مى رشدى صالح تكتب: حتى جنكيز خان!

مى رشدى صالح تكتب: حتى جنكيز خان!مى رشدى صالح تكتب: حتى جنكيز خان!

*سلايد رئيسى26-3-2017 | 00:16

هولاكو خان.. هذا هو ملك التتار الذى أرعد وأهلك ملوك وأمراء أقطار الأرض شرقا وغربا، فكان كأنما طوفان الموت يسابق الزمن فى كل شبر عليها.
لم تعرف البشرية وحشية ولا فجرا، ولا هلاكا كما عرفت على يديه ولم ير التاريخ إجراما وإبادات جماعية خاصة للمسلمين كما لحق بهم وبديارهم فى زمنه، حتى إن مجرد ذكر اسمه كانت تتخلع له القلوب وتتهاوى الهمم والآمال فى مجرد الحلم للتصدى له فتخرج آلاف الجموع تارة جزعة من أرض إلى أرض هلعا واحتسابا لفناء محقق وهم فى فزعهم لا يلامون لأن تلال الأشلاء والموتى كانت ترى النيران تضرم بها على بعد مئات الأمتار منهم.
إما القلاع والحصون فكانت تنسحق وتتهاوى لا تقم لها قائمة أمام زبانية جهنم من رجاله وقادته.
وبكل صرامة وعنف أحكم التتار قبضتهم على نصاب الأمور وأمسكوا بأطراف بلاد الأرض إمساكا شديدا واتبعوا سياسات سابقة وضعها قبلهم أجدادهم وعلى رأسهم جنكيز خان والذى يعد جد ملوكهم الذى ينتسبون إليه اليوم وحددوا لأنفسهم أهدافا طموحة فى السيطرة على البلاد التى فتحوها وطبقوا نظاما واحدا لم يتغير ألزموا أنفسهم به دون تهاون ولا تهاود ويوم أن عرفوا للوساطة والمحسوبة بديلا دبت الخيانات وانقسمت الأهواء وسادت أشباه الكفاءات فسهل هزيمتهم ودحرهم، والتاريخ شاهد على ذلك وعلى مثله الكثير.
جنكيز خان لم يعرف له أب ولا دين فزعمت أمه أن حملها به جاء من شعاع الشمس ومثل هذه الإدعاءات كان تقبل فى مجتمع مثل مجتمعاتهم الفوضوية لكنه اشتهر بالعقل السياسى والشجاعة والكرم والتدبير الجيد للملك وللرعاية خلاف ما اتصف به حفيده هولاكو من غدر ووحشية وفجر.
ولما زادت طوائف التتار من حوله وقويت شوكته رأى أن يضع "الياسا" وهى مجموعة قوانين يتحاكمون ويحكمون بها وإن كان أكثرها مخالفا لشرائع الله تعالى وكتبه ومنها أن من يزنى يقتل وإن كان محصنا أو غير محصن ومن لا يقتل ومن يتعمد الكذب أو يتجسس أو يسحر يقتل ومن يبول فى الماء الواقف أو ينغمس فيه أو يطعم أسيرا أو يكسوه بغير إذن أهله فيقتل كذلك- ومن أكل ولم يطعم من عنده فيقتل كذلك ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولا ولو كان المطعوم أميرا أو ملكا..
وكانوا كذلك لا يتعرضون لمال ميت وقد كان جنيكز خان يرى أن التجار هم عمارة الأقاليم فلما أرسل إلى خوارزم شاه ملك خراسان وإذربيجان والعراق وغيرها من الأقاليم المجاورة- وكان خوازم بالهدايا والتحف وكان يقصد بإرسالهم إليه أن يمهد الطريق للمهادنة بينهما ثم حين استوثق من قتل خوارزم لتجارة عمدا متعمدا وهم رجال كانوا على دينه قام بغزو بلاده فلقى خوارزم هزيمة نكراء على يد جنكيز خان أباد بها ملكه وتملك بلاده كلها من بعده وجاء التاريخ بما جاء.
ويحكى عن بعض كرمه أن ثلاثة رجال قضت "الياسا" بقتلهم فإذا بامرأة تبكى وتلطم فأمر أن يؤتى بها وسألها عن هذا العويل واللطم.
أجابت المرأة أن الثلاثة هم زوجها وأخوها وابنها عندئذ خيرها جنكيز خان أن تختار من بينهم واحدا.. يبقيه لها على قيد الحياة ويطلقه لها فأجابت المرأة: إن الزوج يجئ مثله والابن كذلك إما الأخ فلا عوض له فاستحسن ردها وأطلق الثلاثة لها.
لا أقصد مدح جنكيز خان ولا أحفاده ولا أمجد أفعالهم ولكن حتى جنكيز خان وما جاء بعده وبه من كوارث ومهالك كان يربى فكرا بين قومه ويبلور طموحا لأجيال تتوالى من بعده وأهدافا يتوارثونها فتتبلور فى أذهانهم وحياتهم قيمة الوقت والإحساس بقيمة الإنجازات وعلين ينشأ كل جيل جديد تحت مظلة من الأنظمة والتخطيط يكمل بها رحلة الألف ميل فمن يغر المعقول أن كل مشروع أو خطة نبدأ فيها من الخطوة الأولى لنؤكد أن ما قبل الخطوة الأولى كانت الخطوة صفر ثم نبتهل ونتضرع أن تمهلنا الأيام والليالى الفرصة وتمد فى أعمار مناصبنا وسلطاتنا لنكمل الألف ميل فلا الألف ميل حينئذ تنقطع ولا حتى الألف بوصة.
فلا ينطبق علينا أى وصف أو أهمية فى تاريخ الأمم طالما لا نملك حتى "الياسا" مثل التى ملكها جنكيز خان فلا عزاء لنا لأننا لم نكن.
    أضف تعليق

    الحكومة الجديدة ومواجهة التحديات

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2