في ضوء ما نشر بالمواقع الإخبارية عن مكافأة يمنحها المجلس الأعلى للآثار لمن يرشد عن أثر عقاري، أكد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، أن مكافآت التبليغ عن الآثار تقديرية وتخضع لقيمة الأثر المبلغ عنه وتقدير اللجنة الدائمة لذلك مما يؤدى لإحجام الكثيرين عن الإبلاغ.
وأضاف بأن المادة 23 من قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 وتعديلاته نصها: (على كل شخص يعثر على أثر عقاري غير مسجل أن يبلغ المجلس الأعلى للآثار به، ويعتبر الأثر ملكًا للدولة، وعلى المجلس الأعلى للآثار أن يتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة عليه، وله خلال ثلاثة أشهر إما رفع هذا الأثر الموجود في ملك الأفراد، أو اتخاذ الإجراءات لنزع ملكية الأرض التي وجد فيها أو إبقائه في مكانه مع تسجيله طبقًا لأحكام هذا القانون، ولا يدخل في تقدير قيمة الأرض المنزوع ملكيتها قيمة ما بها من آثار، وللمجلس أن يمنح من أرشد عن الأثر مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة إذا رأت أن هذا الأثر ذو أهمية خاصة).
كما جاء في المادة 24 من نفس القانون: (على كل من يعثر مصادفة على أثر منقول أو يعثر على جزء أو أجزاء من أثر ثابت فيما يتواجد به من مكان أن يخطر بذلك أقرب سلطة إدارية خلال ثمان وأربعين ساعة من العثور عليه، وأن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة وإلا اعتبر حائزًا لأثر بدون ترخيص، وعلى السلطة المذكورة إخطار المجلس بذلك فورًا، ويصبح الأثر ملكًا للدولة والمجلس إذا قدرت أهمية الأثر أن تمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة المختصة).
ويرى الدكتور "ريحان" أن هذه المواد لا تشجع الأشخاص على الإبلاغ عن الآثار، حيث إن المكافأة المالية تخضع لتقدير اللجنة الدائمة، ولن تكون مجزية في أي حال من الأحوال، حيث سلمت "ناهد حسن صادق" متحفًا متكاملًا من 80 قطعة أثرية إلى المجلس الأعلى للآثار يمثل تسلسل العصور التاريخية في مصر من ممتلكات والدها صاحب أول شركة سياحية في مصر، وكل ما طلبته هو وضع هذه الآثار باسم والدها في قاعة خاصة بالمتحف المصري بالتحرير ولم يتم تنفيذ أي شىء حتى الآن، بل وضعت الآثار في مخزن متحفي بالمطرية، وانقطعت صلة السيدة الفاضلة ب الآثار تمامًا وكأن شيئًا لم يكن.
ويضيف الدكتور "ريحان" أن المادة 24 من قانون حماية الآثار، تفرض على من يبلغ عن أثر أن يحافظ عليه حتى تتسلمه السلطة المختصة، وإلا اعتبر حائزًا لأثر بدون ترخيص، مع العلم أن الأثر قد يكون مع شخص آخر أو في مكان معين لا يضمن المُبلغ المحافظة عليه لحين تسليمه، مما يضعه تحت طائلة حيازة أثر بدون ترخيص فلماذا يضحي بهذه التضحية في مقابل مكافأة تخضع للجان تقدير وبعدها ربما تكون مكافأة هزيلة.
ويتابع الدكتور "ريحان" من خلال دراسة خاصة للدكتور محمد عطية هواش مدرس بقسم الترميم كلية الآثار جامعة القاهرة، باحث دكتوراة في القانون الدولي الخاص، كشفت عن عيوب المواد 24 و44 من قانون حماية الآثار ومنها تحديد مدة 48 ساعة للإبلاغ عن العثور علي أثر من لحظة العثور عليه، وهي فقرة ليس لها أي فائدة حقيقة لأن الشخص الذي عثر علي الأثر هو منفردًا من يعرف وقت العثور عليه ويجب إلغاء المدة المحددة، كما أن نص المادة 24 ,44 جعل قيمة الأثر احتمالية، وبالتالي إعطاء المكافأة احتماليًا أيضاً، حيث نصت المادة 24 (وللمجلس إذا قدر أهمية الأثر أن يمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة).
ومن خلال النصوص السابقة، يتضح أن القيمة التي يحويها الأثر احتمالية، بحيث من الممكن أن لا يعترف المجلس الأعلى للأثار بأن القطع الأثرية تحمل أي قيمة، وبالتالي لا محل لاستحقاق المكافأة، وهنا مكمن الخطر والعوار، حيث إنه ليس منطقيًا أن يقوم من عثر على الأثر بتسليمه للمجلس الأعلى للآثار طالما أنه من المحتمل أن يكون ما عثر عليه من وجهة نظر المجلس لا قيمة له ولا يستحق المكافأة عليه، وأيضاً في حال الاعتراف بالقيمة طبقًا للمادة 44 جعل استحقاق المكافأة جوازيًا وليس واجبًا.
وأردف الدكتور "ريحان" بأن المكافأة النقدية تخضع لتوفر مخصص مالي من عدمه، وهو ما سوف يؤثر سلبًا على قيمة المكافأة في حالة تقديرها رغم أن فكرة المكافأة فكرة جيدة للحفاظ علي عناصر التراث وتوفير قدر من الحماية المدنية له ولكن يجب ضبط صياغة المادتين 24 و44، بما يحد من اتساع دائرة التجريم وتحديد قيمة المكافأة من قبل اللجنة، وكذلك يجب أن يشترك في تحديد القيمة والمكافأة خبراء مدركين لقيمة السلع الثقافية على المستوى العالمي، وكذلك عدم ترك تحديد قيمة الأثر احتمالية فكونه أثرًا لابد من احتوائه على القيمة فبدونها لا يعتبر أثرًا من الأساس لأنها هي المعيار الأساسي لإسباغ صفة الأثرية.
وينوه الدكتور "ريحان" من خلال الدراسة إلى أن اعتبار المكافأة نقدية فقط ليس بالأمر الصائب لأن توفير مخصصات مالية ليس بالأمر السهل، وهو ما سوف يؤثر سلبًا على قيمة المكافأة، بحث تصبح عبثية قليلة القيمة، بحيث تدفع من يجد أثرًا أن يمتنع عن تسليمه، وبهذا سيكون تصرفه التالي هو ارتكاب ما يجرمه القانون، كما يجب التحول إلى المكافأة العينية أي تغيير طبيعة المكافأة ومنها على سبيل المثال إذا نظرنا لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 مادة 13، والتي تتناول الوظائف المحجوزة لبعض الفئات مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو مصابي العمليات الحربية ويجب اعتبار من يسلم أثرًا داخلًا في الفئات المذكورة بالمادة 13 من قانون الخدمة المدنية ويتم إيجاد وظيفة له على إخلاصه ووطنيته وأمانته.
ويختتم الدكتور "ريحان" بأن هناك أنواع عديدة للمقابل العيني والذي سوف يزيد من فاعلية فكرة المكافأة كفكرة حماية مدنية لعناصر التراث الثقافي، حيث أن الباعث علي عدم تسليم الآثار هو الرغبة في بيعها بغرض تحقيق الثراء وهي عملية محفوفة بالمخاطر والتي من الممكن أن تؤدي في النهاية إلي السجن, لذا فإن وجود مقابل عيني سيكون أكثر واقعية في مكافئة من قام بتسليم أثر لأنه في حالة الحصول علي وظيفة مثلًا يعتبر مقابلًا مجديًا، ومن ناحية أخرى نجنب المواطن الذي عثر علي أثرًا ويلات ومخاطر الخروج علي القانون, والمقابل العيني يحل مشكلة اجتماعية كالبطالة وتدني مستوي المعيشة اللذان يعتبران من أهم بواعث جرائم الآثار وغيرها من الجرائم التي تقع علي المال، وهنا يجب التأكيد علي البعد الاجتماعي أثناء تناول مشكلات وأشكال الحماية المرغوب تحقيقها لعناصر التراث الثقافي.
وأردف الدكتور "ريحان" بأنه لا توجد مواصفات معينة للشخص العادي في تحديد قمية العقار أو المنقولات المعثور عليها وهل تستحق التسجيل أم لا، وبالتالي فإنه سيقوم بالإبلاغ عن كل ما هو قديم مما يضيع وقت وجهد السلطات الأمنية.
ويرى أن تفعيل هذه المواد يحتاج إلى تعديل هذه البنود لتوسيع نطاق المكافأة لتشمل المكافأة العينية في وقت تزيد فيه نسبة البطالة وتوفير فرص عمل للشباب هو خير وسيلة لتشجعيهم عن الإبلاغ عن الآثار، كما يجب أن يصدر المجلس الأعلى للآثار مواصفات معينة للمواطن العادي للعقارات والقطع التي يشك في أثريتها، وكذلك تعديل قانون حماية الآثار ليبيح السماح بإنشاء المتاحف الخاصة تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار مما يدفع الكثيرون الذين يهربون ما لديهم من آثار إلى الخارج الاحتفاظ بها لأنها ستصبح مصدر رزق له مع تسجيلها كآثار مما يمنع تهريبها مع احتفاظه بملكيتها.
ويؤكد الدكتور "ريحان" بأنه لا يشترط في كل مبنى مر عليه 100 عام أن يسجل أثر، بل يجب أن تكون له قيمة معمارية وفنية وتاريخية، وأن المائة عام تحسب من تاريخ صدور قانون حماية الآثار عام 1983، بمعنى أن يعود تاريخ إنشاء المبنى لما قبل عام 1883.