تعانى دولة الاحتلال الإسرائيلي من ظاهرة خطيرة وهى ارتفاع معدل الجريمة بالداخل بشكل مضاعف، وذلك بعد أن تم خلال العامين الماضيين إصدار قرارات بإطلاق سراح أخطر زعماء العصابات الإجرامية فى إسرائيل «المافيا الإسرائيلية»، من بينهم شالوم دومرانى وبني شلومو ويوسى موسلي، وكجزء من النزاع بين تلك العصابات قتل خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام أكثر من ٧٩ إسرائيليا ، مقابل 32 قتيلا بالعام الماضي.
وجاء ارتفاع معدلات الجريمة فى شوارع إسرائيل إثر حروب التصفية والثأر التي تقوم بها تلك العصابات فيما بينها منذ عام 2021، مع عائدات تصل إلى 50 مليار شيكل سنويًا، وأصبحت تلك العصابات الآن الأكثر تطورًا وتنظيمًا فى تاريخ إسرائيل منذ انتشارها فى مطلع السبعينيات على يد اليهود الروس المهاجرين لإسرائيل حينها.
ومازالت الشرطة الإسرائيلية تقف مكتوفة الأيدي أمام العمليات الدموية لتلك العصابات، التي أصبحت تشكل أزمة كبيرة فى شوارع إسرائيل، حيث أكد قائد عسكري متقاعد يدعى يسرائيل أرييلى، وهو ضابط مخابرات سابق، فى تصريح لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن الشرطة ليس لديها أي قدرة تقريبًا على مواجهة المنظمات الإجرامية.
ليس هذا فحسب، بل تم الكشف مؤخرًا عن المساعدات التي يقدمها عناصر من الشرطة الإسرائيلية لتلك العصابات، حيث ذكر موقع «واللا» الإسرائيلي، أنه تم تقديم لائحة اتهام ضد ضابط من حرس الحدود لنقله معلومات سرية إلى عناصر إجرامية بارزة فى جنوب الكيان حول الأنشطة العملياتية لوحدات الشرطة.
كما أن المافيا الإسرائيلية تعمل أيضًا من داخل السجون، فبعضهم يشترون الذهب والماس واللوحات والأشياء الفنية باهظة الثمن لغسل الأموال، وفى حالات أخرى يؤسسون شركات ربحية بشكل قانوني أو يدخلون كشركاء مخفيين فى مجال العقارات، أو يقومون بتوزيع فواتير وهمية بمليارات الشواكل.
ويعتبر استخدام الأعمال المشروعة كـ «واجهة» للمجرمين ظاهرة قديمة ومألوفة فى إسرائيل، وبجانب الحاجة إلى تقديم صورة شرعية فإن هذه الأعمال ضرورية أيضًا للمجرمين كمكان لغسل رأس المال، وبالتالي فهم يميلون إلى اختيار الشركات التي يوجد بها تدفق نقدي، كمحلات اللحوم أو متاجر الأثاث وأكشاك الخضار والفواكه ومواقف السيارات وأكشاك الصرف والحانات والنوادي الليلية، أو حتى مجال الرياضة داخل إسرائيل.
وتنتشر تلك العصابات فى إسرائيل من الشمال إلى الجنوب، لتثير حالة من الذعر بشوارع دولة الاحتلال، حيث يعيش فيها تنظيم إجرامي مكون من أكثر من 16 عائلة إجرامية، على رأسها 5 مجموعات هي الأكثر خطورة على أمن إسرائيل.
ومن أبرز زعماء عصابات المافيا فى إسرائيل شالوم دومرانى فى الجنوب، والذي يدير أشرس حرب انتقامية الآن ضد بني شلومو فى منطقة السهل الساحلي، بجانب عائلة باروخ بوكل فى نتانيا، ويوسى وشاى موسلى فى تل أبيب، وموشيه ليكر ونفتالى بن آبو بالقدس، والجاروشى فى الرملة، ونيفى زاغورى فى بئر سبع.
كما يعد التنظيم الإجرامي الذي يتزعمه قوطير بالجنوب من أقوى وأخطر المنظمات الإجرامية بإسرائيل، وعمل قوطير بشكل أساسي فى المنطقة الوسطى، وأدين مؤخرًا بجانب 21 متهمًا آخرين بارتكاب جرائم عنف خطيرة بما فى ذلك المساعدة والتحريض على القتل ومحاولة القتل، وبموجب التسوية سيسعى الادعاء إلى فرض عقوبة سجن فعلية عليه لمدة 24 عامًا، وسيُحكم على المتهمين الآخرين بالسجن لمدة طويلة.
وتتركز الآن الهجمات الدموية لتلك العصابات فى المنطقة الجنوبية ومنطقة لخيش على وجه الخصوص، حيث تجرى الأحداث باستمرار على خلفية التنافس الدموي بين منظمتي شلومو ودومرانى.
وتعيش تلك العصابات على أموال الأنشطة غير القانونية التي يمارسونها من وراء تشغيل الكازينوهات وغيرها من أشكال المقامرة داخل إسرائيل وخارجها، وسرقة السيارات، والدعارة، والاتجار بالبشر، وغسل الأموال، والقتل، والابتزاز، والقروض بفوائد كبيرة، وتجارة المخدرات، والسوق السوداء، ومؤخرًا التحكم فى مجال العقارات.
وحسب ما جاء فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» على لسان مفوض الشرطة الإسرائيلية السابق ديڤيد كوهين، فإن المنظمات الإجرامية الإسرائيلية قد اخترقت القطاع الاقتصادي الرسمي والمجالس المحلية.
كما تتمتع تلك العصابات بنفوذ كبير داخل إسرائيل يصل إلى اتصالات جيدة مع مسئولين بالجيش والوزارات المختلفة لتيسير أعمالهم، فكما جاء فى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن تلك العصابات لها مصالح مع شخصيات رسمية فى مواقع القوة والنفوذ فى مجالات الاقتصاد والسياسة والإعلام.
وعلى سبيل المثال، انتشرت صور مؤخرًا فى الصحف الإسرائيلية لرافى حاييم كيدوشيم، الشخصية البارزة فى حزب الليكود فى هرتسليا، مع أحد رجال المافيا الإسرائيلية فى منزله وهو يحتضن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين وبجانبهما عضوي الليكود يسرائيل كاتس وميرى ريجيف إلى جانب آخرين وهم يحتفلون فى منزله بعيد البوريم الأخير.
ويعد رافى الآن لاعبًا مركزيًا فى فرع الليكود فى هرتسليا، وهناك من يرشحه ليكون مرشح الحزب لمجلس المدينة، كما أنه كان أفضل رجل فى إدخال أعضاء المجلس من اليمين إلى الائتلاف فى مجلس المدينة، بدلاً من أعضاء المجلس من اليسار.
كما أنه تم الكشف فى السنوات الأخيرة عن تورط متزايد للعناصر الإجرامية فى مناقصات الدولة فى مجال البنية التحتية والبناء، وبحسب تقديرات الشرطة، فإن الأموال التي تذهب لمرتكبي الجرائم من خزائن الدولة تقدر بمليارات الشواكل، بجانب اختراقها لقطاع المقاولين بالحكومة للسيطرة على سوق العقارات من الباطن.
ووفقا لما ذكرته صحف إسرائيلية فقد استعانت تلك المنظمات فى بعض عمليات الاغتيالات بمساعدات من حراس الأمن أو الجنود الذين يبحثون عن لقمة العيش فى عصر عدم الاستقرار الاقتصادي بإسرائيل وارتفاع الأسعار، مما سيؤدى إلى حقيقة أن المنظمات الإجرامية ستتحول فى القريب العاجل إلى الاغتيالات عن بعد بالصواريخ والمتفجرات بما يستهدف معه المزيد من القتلى بين الإسرائيليين.