12 شهيدًا وعشرات المصابين ومئات المشردين وتدمير للبنية التحتية والمنازل والمنشآت الحيوية.. هذا هو حال مدينة جنين الفلسطينية وذلك قبل ساعات من إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلى إنهاء العملية العسكرية الواسعة، التى شنتها على المدينة والمخيم، الموقف على المستوى الدبلوماسى تلخص فى اجتماع لمجلس الأمن؛ لبحث التصعيد، وقرار من مكتب الرئيس الفلسطينى نص على "وقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلى، والاستمرار فى وقف التنسيق الأمنى - قرار محبط -، فيما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية على "حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها" – قرار متوقع .
وبين هذا القرار "المحبط" وذاك القرار "المتوقع"، باتت كل ردود الفعل - بيانات واستنكارات واجتماعات طارئة ومناشدات - باهتة غير مؤثرة وغير مجدية ومتكررة لدرجة أنك تقرر منذ الوهلة الأولى أن تغلق التليفزيون وتغادر إلى سريرك، ربما تجد فى أحلامك ما هو أجدى وأنفع من تلك القرارات.
ولا أجدى ولا أنفع من شىء سوى "المقاومة" فهى السبيل الوحيد والأبقى من أجل تحرير الأرض وتحقيق الحلم الفلسطينى المغتصب، وإن كانت مقولة "ما حك جلدك مثل ظفرك"، هى الأكثر تعبيرًا عن حتمية ما يجب أن يكون الوضع عليه فى مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، فيشترط معها بل ويتحتم التوافق والتلاحم والتوحد بين كل الفصائل الفلسطينية فى مواجهة المحتل وضرورة ألا يحيد أحد منها عن الهدف القومى الفلسطينى الأوحد والأكبر والأهم وهو "دولة فلسطين" وعاصمتها القدس الشرقية.
وإن كنت أظن أن ما فعلته إسرائيل الأسبوع الماضى فى جنين يؤجج هذه المقاومة ويظهر أنها الأنسب للتعامل مع المحتل الغاصب، وهذا واقع وحقيقة ملموسة، وما أظنه زيفًا وتضليلًا ما تعلنه دولة الاحتلال، بأن الأهداف من وراء عملياتها العسكرية فى جنين هى ذاتها نفس الأهداف، التى كانت معلنة قبل عشرين عاما أى القضاء على المقاومة.
فهل نتذكر ما أعلنه بنيامين نتنياهو فى سبتمبر 2019، وقبل أسبوع واحد من الانتخابات التشريعية الإسرائيلية أنه سيحقق حلم الجناح اليمينى من معسكره السياسى، وأنه "سيسطر فصلاً جديدًا ومجيدًا فى تاريخ الحركة الصهيونية"، فمنذ ذلك اليوم وبدأ الحلم يراود اليمينيين المتطرفين فى إسرائيل، والتهبت فى الذاكرة الصهيونية أحلام ضم أراضى جديدة وأراد نتنياهو "بيبى" - كما يلقبونه فى الوسط السياسى هناك - أن يدخل التاريخ باعتباره أحد رؤساء الوزراء الذين وفوا بوعودهم بضم أراض لدولة إسرائيل على غرار مناحم بيجن ومرتفعات الجولان عام 1981، وقبله ليفى أشكول مع القدس الشرقية بعد حرب عام 1967".
فالعين الإسرائيلية المتطرفة من فترة تقع على المنطقة "ج" فى الضفة الغربية، حسب التقسيم الوارد فى اتفاقية أوسلو، ففى الأصل كانت الفكرة أن هذه المنطقة ستصبح تدريجيًا جزءًا من السلطة الفلسطينية، وفى النهاية جزءًا من دولة فلسطين عندما يتم التوصل إلى اتفاق دائم، لكن اليمين يعتبر المنطقة "ج" أراضى إسرائيلية، وما يحدث الآن من سيطرة يمينية على الحكومة الإسرائيلية ربما يفسر بعضا مما يحدث فى جنين.