخل هذا النظام وكان هذا المصطلح فى البداية قاصرا على تعاملات وتداول العملات الرقمية المشفرة، ثم امتد ليشمل بعض الأمور الأخرى، ولكى نفهم المصطلح بشكل أوضح يجب تقسيمه الى جزءين، الأول هو (Block) أى (الكتلة)، والثانى هو (chain) بمعنى (السلاسل)، ويُفهم من المصطلح (سلاسل الكتلة) انه يُعبر عن المعاملات التى تسجل على شبكة البلوكشين والتى هى عبارة عن سلسلة من الكتل الرقمية؛ أو الروابط المشفرة ويمكن ترجمته إلى مصطلح آخر معترف به أيضًا وهو «سلاسل الثقة» حيث إن هذه الروابط والكتل تستخدم فى توثيق عمليات التداول وإثبات الملكية والعقود الذكية على شبكة الإنترنت.
ويشرح حسنين: ولتوضيح الأمر بشكل أكثر بساطة نأخذ مثالا على أن شخصًا ما سوف يشترى قطعة أرض من شخص آخر فهنا هو سوف يذهب للشهر العقارى للتأكد من ملكية البائع لهذه الأرض فى مكتب التوثيق، ثم يذهب مرة أخرى لنقل ملكية الأرض الى المشترى، وهكذا يتكرر الأمر مع كل عملية بيع للأرض من بائع إلى مشتر؛ وهكذا يمكن وصف «البلوكشين» بأنه السلطة الرسمية المركزية التى تثبت الملكية والحيازة على شبكة الإنترنت، تماما كما يفعل مكتب التوثيق أو «الشهر العقارى» الذى يصف أبعاد الأرض وصفاتها ومكانها وكل المعلومات المتعلقة بها وبمالكيها عبر العصور والأزمان المتعاقبة فى سجل واحد إلا ان «البلوكشين» يوثق فقط عمليات تداول الأصول الرقمية كالعملات المشفرة، ويضمن ان تكون عملية المبادلة أو التداول موثوقة، وفى ذات الوقت يجعل فكرة تزويرها أو «تهكيرها» مستحيلة.
تعدين
ويستكمل حسنين، ولما كانت العملات المشفرة ما هى إلا مجموعة من الأرقام المصفوفة المشفرة فإن إيجادها واقعيا على شبكة الإنترنت يستلزم عملية بحث دقيقة وموثقة حتى يتم تكوين سلسلة ثقة ترتبط بعملة رقمية معروفة، وعملية البحث هذه ليست سهلة وتحتاج إلى إمكانيات ضخمة ومُكلفة وتستغرق وقتا طويلا ؛فهى تشبه الى حد كبير عمليات التنقيب عن الآثار أو المعادن النفيسة وهو ما جعل هذه العملية الصعبة والمرهقة توصف بأنها عملية «تعدين» (Mining)؛ وهى شأنها كشأن عمليات التنقيب عن الآثار أو المعادن قد تتم من خلال فرق بحثية علمية تقوم بعملية البحث تحت مظلة القانون وبطريقة علمية أكاديمية ممنهجة، أو يقوم بها مجموعة من الأشخاص الخارجين على القانون، وهذا الوصف ينطبق على هؤلاء الأشخاص حتى فى الدول التى تسمح قوانينها بالتعدين وتداول العملات الرقمية المشفرة، أما فى الدول التى لا يسمح قانونها بعملية التعدين أو التداول أو كلاهما؛ مثل مصر فالجريمة هنا تكون مزدوجة، حيث تعتبر عملية التعدين أو البحث عن العملة المشفرة مخالفة للقانون، وأيضا تعتبر عملية بيعها فى حالة اكتشافها؛ أو تداولها مخالفة ثانية للقانون؛ وفى حالة منصة Hoogpool، التى قامت بالنصب على عدد كبير من المواطنين الذين استثمروا أموالهم فى عملية البحث عن الأصول الرقمية «التعدين» ثم أغلقت أبوابها، فإننا هنا نتحدث عن منصة غير مقننة تعمل فى نشاط لا تقره القوانين المصرية، وهو ما يجعل الضحايا هنا شريكا اصيلا فى الوقوع فى الفخ الذى نصبته المنصة لهم، وهذا لا يعنى على الإطلاق أن كل المنصات التى تعمل فى تداول العملات الرقمية والأصول الرقمية مثلها، فهناك آلاف المنصات والتطبيقات التى تعمل فى هذا المجال ولها مصداقية وتتعامل على حجم أموال كبير جدا وهذا بالطبع فى الدول التى تسمح قوانينها بإجراء هذه النشاطات بشكل رسمى وقانوني، فالتكنولوجيا كالسلاح ذى الحدين؛ يمكن استخدامها بشكل قانونى نافع، أو استخدامها خارج إطار القانون بشكل ضار.
تابع باقى الحوار فى مجلة أكتوبر عدد الـ2435 – 2 يوليو 2023.