"تاج".. وصفة تامر حسنى للإنسان السوبر!

"تاج".. وصفة تامر حسنى للإنسان السوبر!محمود عبد الشكور

الرأى19-7-2023 | 14:54

يضحكنى جدًا تامر حسني، وأراه من أظرف المغنيين الممثلين الشباب، وكثير من أغنياته، ليست فى الواقع سوى إفيهات خفيفة الدم، وبعضها كتب كلماتها ولحنها لآخرين، مثل أغنية بهاء سلطان "قوم أقف وأنت بتكلمني"، التى استلفتت اهتمام فؤاد المهندس، فوصفها بالأغنية الغريبة، والمدهش حقًا أن تامر يتمتع بحضور كوميدي، ينافس به ممثلين مصنفين على أنهم من الكوميديانات.

لكن ما يفعله تامر فى أفلامه الأخيرة من كتابة السيناريو، ووضع الموسيقى التصويرية، والإخراج، كما فعل فى فيلم "أحبك"، لا علاقة له بهذه الفنون، إنما هو اعتقاد خاطئ، بأنه يمتلك كل تلك المواهب الإضافية، بجانب الغناء والتمثيل، والمشكلة أن نجاح أفلامه التى يقوم فيها بكل شيء، يغريه بمزيد من التجارب، التى يضع أى حاجة، ويخلط فيها كل الأفكار، دون أن يدرك أنه يفسد مواهبه الأصلية، كممثل ومغنى خفيف الظل، أعماله مضبوطة على موجة جيله، والأجيال الأصغر منه.

فيلمه "تاج"، الذى عرض فى موسم عيد الأضحى، قام تامر أيضًا بكتابته، ووضع له الموسيقى التصويرية، وتنازل عن إخراجه لسارة توفيق، فجاء العمل نموذجا لهذه الفوضى، ورغم أن الفكرة براقة ومدهشة، باستلهام نموذج لبطل خارق مصري، مع لمسة سخرية من أفلام الخوارق، بما يقترب أحيانا من البارودي، أو المحاكاة الساخرة، ورغم أن الفيلم فيه الكثير من المشاهد المرحة المضحكة، ورغم تنفيذ مشاهد الخدع البصرية بشكل جيد عمومًا، إلا أن الفيلم صورة باهتة وعشوائية من سينما "كله على كله"، مع سيناريو بدائي، وحوار ساذج فى غالب الأحيان، أما موسيقى تامر التصويرية فهى تقتحم أسماعنا بطريقة مزعجة، وهى مجرد جمل موسيقية متناثرة، تعلو أحيانا فوق صوت الحوار، لخلل فى الميكساج، المهم أن يكون الفيلم ببصمة تامر، الذى يغنى ويمثل، ثم يتحزم ويرقص فى نهاية الفيلم!

" تاج يحيى العربي" أو تامر حسنى ليس سوبرمان أو باتمان أو سبايدرمان، لكنه كل هؤلاء، مضافا إليهم بطل طاقية الإخفاء، الذى يظهر ويختفي، والفتوة الهندي، الذى لا يؤثر فيه الرصاص، بل إن تاج يمتلك قدرات جنسية فائقة، يعنى "سوبر سوبر مان"، وقد ورث هذه القوة عن أسرته، كما أبلغه بذلك جده (أحمد بدير)، الذى يوصى حفيده، بأن يستخدم قوته فى الخير، وسيكون الجزء الأول كله استلهاما لأفلام السوبر الأمريكي، بمحاولة الشاب اليتيم تاج إخفاء قدراته عن حبيبته تامارا مدرسة الموسيقى، وعن أمه البديلة وجارته (هالة فاخر)، ثم تتكشف هويته، ويصبح بطلاً خارقًا يعرفه الناس، ويعجبون به.

أراد تامر تطوير الفكرة بظهور توأم ل تاج هو هارون (يلعب دوره تامر أيضًا)، وبالإضافة إلى الحكم التى ينطق بها تاج بشكل مباشر فى الحوار، فإنه أراد أن يجعل لهارون ملامح الأجنبى المتآمر، فاسمه هارون الخواجة (خد بالك)، فى مقابل الخارق الطيب الخاص بنا تاج العربى (لاحظ الرموز العميقة فى الاسم)، والمواجهة بين الاثنين، بمساعدة عمرو عبد الجليل، مدير إدار مكافحة الخوارق، او القوارض لا أتذكر بالضبط، يراد لها أن تعبر عن العربى الطيب، فى مقابل الخواجة الشرير، بل إن هذا الخواجة يريد أن يوظف تاج فى السرقة، مع أن هارون يمكنه أنه يسرق بنفسه، لكنه الشر الخام، الذى يصل إلى درجة محاولة قتل الخارق العربى الوحيد الذى رزقنا الله به، ويصل شر هارون وعصابته، إلى درجة محاولة تدمير الهرم وبرج القاهرة بالصواريخ (!!) فينقذنا تاج بقدراته الخارقة، ويعدنا فى النهاية بجزء آخر، لمزيد من المغامرات الاستثنائية.

لا نفهم على وجه التحديد معنى حكاية تاج، فلا هى محاكاة ساخرة كاملة للنوع، ولا هذه القدرة الخارقة مصحوبة بذكاء مثلاً، لكنها مختلطة بسذاجة وفوضى، كما أن تاج لم يهزم هارون، إلا بمعاونة عملاق آخر، وبطريقة شديدة الغرابة، هى إذن "خلطبيطة" تنتهى برقص تاج على واحدة ونص، "تورلي" خوارق، و"كوكتيل" ملابس من سوبرمان وسبايدر مان، وبدل التدريب الرياضية، وملابس أفلام الفضاء، وهيصة ومولد، مع فواصل جادة تقطع مشاهد عالية المسخرة، وتامر يفعل كل شيء، وتتوقع منه أن يفعل ما يشاء، المهم أن تضحك، وقد ضحكنا بسبب بعض المشاهد، أو بسبب هذه الفهلوة الخارقة، التى تشبه تعبئة الهواء فى زجاجات.

موهوب تامر بلا شك، ولو أنه عرف حدود ما يجيده، واستعان بمن يقدم فكرة بسيطة ساخرة فى سيناريو محكم، لكان الأمر أفضل بكثير، ولو اقتصرت الحكاية على محاكاة ساخرة لأفلام الخوارق، لكان الفيلم متسقا ومتماسكا، لكنه تحول إلى تقديم تامر نفسه باعتباره "الفنان الخارق" بتاع كله، وقد ارتبط مولد بطل خارق مصرى بمعنى بالفهلوة، وبالسبع صنايع، التى تنتهى إلى عدم إتقان أى صنعة.

لا شيء فى العرض سوى تامر، حتى ظهر عمرو عبد الجليل، فانتزع لنفسه بعض الإيفيهات، مثلما انتزعت هالة فاخر بعض الضحكات، بينما ظلت دينا الشربينى فى أداء باهت وتقليدي، واختفى حضور الشخصية تمامًا فى الجزء الأخير من الفيلم، ورغم أن المخرجة سارة توفيق تعرف كيفية تقديم مشاهد كوميدية جيدة، ولديها وعى بدور المون تاج فى ضبط مشاهد الحركة، إلا أن الفيلم عمومًا يفتقد التماسك، بسبب الكتابة والسيناريو البدائي.

فيلم "تاج" يثبت أن العمل الخارق الحقيقى الذى نعرفه هو الفبركة والفهلوة، وتحويل الأفكار المقتبسة إلى مسخرة.

إننا نستطيع أن نضحك طوب الأرض، وأن نضحك أيضًا على عقول الناس.

أضف تعليق