"البكباشي" يوسف صديق ابن بني سويف، أحد الضباط الأحرار والملقب بفارس ثورة يوليو 1952، دائماً ما يُذكر إسمه كلما حلت علينا ذكرى الثورة المجيدة والتي نحتفل بها اليوم بعد مرور 71عامًا على إندلاعها، وذلك لتمكنه من القبض على قيادات الجيش الملكي قبل تحركهم لإلقاء القبض على أعضاء تنظيم الضباط الأحرار وإنقاذه الثورة من الفشل.
مولد يوسف صديق
ومنقذ الثورة وفارسها إسمه، يوسف منصور يوسف صديق الأزهري، مواليد عام 1910، وكان جده "يوسف" ضابطًا بالجيش المصري، وتولى منصب حاكم إقليم كردفان بالسودان، وعندما اندلعت الثورة المهدية قُتل وأفراد أسرته ولم ينجو منهم سوى إبنيه "أحمد"، و"منصور" والد "يوسف"، وهربا إلى مصر، وأقام "منصور" بزاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطي بمحافظة بني سويف «مديرية بني سويف» وقتها مسقط رأس العائلة، وتزوج "منصور" ورحل عن الدنيا بعد إنجابه يوسف بعام، ومرت السنوات وأنهى "يوسف" دراسته بالمرحلة الإبتدائية عام 1924، بمدرسة القرية، لينتقل إلى القاهرة ويلتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية بالقرب من منزل الزعيم سعد زغلول، فاستمع إلى خطب زعيم الأمة وشارك في التظاهرات ضد الإنجليز، وفي عام 1930، ورغم ميله للشعر والأدب لم يأخذ بنصائح خاله وأسرته بالالتحاق بكلية مدنية، وفضل الالتحاق بالكلية الحربية ليتخرج ضابطًا بالجيش، وأطلق عليه "شاعر الكلية"، يلقي قصائده في المناسبات الرياضية بين كليته وكلية البوليس "الشرطة" حالياً.
نشأته ودراسته
وتخرج يوسف صديق ضابطًا من الكلية الحربية عام 1933، ليعمل بالسلوم ثم تنقل ما بين أماكن ووحدات عسكرية مختلفة منها القاهرة والإسماعيلية وأسوان وفلسطين والسودان، شارك يوسف صديق في حرب فلسطين 1948، وأبلى بلاء حسنًا وزملاءه في موقعة (أشدود)، ولم ينسه صوت المدافع واحتدام وطيس المعارك أن يكتب قصيدة وصف فيها منطقة سحر الطبيعة بمنطقة (أشدود)، وانضم "يوسف" للتنظيم عام 1951 وحضر العديد من الاجتماعات السرية والإعداد للثورة، واتفق الأحرار على الثالث والعشرين من يوليو 1952 موعدًا للثورة والقبض على قيادات الجيش واحتلال مقراتهم ومطالبة الملك بالرحيل، ورغم معاناة "يوسف" خلال تلك الفترة من نزيف بالرئة اليسرى يعالح منه، ومطالبة الأطباء له بالراحة وعدم الحركة، إلا أنه أصر على المشاركة مع الأحرار وتنفيذ دوره في تأمين مقر قيادة الجيش بعد احتلالها من قبل قوات الجيش بقيادة الضباط الأحرار.
يوسف صديق وثورة 23 يوليو
وفي ليلة ثورة 23 يوليو تحرك "يوسف" بمجموعته (مقدمة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة مشاه) من الهايكستب إلى مقر قيادة الجيش بكوبري القبة، مبكرًا عن الموعد المتفق عليه بساعة، ولم يكن يعلم أن الضباط الأحرار ألغوا المهمة بعد تسرب معلوماتها إلى الملك وأعضاء حكومته أثناء وجودهم بالإسكندرية، وأن قيادات الجيش الملكي يتوافدون على مقر قيادة الجيش لعقد اجتماعهم والإعداد للقبض على المشاركين في تنظيم الضباط الأحرار واعتقالهم بأمر من الملك، ووصل "صديق" إلى مقر القيادة بالعباسية وانتظر وصول القوات المقرر احتلالها المبنى، ولم يأت أحد، ورفع رأسه إلى السماء قائلاً: "أنا نسيت المعاد المتفق عليه ولا إيه، دلني يارب أنا صح ولا غلط؟" وتمكن من القبض على جميع القيادات والضباط القادمين إلى مقر القيادة، وفوجئ بقدوم جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، اللذان أرادا إخباره بإلغاء المهمة إلا أنهما علما بتحركه من زوجته التي اخبرتهما بخروجه من المنزل دون معرفتها لوجهته، وعند وصول "عبدالناصر" و"عبدالحكيم" مقر قيادة الجيش ونظراً لضعف الإضاءة ليلاً، استوقفتهما القوات وتحفظت عليهما، واصطحبتهما إلى "يوسف"، ليجدهما "ناصر" و"حكيم"، اللذان علما منه بإلقاء القبض على جميع القادمين إلى مقر القيادة، فقال "عبدالناصر" (العجلة دارت وماينفعش التراجع)، وكلف "يوسف" بمهمة أكبر من المتفق عليها من قبل، وهي القبض على من بداخل مقر القيادة والسيطرة على المبنى، وعاد "ناصر" و"حكيم" لتحريك وجلب باقي المركبات والقوات، واقتحم "يوسف" مقر القيادة وصعد للطابق الثاني وأطلق النيران على حارساً برتبة شاويش داخل المبنى، فأصابه في قدمه لعدم امتثاله لأمره ومحاولته المقاومة، وتمكنت القوات من ضبط جميع من بالمبنى، ودخل "يوسف" لمكتب الفريق حسين فريد رئيس أركان الجيش، فوجده مختبئًا خلف "برافان" رافعًا منديلاً أبيض بعد سماعه دوي إطلاق النيران، فألقى القبض عليه، وأجرى "يوسف" اتصالاً هاتفياً من تليفون مكتب رئيس الأركان باللواء محمد نجيب وأخبره بما حدث، وعرض عليه طلب رئيس الأركان تأمينه وأسرته، فوافق "نجيب" على ذلك، وسمع "يوسف" صوت الدبابات بالخارج فخرج ليجد البكباشى زكريا محيى الدين قد وصل بقواته.
ونجحت الثورة بدعم من الشعب الذي خرج إلى الشوارع في ربوع مصر معلنًا فرحته ومساندته الجيش، وطلب "عبدالناصر" ضم "يوسف" لمجلس قيادة الثورة لدوره البطولي ليلة الثورة الذي يعد سببًا رئيسياً في نجاحها، وحضر يوسف صديق أول اجتماع لمجلس قيادة الثورة ضم 14 ضابطاً حكموا مصر بقيادة محمد نجيب أول رئيس للبلاد بعد رحيل الملك، وكان يوسف صديق شاعراً محبًا لوطنه وله مجموعة شعرية بعنوان (ضعوا الأقلام) كما وضع له تمثالاً بالمتحف الحربي بجوار زملاءه من الضباط الأحرار، وذلك بحكم من المحكمة.
مرضه ووفاته
عانى "يوسف" من أمراض، نزيف الكلى والسرطان والسكر وسل العظام، لسنوات حتى وافته المنية في 31 مارس عام 1975، عن عمر يناهز 65 عامًا، ليشيع جثمانه ملفوفًا بعلم مصر ومحمولاً على عربة عسكرية في جنازة عسكرية رسمية وشعبية، حضرها محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر، وحسني مبارك وكان نائبًا للرئيس أنور السادات وقتها، وزملاء البطل من الضباط الأحرار ومن على قيد الحياة من مجلس قيادة الثورة وعائلته ومحبيه، وبرغم تاريخه الوطني المشرف لم يطلق إسمه على ميدان أو شارع أو مدرسة بالقاهرة أو محافظة بني سويف مسقط رأسه حتى الآن.