رؤية قائد.. وبناء دولة "1"

صباح الجمعة 26 يوليو 2013 كانت درجة الحرارة تتجاوز 37 درجة مئوية، فى القاهرة، كما بلغت 43 درجة مئوية فى بعض محافظات الصعيد، ورغم الحرارة العالية وخلال شهر رمضان، حيث وافق ذلك اليوم 18 رمضان، لم تستطع أن تقلل من عزيمة المصريين فقد كانت لديهم ثقة فى رؤية القائد الذي هتفوا باسمه فى كل الميادين يطالبونه بالاستجابة لقيادة دفة الوطن «انزل يا سيسي.. مرسي مش رئيسي».

فخرجت الملايين إلى الميادين تهتف باسم الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لتمنح القوات المسلحة والشرطة تفويضًا لمواجهة الإرهاب، والحفاظ على أمن واستقرار الوطن.

وقد جاءت الاستجابة لتعبر عن مدى ثقة الشعب المصري فى القائد.

لم يكن المصريون يستهدفون ذلك فقط، بل كانوا يرسلون رسالة إلى العالم تدلل أن ثورتهم الشعبية فى 30 يونيو والتي حماها الجيش المصري، كانت تعبر عن المصريين، وتفوض القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، ليس فقط لمواجهة الإرهاب إنما لقيادة الوطن فى مواجهة التحديات والتهديدات.

وجاءت استجابة المشير السيسي لنداء المصريين لقيادة دفة الوطن، فى مرحلة كانت من أدق وأهم الفترات فى عمر الدولة المصرية.

ليبدأ الرئيس السيسي عقب انتخابه رئيسًا للبلاد وأدائه اليمين الدستورية فى يونيه 2014 العمل من أجل بناء دولة قوية وتنفيذ أكبر عملية تنمية فى تاريخ مصر، فكان لتلك الرؤية دور مهم فى أن تنجح الدولة فى مواجهة التحديات.

لقد جاءت تصريحات المشير عبدالفتاح السيسي فى خطاب إعلان ترشحه فى 26 مارس 2014 محددة للمسار الذي سيسلكه لبناء الدولة والمنهج الذي سيتبعه والرؤية التي سيعمل على تنفيذها.

قائلاً: «لابد من إعادة بناء جهاز الدولة لكي يستعيد قدرته ويزيد تماسكه، وكذلك عجلة الإنتاج، لإنقاذ الوطن من مخاطر حقيقية».

فقد حدد المشير السيسي فى ذلك الوقت ضرورة أن يتكاتف الجميع وأن يكون للشعب دور فى بناء الوطن، فالتحديات تحتاج منا جميعًا الالتفاف حول الدولة والحفاظ عليها فى ظل حالة عدم الاستقرار فى المنطقة والأزمات والمشكلات المتراكمة على مدى عقود.

جاء البرنامج الانتخابي للرئيس السيسي والذي نشرنا أجزاءً منه بمجلة أكتوبر فى مارس 2014 تؤكد أن رؤية الرئيس ترتكز على مجموعة محاور لإعادة بناء الدولة المصرية.

أولاً: ضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة وتثبيت أركانها لتكون قادرة على مواجهة التحديات.

ثانيًا: ضرورة أن يكون حوار دائم مع الشعب ليكون شريكًا فى تحمل المسئولية، ويأتي ذلك من منطلق ثقة الرئيس فى أن الشعب المصري قادر على مواجهة التحديات للحفاظ على الوطن.

ثالثًا: العمل فى خطوط متوازية فى كل الملفات، فى ظل تراكم المشكلات، للإسراع فى إيجاد حلول لها مع العمل وفق منهج علمي وباحترافية شديدة.

رابعًا: الاستفادة من القدرات الشبابية لدى الدولة المصرية والتي تصنف وفق التصنيف الديموجرافى للسكان أنها دولة شابة.

خامسًا: تنمية قدرات الدولة المصرية فى كل القطاعات للوصول إلى المستوى الذي يليق بدولة تملك إرثًا حضاريًا ضاربًا بجذوره فى أعماق التاريخ.

سادسًا: إعادة اكتشاف قدرات الدولة المصرية والحفاظ على مواردها والاستفادة منها فى تنمية الدولة.

من هنا انطلقت عملية بناء الجمهورية الجديدة، وفق معايير تتفق مع طموحات الشعب المصري لوطن أكثر قوة، قادرًا على مواجهة التحديات والنهوض ليصبح فى مصاف الدول الكبرى.

كان لا بد أن يبدأ بناء الدولة بمشروع وطني عملاق يثبت قدرة المصريين على النهوض بدولتهم من كبوتها.

ولم يكن المشروع مجرد توجه لكنه كان رؤية استشرافية جاءت بناءً على دراسات وتقدير موقف سليم، ففي ذلك الوقت كانت الصين تعمل على إعادة إحياء مشروع طريق الحرير والذي تعتبر قناة السويس هي إحدى النقاط المهمة فى ذلك الطريق، الأمر الذي يستوجب ضرورة تطويرها لاستيعاب حركة التجارة العالمية القادمة من وإلى الصين، فتم العمل بالمشروع وطلب الرئيس أن يتم التنفيذ خلال عام واحد ليرسل رسالة جديدة للعالم أن هذا الشعب إذا أراد فعل وإذا قرر نفذ قراره على أرض الواقع، ولم تمض سوى 365 يومًا على القرار حتى شاهد العالم عبور السفن العملاقة فى المجرى الملاحي الجديد لتقدم مصر هديتها إلى العالم وتقليل زمن العبور ليكون 11 ساعة بدلاً من 18 ساعة لقافلة الشمال.

وتقليل زمن الانتظار للسفن ليكون 3 ساعات فى أسوأ الظروف بدلاً من (8 إلى 11 ساعة) مما ينعكس على تقليل تكلفة الرحلة البحرية لملاك السفن ويرفع من درجة تثمين قناة السويس.

وكذا الإسهام فى زيادة الطلب على استخدام القناة كممر ملاحي رئيسي عالمي ويرفع من درجة تصنيفها.

بالإضافة إلى زيادة القدرة الاستيعابية لمرور السفن فى القناة لمجابهة النمو المتوقع لحجم التجارة العالمية فى المستقبل، كخطوة مهمة على الطريق لإنجاح مشروع محور التنمية بمنطقة قناة السويس ودفع عجلة الاقتصاد القومي المصري لتحويل مصر إلى مركز تجارى ولوجيستي عالمي.

وكذا ارتفاع نسبة الازدواج فى القناة إلى 50%.

وتنجح هيئة قناة السويس فى سداد مستحقات المصريين، ويثبت المشروع أهمية تنفذه فى ذلك التوقيت، فقد ارتفع عدد السفن العابرة ل قناة السويس وامتلكت مصر القدرة بعد أن استطاعت امتلاك اثنين من أكبر الكراكات فى الشرق الأوسط والتي يجري العمل بهما حاليًا فى مشروع توسعة المدخل الجنوبي للقناة، وترتفع عائدات قناة السويس لأكثر من الضعف، ويتحول محور قناة السويس إلى أكبر منطقة لوجستية، وشهدت خلال السنوات التسع الماضية أكبر عملية تنمية غير مسبوقة.

وأسقط المشروع كل الأكاذيب التي روجتها الجماعة الإرهابية، كما أطاح بأحلام من حاولوا عبثًا الحديث عن وجود بديل ل قناة السويس والدليل هو ما حدث خلال أزمة السفينة إيفرجيفن والتي جعلت العالم يدرك قدرة المصريين، وترسل رسالة جديدة مفادها أنه لا بديل عن هذا الشريان العالمي للتجارة الدولية.

لتؤكد صحة رؤية الرئيس بضرورة إنجاز المشروع خلال عام واحد، خاصة أن سرعة إنجاز المشروع ساهمت فى تقليل التكلفة وكذا عملت على توفير المزيد من فرص العمل لمواجهة غول البطالة الذي كان قد اقترب من 14%.

فى ذلك الوقت كانت عمليات مواجهة الإرهاب مستمرة بالتوازي معها بدأت مشروعات التنمية تصل إلى كل أنحاء مصر وفى كل القطاعات، لكن ذلك لم يكن ليحدث ما لم يكن الشعب المصري مؤمنًا بمشروعها الوطني فحرص الرئيس على أن يشرك المواطن فى كل التفاصيل خلال إدارته لحوار مع المسئولين خلال افتتاح المشروعات.

وكان العمل على قطاع البنية التحتية والطرق أحد الأولويات فى رؤية الرئيس فلم يكن للدولة القدرة على عرض الفرص الاستثمارية لديها ما لم تمتلك شبكة قوية من الطرق قادرة على تلبية احتياجات أصحاب رءوس الأموال لنقل البضائع من وإلى مراكز الإنتاج والموانئ فكانت الشبكة القومية للطرق بمثابة شرايين للتنمية خلقت فرص عمل لتقليل حجم البطالة ورفع مستوى معيشة الأسر فى الوقت ذاته خلقت فرصًا استثمارية.

فقد جاءت تصنيف الدولة المصرية فى جودة الطرق عقب تنفيذ تلك الشبكة لينتقل من المرتبة 113 إلى المرتبة 28 على مستوى العالم.

وتقلل المحاور المرورية من حجم التلوث، فلولا المحاور المرورية التي أنشأت فى القاهرة لما استطعنا الحركة داخل العاصمة منذ 3 سنوات بحسب التقارير الدولية والتي أكدت أن الحركة المروية القاهرة ستصاب بشلل تام عام 2020.

ولنتوقف عند مثال واحد فى هذا الملف ليؤكد أن ما شهدته مصر خلال السنوات الـ 9 الماضية كان أولوية ساهمت بشكل كبير فى عبور العديد من الأزمات لولاها لما كانت مصر قادرة على مواجهة التحديات وحل المشكلات.

وعلى سبيل المثال لأهمية الشبكة القومية للطرق نجد أن مدخل طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي من شبرا وحتى مدينة بنها كان بمثابة أزمة مرورية مزمنة؛ تصاب فيها الحركة المرورية بالشلل التام خلال أوقات الذروة مما يتسبب فى إهدار كميات كبيرة من الوقود للسيارات المستخدمة للطريق قدرت بأكثر من ٨٠٠ طن من المواد البترولية يوميًا، حيث كان عدد السيارات المستخدمة للطريق يبلغ 160 ألف سيارة يوميًا، بالإضافة إلى التلوث وكان زمن الوصول من شبرا الخيمة إلى بنها يتجاوز فى بعض الأحيان الساعتين والنصف ساعة، ليساهم محور بنها الحر فى حل الأزمة المرورية ويحدث حالة سيولة غير مسبوقة ويصبح زمن الوصول لا يتجاوز من 20 إلى 25 دقيقة.

كما ساهم المشروع فى توفير 30 ألف فرصة عمل وسحب كثافات مروية بلغت 40% من حجم الكثافة المرورية على مدخل طريق مصر الإسكندرية الزراعي باتجاه القاهرة.

كما استطاعت المحاور والطرق أن تربط كل أنحاء الجمهورية وتصل إلى المناطق المستهدفة للاستثمار سواء الزراعي أو الصناعي أو الخدمي.

فكانت محاور النيل بمثابة شرايين حقيقية تربط غرب النيل بشرق النيل للاستفادة من الموارد والثروة المعدنية شرق النيل وكذا منطقة المثلث الذهبي التي كانت إحدى المناطق المستهدفة فى برنامج الرئيس لتنميتها.

أما سيناء والتي ظلت لسنوات بعيدة تمامًا عن التنمية فقد شهدت أكبر عملية تنمية فى تاريخها تجاوزت 800 مليار حتى الآن، ما بين مشروعات بنية تحتية ومشروعات صناعية وزراعية وثروة سمكية وإسكان وسياحة، كما دخلت محافظتا شمال وجنوب سيناء المرحلة الأولى لمشروع التأمين الصحي الشامل وتم تطوير عدد من الموانئ مثل مينائي العريش والطور وكذا مطار العريش وسانت كاترين والمليز وشرم الشيخ، فى الوقت ذاته تم العمل على ربط سيناء بالوادي فأنشأت الدولة 5 أنفاق أسفل قناة السويس كما تم نقل مياه الري إلى سيناء لزراعة 750 ألف فدان فى وسط وشمال سيناء لخلق دلتا زراعية جديدة.

وقد كان ذلك أيضًا أحد أهم الأولويات للحفاظ على الأمن القومي المصري، فقد كان من الضروري أن تصل التنمية إلى تلك البقعة الغالية من أرض الوطن بعد أن تركت لسنوات لتصبح ملاذًا للإرهاب، ولم يكن ذلك ليحدث أيضًا لو لم تقم الدولة المصرية بمعالجة مياه مصرفى المحسمة وبحر البقر والتي تقدر بـ 5 ملايين متر مكعب يوميًا، معالجة ثلاثية لاستخدام تلك المياه فى ري هذه المساحة الزراعية كما لم يكن هذا ليحدث لو لم تطور الدولة شبكة الكهرباء لتصبح قادرة على تغطية سيناء بالكامل وتوفر مناخًا جاذبًا لإعمارها بالبشر.

كما أن المشروع القومي لتطوير البحيرات ساهم فى زيادة إنتاج بحيرة البردويل والتي تعد من أنقى البحيرات على مستوى العالم.

إنها عملية تطوير وتنمية لقدرات الدولة المصرية.

لقد جاء حديث الرئيس فلاديمير بوتين خلال القمة الروسية الإفريقية دليلاً على أن الرؤية التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعمل على تنفيذها خلال الفترة الماضية كانت هي الأصوب، فما أعلنه الرئيس الروسي خلال القمة عن أن المنطقة الصناعية الروسية فى منطقة شرق بورسعيد بمحور قناة السويس ستكون بمثابة نقطة انطلاق للصناعات الروسية إلى إفريقيا، دليل على نجاح الرؤية المصرية.

ونواصل فى العدد القادم استعراض ما حدث فى قطاعات أخرى يدلل على أن المسار الذي انتهجته مصر كان الأصوب والذي جعلها قادرة على مواجهة الأزمات العالمية.

أضف تعليق