علموهم ضبط فى طلباتهم خلال الأزمات الاقتصادية.. "أولادك على ما تربيهم"

علموهم ضبط فى طلباتهم خلال الأزمات الاقتصادية.. "أولادك على ما تربيهم"صورة تعبيرية

نجده يجلس لساعات طويلة شارداً وربما باكياً، فهو طفل يرغب في تلبية متطلباته وأحلامه، ويجد الأب والأم أنفسهما أمام أزمة حقيقية، أزمة تحمل في طياتها صعوبات كثيرة، لعل أبرزها كيفية التعامل مع هذا الطفل البريء الذي لا يدرك ارتفاع الأسعار أو قلة الموارد المادية، فيشعر الآباء والأمهات وقتها بالتقصير تجاه طفلهم، فهم يرغبون فى ألا يحتاج إلى أي شيء، وألا يشعر بأنه أقل من غيره من الأطفال.. كيف يتعامل الآباء والأمهات مع أطفالهم في ظل الأزمة الاقتصادية.. هذا هو موضوع نقاشنا في السطور التالية.

فى البداية، تقول الدكتورة عزة زيان استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن هناك مدرستين، فهناك أب وأم لا يريدون إشعار أطفالهم بأي أزمة اقتصادية يمرون بها، حتى أن هناك منهم من يضطر إلى الاقتراض أو بيع أصول وذهب من أجل تلبية احتياجات الأطفال، وهذا بالطبع تصرف خاطئ لأسباب كثيرة منها أن الطفل لم يعتد على وجود أزمة اقتصادية وأن هناك أوقاتا نستطيع فيها تلبية احتياجاته وأوقات أخرى لا نستطيع، وبالتالي يحدث لديه نوع من التوازن فى الصرف وهذا ينمي لدى الطفل العديد من المهارات.

أما المدرسة الثانية فتنتهج مبدأ تعويد الطفل على الحياة بكل صعوبتها ومميزاتها، ولكن هذا يتوقف على المرحلة العمرية للطفل، ودرجة استيعابه.
فلو افترضنا أن الطفل يريد احتياجًا ما، وذهب إلى والده وأخبره بذلك فيمكن للأب أن يقول له إنه يمكنه شراء هذا الشهر القادم لأن فى هذا الشهر لدينا احتياجات أساسية مثل كذا وكذا، فإشراك الطفل فى الظروف أمر ضروري، لافتة إلى أنه ليس من المستحب أن نشعر أطفالنا بالحرمان طوال الوقت، مما يجعلهم يقسون على أنفسهم ولا يطلبون أية طلبات.


ومن المهم أيضا إشراك الطفل فى المتطلبات الحياتية اليومية فعند نزولنا للتسوق من السوبر ماركت من المهم أن يشارك الطفل فى إعداد قائمة المشتريات وينزلون معنا أثناء التسوق ومع الوقت الطفل يكون لديه الشعور بالمسئولية والمفاضلة بين الأسعار بشكل منطقي، وهذا يعود الطفل على ترتيب الأولويات ونتناقش معهم وكل أفراد الأسرة يشتركون معا فى الحوار من أجل ترتيب أولوياتهم.


وهذا يعتبر نوعا من أنواع احترام الطفل واحترام رأيه، فهناك من الأمهات والآباء من يصادرون على آراء أطفالهم بشكل صارم مما يجعل الطفل يشعر بالدونية وعدم انتمائه للأسرة، وبالطبع كل هذا يتوقف على درجة استيعاب الطفل كما ذكرت من قبل.
واذا تخيلنا مثلا طفل عمره 4 سنوات يريد حلوى فأقول له قبل الذهاب إلى السوبر ماركت سوف أشتري لك قطعتين فقط، فسيستوعب ذلك كثيرا وسيعتاد على المفاضلة بين الحلوى التي يرغبها ويشتري قطعتين فقط، فيصبح الأمر مقننا.
ولكن أهم شيء أن نشعره بأن طلبه سيؤخذ بعين الاعتبار فى حين توافر المال، ومن الممكن أن أربط تلبية هذا الاحتياج بثواب، فعلى سبيل المثال يقول له الأب سوف أشتري لك هذه اللعبة بعد نجاحك بتفوق فى المدرسة، فليس كل ما يطلب الطفل يجب علينا تلبيته.


روشته نفسية


ويقول الدكتور عبدالعزيز آدم، أخصائي علم النفس السلوكي وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية، إنه فى ظل العديد من التحديات الاقتصادية يبالغ بعض الأطفال فى متطلباتهم المادية ويعتبرون الأعياد مثلًا موسما للإسراف بلا حدود وشراء ما ينفعهم وما لا ينفعهم بشكل مغالى فيه، أو يبالغون فى طلباتهم الشخصية بشكل عام وهذا بدوره يولد لديهم العديد من السلوكيات الذميمة متمثلة فى اللامبالاة وعدم الشعور بالقيمة أو المسئولية. ومن هنا كان من الواجب علينا وضع بعض النصائح من الجانب النفسي فى صورة روشتة نفسية للآباء للتغلب على طلبات الأبناء قدر المستطاع فى ظل كل هذه التحديات الاقتصادية بعيدًا عن الإسراف واللامبالاة والتي تتمثل فى الآتي:


تعليم الأبناء القناعة


تربية الأبناء على سلوك القناعة لا سيما فيما يتعلق بمشترياتهم الخاصة هو منهج تربوي فى غاية الأهمية يعالج سلوك الأنانية والطمع لديهم. والإشكالية التي يعاني منها الكثير من الآباء، هي تقنين متطلبات الأبناء ومشترياتهم بالشكل الذي يحقق لهم الاكتفاء والرضا ولا يشعرهم بالنقص أو الاحتياج. لذلك يجب أولًا تعليم الأبناء أن قيمة الأشياء كالملابس مثلًا أو الألعاب ليس فى ثمنها أو كثرتها، وإنما القيمة الحقيقة فى فائدتها مهما كانت بساطتها فلا بد أن تمثل لهم قيمة لأنها من اختيارهم وتخصهم دون غيرهم

- لا يرتبط التبذير بالوجاهة والثراء:


فكرة التبذير والمبالغة فى المشتريات فيما يتعدى حدود مقدرة رب الأسرة واعتبار أنها مؤشر للرفاهية والثراء هو مفهوم مشوه يجب تصحيحه؛ التبذير هو سلوك سلبي جدًا وصفة تقلل من قيمة احترام الآخرين لنا وهي تفقدنا الشعور بالقيمة من الأساس.

تعزيز مفهوم أن المبالغة تفقدنا شعور الاستمتاع بالأشياء:
المبالغة فى أي شيء هو أمر غير مقبول، وهذه القاعدة تنطبق على ما نقرر شراءه، لذلك يجب أن يفهم الأبناء أنه كلما زادت المبالغة فى شراء أي شيء، كلما أهملناه وافتقدنا شعور الاستمتاع به من الأساس وفقدنا شغف الرغبة فيه
- كافئ الأبناء عند الاستغناء عن بعض ما لا يحتاجونه: امتداح الأبناء عندما يتحلون بالقناعة ويتنازلون عن بعض متطلباتهم غير الضرورية سيعزز لديهم مفهوم القناعة وعدم المبالغة فى مشترياتهم وطلباتهم بشكل عام مما يقلل العبء بشكل عام على رب الأسرة ولا يشعرهم أنهم أقل من غيرهم

وضع أولويات للحد من الإنفاق:
مهما كان حجم المتطلبات يجب ترتيبها فى شكل أولويات يتم الإنفاق عليها مع الأبناء فى حدود استطاعة رب الأسرة. فلا يصح مثلًا أن يبالغ الأطفال فى شراء الألعاب باهظة الثمن أو ملابس مبالغ فيها تؤدي إلى أن تحمل كاهل الأب فوق استطاعته وتكبله بالديون. مهما كانت المشتريات قليلة فهي تعني الكثير للأبناء طالما أنهم لا يرون أي تقصير من والديهم ناحيتهم.


الحوار بشفافية مع الأبناء:

عند التحاور مع الأبناء سيتضح لنا سبب إقبالهم المبالغ فيه أحيانًا على بعض المشتريات والمتطلبات التي لا تتوقف عند حد معين، ومن خلال هذا الحوار الودي ستتاح للوالدين الفرصة فى توضيح الحقائق وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديهم مع مشاركتهم فى التحديات التي يمرون بها.


الصراحة والوضوح


ومن جانبها، تقول الدكتورة ريهام عبد الرحمن الباحثة فى الإرشاد النفسي والتربوي جامعة القاهرة، إن هذا الأمر لا تعاني منه الأسرة المصرية فقط بل يعاني منها العالم أجمع، وفكرة التعامل مع الأزمة الاقتصادية تبدأ من الأسرة وأول شيء هو الصراحة والوضوح ويتمثل فى شرح الوضع بطريقة بسيطة، تتناسب مع جميع الأعمار داخل الأسرة، واحرص أثناء مناقشة الأمر مع الأبناء أن تكون مناقشة إيجابية لا تبعث على الشعور بالتوتر والقلق والخوف مثل «الفلوس خلصت ولسه قدمنا كتير على أول الشهر- أجيب منين إحنا مش هنلاقي ناكل» وهكذا.
ولكننا من الممكن أن نستفيد من تلك الأزمة فى تدريب أولادنا على ما يسمى الوعي المالي، فبجانب تفوق الطفل من الجانب العلمي يجب أن يكون لديه وعي بالأمور المادية، وهو يتمثل فى تعليم ابني كيفية ترشيد الاستهلاك، بداية من الترشيد فى استهلاك المياه واستهلاك الكهرباء، وأيضا تعليم الطفل الانصراف عن الأشياء غير الضرورية وترتيب الاولويات، الأهم ثم المهم، ومن هنا يتم تعويد الطفل على تحمل المسئولية.

أيضا يجب إشراك الطفل فى انتقاء الأشياء من السوبر ماركت حسب العروض المتاحة وانتقاء الأفضل والأقل سعرا، ومن الممكن استبدال الأشياء الباهظة الثمن بأشياء متوسطة القيمة فنعيش نفس السعادة ولكن لا ننفق الكثير، وأعلم ابني ثقافة الادخار فى حصاله خاصة به من مصروفه اليومي أو العيدية، فالادخار يجعله يحسن التصرف فى المال ويدرك قيمته.
أيضا لا بد من أن أقدم التوعية للطفل من خلال تقسيم مدخراته ما بين الاحتياجات الترفيهية والاحتياجات الأساسية مثل الملابس والطعام والحاجة أيضا إلى العطاء «الصدقة»، أيضا يجب أن أجعل الطفل يفرق بين الاحتياجات والرغبات وأن ينتقي كل ما هو مفيد له، فالاحتياجات تكون أساسية ولا يمكن تأجيلها ولكن الرغبات يمكن تأجيلها ومن هنا يتم إدارة الأزمة الاقتصادية، مع تجنب الخلافات ما بين الأب والأم بسبب الأمور المادية خاصة أمام الأطفال لأنه للأسف زادت الخلافات الأسرية وارتفعت نسبة الطلاق بعد الأزمة الاقتصادية بنسبة 80%.

الصبر والاحتمال والمسئولية

وتقول الدكتورة منى شاكر، استشاري نفسي وعلاقات أسرية، إنه فى ظل ما تمر به الأسر من أزمات اقتصادية مسببة ضغوطا نفسية على جميع أفراد الأسرة، فالأب والأم يشعران بالضغط النفسي لأنهما يرغبان فى تلبية احتياجات أطفالهما بشكل كامل، ويشعران بأن عدم القدرة على تلبية أي طلب من متطلبات أطفالهما نوع من أنواع التقصير.
فنحن غير مطلوب مننا كأهالي أن نعيّش أطفالنا فى حياة رغدة، وأن يكون هناك كمال فى المعيشة، لذا يجب أن نبني جيلا يشعر بالصبر والاحتمال قادرا على مواجهة الأزمات، وأن يكونوا على قدر المسئولية وفى نفس الوقت لديهم اتزان فى شخصيتهم، بعكس أطفال كثيرة تعودوا على الإسراف والبذخ.
والحل يتمثل فى عدم تلبية جميع الطلبات فى وقتها، فالتربية ليس معناها أن ألبي طلبات أطفالنا جميعنا، ويجب أن يطمئن الأهل أنه ليس مع ضيق الحال وقلة الإمكانيات تأثير على أولادنا تماما.

وهناك جانب إيجابي من الأزمة الاقتصادية التي نمر بها وهي خلق مبادئ جيدة فى أطفالنا ستساعدهم عندما يكبرون، فعند مواجهة أي أزمة فى حياتهم سيتذكرون ماذا فعل آباؤهم معهم وسيفعلون نفس الشيء مع أطفالهم.
ومن ضمن الأشياء الجيدة التي سيتعلمها الطفل الصبر والقناعة والعطاء ونعلمهم الانتظار من أجل الوصول إلى حاجتنا.
وإذا حدث نوع من مقارنة الطفل نفسه بأصدقائه من الضروري أن نذكره بالنعم الموجودة فى حياته ومن الممكن أن تكون غير موجودة لدى صديقه، ونعلمه أن يطلب من الله تحقيق جميع احتياجاته دون النظر إلى ما عند صديقه، ونعلمهم الاستبدال بدلا من المنع فيمكن استبدال شيء لا أحتاجه بشيء أحتاجه ولا أمنع منه شيئا.
أيضا من الضروري منع الطفل من مشاهدة فيديوهات على الإنترنت يكون بها أشخاص يعرضون ما لديهم من نعم سواء أكل أو ملابس أو ألعاب وغيرها؛ لأن هذا الأمر سيؤثر على نفسيتهم كثيرا.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2