صَوَّر يا زمان

صَوَّر يا زماننصر سالم

الرأى1-8-2023 | 14:05

فى إحدى الزيارات للولايات المتحدة الأمريكية، اقترح علينا أحد الأصدقاء زيارة مركز كيندى للفضاء التابع لوكالة أبحاث الفضاء الأمريكية «ناسا»، وكانت فرصة طيبة لا يمكن التفريط فيها، وبالفعل اصطحبنا الصديق فى سيارته من مدينة «تامبا» فى الصباح وتوجهنا إلى مركز كيندى الكائن فى ولاية فلوريدا، وهو مركز أعد لإطلاق الصواريخ المأهولة برواد الفضاء وبه مجمع الإطلاق 39، إضافة إلى رابع أكبر مبنى فى العالم لتجهيز الصواريخ، وعند نقطة معينة قبل الوصول إلى المركز تركنا سيارتنا الخاصة، وركبنا أتوبيسا تابعا للوكالة مع عدد آخر من الزائرين أمثالنا، وانطلق بنا إلى داخل المركز من خلال محمية طبيعية تعج بأنواع مختلفة من الحيوانات المفترسة، مثل الأسود والنمور وغيرها، تنتابنا أحاسيس كثيرة من الدهشة والخوف والحذر ونحن نسمع ونطيع تعليمات مرافقنا، الذى يوجهنا ويحذرنا من عدم القيام بأى حركة قد تثير أحد هذه الحيوانات، وإلا حدث ما لا يُحمد عقباه، إلى أن انتهى بنا المطاف إلى داخل المركز، وبدأنا برنامج الزيارة والمرور على أغراض ومناطق كثيرة، رأينا فيها كل ما يجرى من إعداد لرحلة الفضاء على الأرض حتى إطلاق الصاروخ العملاق حاملا مركبة الفضاء إلى المسار المخطط لها.

وفى المرحلة الأخيرة من المرور داخل المركز دخلنا إلى صالة عرض سينمائى لا مثيل لها من حيث الحجم، أو المقاعد الموجودة بها لجلوس الزائرين، والتي تم تجهيزها للاستجابة لذبذبات الأصوات التى تصدر داخل قاعة العرض السينمائى حتى تشعرك أنك تعيش الحدث الذى يعرض على الشاشة - ولا تتفرج عليه فقط - أما شاشة العرض فهى الأكبر مساحة فى العالم من أى شاشة، ويبدأ العرض السينمائى بإطلاق مكوك فضائى بكل المؤثرات الصوتية والضوئية لدرجة تشعر الجمهور فى الصالة والمكوك ينطلق فى اتجاههم أنه سوف يقوم بدهسهم جميعًا فيقوم كل منهم بالتثبت بمقعده الذى يتأرجح بعنف مع تلك الذبذبات الصوتية الفائقة، وبعد فترة الدهشة والقلق - وقد يصيب البعض حالة من الخوف ، يرتفع المكوك عن الأرض ويبتعد عن المشاهدين ويرتفع رويدًا رويدًا حتى يستقر فى مداره حول الأرض.

ويبدأ مكوك الفضاء ببث صور الأرض التي يمر فوقها، وتظهر هذه الصور على شاشة العرض العملاقة أمامنا.. وكان من الطبيعى أن يبدأ ظهور الصور من بداية الرحلة، حيث القارة الأمريكية، وفيها الولايات المتحدة الأمريكية فنرى مساحات خضراء لا نهاية لها وأنهار لا تُعد ولا تُحصى، ويستمر المكوك فى عرض صور جميع المناطق التى يمر فوقها وجميعها خضراء يانعة ومدن متلألئة باهرة مرورًا بكندا، ثم القارة الأوربية بمدنها وغاباتها ومزارعها ويتجه المسار جنوبًا فوق البحر المتوسط، وصولًا إلى القارة الإفريقية مباشرة فتختلف الألوان تمامًا من الأخضر إلى الأصفر، ويقفز بصرى كالبرق متلهفًا على خريطة مصر، فأجدنى قد غُصت فى مقعدى، وأنا أتلفت حولى ولسان حالى يقول «هل يرانى أحد؟»، وقد انتابنى إحساسان متلازمان لا أنساهما، الأول هو الخجل، أهذه مصر، بلدى صفراء صحراء جرداء أكثر من مليون كم2 ليس فيها من لون أخضر إلا كخط بالقلم فوق الخريطة لا يتجاوز عرض نهر النيل ولا طوله، كم يبلغ مساحة الجزء المعمور فيها 5% أو 6% يالعجز الرجال وقلة حيلتهم، أما الإحساس الثانى فكان غيرة بلا حدود على هذا الوطن، أكل هذا رغم الملايين التسعة من الأفدنة مساحة الأرض المزروعة فى مصر، ماذا لو لم نبنى السد العالى؟.

كانت هذه الزيارة وهذه الصورة قبل ربع قرن من الزمان الآن أرانى أشتاق لرؤية مصر الآن، لا من صورة فضائية كتلك التى تم عرضها من سنوات قليلة لحجم التآكل فى الأرض الزراعية والتبوير الذي حدث لها حتى تتحول إلى مبانى ولكن من خلال صورة حديثة لمصر وقد تم فيها استصلاح وزراعة مليون ونصف الفدان، بالإضافة إلى 100 ألف فدان من الصوب وهى تساوى مليون فدان من الأرض العادية فى حجم الإنتاج.

أريد أن أرى صورة الدلتا الجديدة بمساحة (مليونين ومائتى ألف فدان)، وهي تُروى من نهر صناعي عظيم أنشأه المصريون بأيديهم وملؤوه بأكثر من 6 : 8 مليار متر مكعب من المياه بعد تنقيتها بأحدث الطرق فى ثلاث مراحل بعد أن كانت تذهب هباءً إلى البحر، أو يتم الرى ببعضها خطأ لتصيب المصريين، بأسوأ الأمراض من أورام وفشل كبدي وكلوى.. إلخ.

أريد أن أرى المدن العشرين الجديدة من الجيل الرابع من المدن التى أُضيفت إلى خريطة مصر وإلى كتلتها الحيوية كإحدى قوى الدولة الشاملة، مع شبكة الطرق الحديثة والمتطورة وخطوط المواصلات الحديثة من قطارات ومونوريل وقطارات فائقة السرعة تغطى مصر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.

أريد أن أرى سيناء وما حدث فيها وما أضيف لها من شبكة طرق وأراضى مستصلحة وموانى جوية وبحرية.. إلخ، بعد أن تم إنهاء فصلها القسري عن الكتلة الرئيسية للوطن، بحفر وإنشاء تلك الأنفاق الستة تحت قناة السويس، إضافة إلى الكبارى الثابتة والمتحركة.. أريد أن أرى النصف مليون فدان، التى تم استصلاحها فى سيناء وتُروى بمليونى متر مكعب من المياه المنقاة، تعبر إليها يوميًا من سحارتى سرابيوم والمحسمة أسفل قناة السويس.. أريد أن أرى مزارع توشكا والعوينات الأكثر من مليونى فدان، والتى أضيفت إلى الخريطة المصرية وكذا مزارع الأسماك فى سيناء وفى سائر مصر والكثير والكثير.

حمى الله مصر وصان ترابها بعزة وإرادة رجالها.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2