وسط مخاوف وتحذيرات في غرب إفريقيا من زيادة العنف والاضطرابات الأمنية فى مالي ، ذلك البلد الذى يعانى من حركات مسلحة ومتمردة كثيرة ، أصدر مجلس الأمن الدولى ، فى 30 يونيو الماضى ، قرارا أنهى بموجبه مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام فى مالى والمعروفة باسم (مينوسما) ، وذلك بعد أن طلب المجلس العسكرى الحاكم فى باماكو مغادرة القوة المكونة من 13 ألف جندى ، فى خطوة قالت الولايات المتحدة إن مجموعة «فاجنر» العسكرية الروسية الخاصة هى التى دبرتها.
داليا كامل
ينص القرار الذى صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن على وقف عمليات البعثة فى مالى وتسليم مهامها اعتبارا من أول يوليو الحالى، على أن تتم عملية الانسحاب المنظم والآمن لجنودها بحلول 31 ديسمبر المقبل.
وجاء التصويت بعد أسبوعين من طلب وزير الخارجية المالى عبد الله ديوب أمام مجلس الأمن الدولى «انسحابا من دون تأخير» لبعثة الأمم المتحدة (مينوسما) فى بلاده، منددا بـ «إخفاقها» فى التعامل مع التحدى الأمنى، رافضا كل خيارات تطوير تفويض البعثة الأممية التى اقترحها الأمين العام للمنظمة الدولية، والتى كان من بينها: دعم القوة الحالية وتزويدها بالوسائل التى تجعلها قادرة على تنفيذ مهمتها، مع رفع عددها.
واتهمت الولايات المتحدة يفجينى بريجوجين، رئيس مجموعة «فاجنر»، بالمساهمة فى تدبير رحيل مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من مالى، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض جون كيربى للصحفيين: «ما هو غير معروف على نطاق واسع أن بريجوجين أسهم فى تدبير هذا الرحيل للدفع بمصالح (فاجنر)، نعلم أن مسئولين كباراً من مالى عملوا بشكل مباشر مع أفراد تابعين لبريجوجين لإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بأن مالى ألغت موافقتها على مهمة (مينوسما)».
وحذر كيربى من أن الإنهاء المفاجئ لبعثة الأمم المتحدة لن يؤدى إلا إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية، والمساهمة فى المزيد من عدم الاستقرار الداخلى والإقليمى، ودفع البلاد بعيدا عن هدف التحول الديمقراطى.
وتشن جماعات مسلحة بعضها على صلة بتنظيمى «القاعدة» و«داعش»، هجمات فى شمال مالى منذ عام 2012، ومنذ بدء مهامها فى البلاد عام 2013، عملت قوة «مينوسما» على المساعدة فى فرض الاستقرار، وحماية المدنيين من هجمات المتشددين، والمساهمة فى جهود السلام والدفاع عن حقوق الإنسان؛ إلا أن الوضع الأمنى استمر بالتدهور رغم وجود تلك القوات.
وحسب «دويتشه فيله»، يلقى خبراء باللائمة فى هذا الفشل على التفويضات التى تحصل عليها قوات حفظ السلام الأممية والتى تقيد أنشطتها فى البلدان الإفريقية، إذ إنه فى بعض الأحيان لا يُنظر إلى مهام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة باعتبارها أدوات لإنفاذ القانون، حيث لا يُسمح لها باستخدام القوة المميتة إلا فى حالة الدفاع عن النفس أو عن المهام المنوطة.
كما عانت مهمة «مينوسما» من الانسحابات المتكررة، حيث قتل 303 على الأقل من أفراد (مينوسما) فى هجمات فى مالى منذ بدء مهامها فى البلاد عام 2013، ما جعلها فى صدارة مهام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى العالم من حيث عدد القتلى فى صفوفها، وهو ما دفع دول مثل كوت ديفوار والسويد وغيرها إلى سحب قواتها.
وإضافة إلى الصعوبات الأمنية، تدهورت العلاقات بين الأمم المتحدة والمجلس العسكرى الانتقالى فى مالى بشكل حاد بعدما فرض المجلس قيودا حكومية عملت على عرقلة عمليات البعثة الأممية للسلام، ما أدى إلى انسحات القوات الفرنسية من البلاد فى نهاية 2022، كما أعلنت ألمانيا وبريطانيا البدء فى سحب قواتها اعتبارا من منتصف 2023 ثم تحالف المجلس العسكرى مع روسيا واستعان بمجموعة فاجنر المسلّحة.
ويرى مراقبون أن «فاجنر» تشكل خيارا جذابا لدول إفريقية لأنها لا تمتلك أى طموحات سياسية أو آيديولوجية أو عسكرية، وتُركز فقط على استغلال الموارد الاقتصادية،
ما يجعلها محل ثقة لدى بعض الحكام الأفارقة.
وفيما يتعلق بتأثير عملية التمرد التى نفذها زعيم مجموعة فاجنر فى روسيا، على مواصلة عملياتها فى مالى، أكد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، أن مجموعة فاجنر ستواصل عملياتها فى مالى وجمهورية إفريقيا الوسطى، قائلا فى مقابلة أجرتها معه قناة «آر تى» الروسية إن عناصر فاجنر «يعملون هناك بصفة مدربين. بالطبع سيتواصل هذا العمل».
بالرغم من ذلك، من المتوقع أن يكون لانسحاب قوة حفظ السلام الأممية تداعيات على الوضع الأمنى فى مالى، وفى هذا السياق، قال «تحليل كتبه لويس دوجيت-جروس، فى معهد واشنطن، «إنه من غير الواقعى للغاية الافتراض بأن لدى بضع مئات من «مرتزقة فاجنر» وعناصر القوات المسلحة المالية، القدرة على فرض الأمن فى مساحة تمتد على 900 ألف كيلومتر مربع من الأراضى الشمالية المعرضة للخطر وتنفيذ جهود فعالة لمكافحة الإرهاب فى تلك الأراضى. وأضاف: «أولاً، هم يفتقرون إلى سلسلة قيادة فعالة وقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المناسبة». ثانياً، ربما يفتقرون إلى الإرادة السياسية، حيث يبدو أن المجلس العسكرى يركز على تعزيز سلطته فى باماكو، بدلاً من استعراض نفوذه فى المناطق الهامشية. ثالثاً، أفاد المراقبون بأن جزءاً من مرتزقة فاجنر فى مالى قد يكونون سوريين وليبيين، بدلاً من عملاء روس سابقين، وأنهم أكثر ميلاً للتركيز على تأمين مصادر دخلهم بدلاً من محاربة الجهاديين بشكل فعال، لذلك، هناك خطر كبير من تحوّل مالى مجدداً إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية.
من جانبه، أشار الدكتور نورالدين المازنى المتحدث السابق باسم الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة فى دارفور، فى حديث لإذاعة مونت كارلو الدولية، إلى أن مالى، بلد يقع فى منطقة مصنفة الأولى والأكثر عرضة على مستوى القارة من حيث هجمات الجماعات الجهادية وتمددها، وخاصة فى وسط مالى وشماله وعلى الحدود الثلاثية بين هذا البلد وجاريه بوركينا فاسو والنيجر. كما أن هذه البلدان المذكورة إلى جانب تشاد الواقعة فى منطقة الساحل تأتى فى المراتب الأولى عالميا بعد أفغانستان من حيث عدد العمليات الجهادية وضحايا الإرهاب الذين يسقطون يوميا. ويتوقع المازنى أن ترتفع عدد العمليات الجهادية فى مالى بعد انسحاب قوات حفظ السلام.