صراع أمريكي روسي من نوع مختلف يلوح فى الأفق، برغم استمرار حدة القتال فى أوكرانيا، غير أنه صراع تجري أحداثه على القطب الشمالي، وفى السنوات الأخيرة اشتعلت المنافسة العالمية حول الدائرة القطبية الشمالية، وظهرت مقدمتها مع ذوبان قممه الجليدية، وسال لعاب الدول الكبرى على ثرواته الطبيعية، وأولى بشائر الخير امتلاكه 1700 تريليون قدم مكعب من الغاز وأنواع أخرى من الوقود، هذا حسب تقدير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
والمثير فى المشهد زحف القوة العظمى الثانية تجاه أراضيه، ولن تمنعها بعد المسافة عن المياه الباردة الشمالية، وعقدت صفقات تجارية وصناعية، وأرسلت الصين أول ناقلة بحرية عملاقة فى 2013 إلى القطب الشمالي، وعبرت من خلال أوروبا حتى وصلت مياهه، وبدأت فعليا فى الاستثمار فى حقول الغاز، وتتقدم بقوة لتعزير أمن الطاقة، وبالتوازي بدأت روسيا على الفور فى وضع يدها على بعض حقول الغاز والبترول فى الدائرة القطبية الشمالية، وأبرمت صفقة بمليارات الدولارات لاكتشاف حقول النفط.
ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية الانتظار أكثر من ذلك، والاقتصار على دور المراقب، وتحركت بخطى واسعة لاستغلال موارد القطب الطبيعية، ورفعت من قدراتها العسكرية فى المنطقة القطبية الشمالية لردع أي تهديدات، فقد أنشأت روسيا 50 موقعا عسكريا لمواجهة الوجود الغربي والأمريكي، وفى المقابل لدى أمريكا قاعدة "ثول" الجوية فى شمال جزيرة جرينلاند القطبية، وتحتل القاعدة الكبرى موقعا فريدا واستراتيجيا، يقع فى منتصف الطريق بين واشنطن وموسكو، والقراءة الحالية للأحداث لا تتوقع نشوب صراع مباشر الآن، وإنما الأجواء تفصح عن صراع بارد محتمل.
ونتساءل: هل روسيا التي خاضت حروبا طويلة فى الماضي لتصل إلى المياه الدافئة تستعد لمواجهة حرب من أجل القطب الشمالي؟ ولكن بعد ظهور يابسة عائمة على كنوز طبيعية لا حصر لها، إضافة إلى ثروة سمكية هائلة، ومجلس القطب الشمالي يعد المنظمة الوحيدة المنوط بها تحديد المسائل القانونية بالقطب الشمالي، ويضم 13 دولة مراقبة منها الصين وألمانيا والهند، والحرب الباردة تعود من جديد فى صورة سباق بارد على من يقتنص نصيب الأسد فى الدائرة القطبية الشمالية.
والسؤال الهام والكبير الذي يبحث عن إجابة من أصحاب العقول: هل تأجج صراع الكبار حول ثرواته وموقعه الاستراتيجي يمحو من الذاكرة خطورة تغير المناخ على المياه العذبة حول العالم وعلى تصحر الأراضي الزراعية بمساحات شاسعة، مما قد يسبب فى مجاعات وضياع للثروات الطبيعية وزيادة الأمراض وارتفاع نسبة الوفيات؟ والعلماء هم فقط من يحملون عبء المسئولية، ويناشدون هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بتأجيل الصراع حول مصالح الكبار والبحث عن حلول فورية لإنقاذ البيئة وسكان العالم.