الحكومة الجديدة ومواجهة التحديات

لا شك أن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي الثانية (الحكومة الجديدة) تأتي فى ظل ظروف وتحديات صعبة، نظرًا للمتغيرات الدولية والأحداث، التي تضرب العالم وفي قلبها منطقة الشرق الأوسط، لتؤثر بشكل كبير على الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، الأمر الذي يخلق العديد من التحديات أمام الحكومات الحالية.

جاء اختيار الدكتور مصطفى مدبولي لأعضاء حكومته عقب تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي له بتشكيل الحكومة، متوافقًا مع التوجيه الذي أكد عليه الرئيس فى 3 يونيو الماضي أن تكون من ذوي الكفاءات، والخبرات والقدرات المتميزة، وتعمل على تحقيق عدد من الأهداف، على رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية.

ووضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، خاصة فى مجالات الصحة والتعليم، ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، وكذلك على صعيد ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه فى هذا الصدد، وتطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني، والخطاب الديني المعتدل، على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.

شملت التغييرات دمج عدد من الوزارات واستحداث أخرى كما شملت تعيين 22 نائب وزير و32 نائب محافظ.

أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية الأربعاء الماضي، ثم التقت بالرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي وجه الحكومة إلى ضرورة العمل على تنفيذ استراتيجية الدولة المصرية للنهوض بكل القطاعات على رأسها الخدمات وضبط الأسعار، بالإضافة إلى المحددات، التي حددها خلال تكليف الحكومة الجديدة.

وجاء المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء الخميس الماضي ليمثل مرحلة جديدة من تعامل الحكومة مع الشعب، وهو أن تكون هناك مكاشفة دائمة وتوضيح لتحركات الحكومة فى الملفات المختلفة مستهدفة قطع الطريق على مروجي الشائعات.

المؤتمر الذي لقى استحسان المواطن نظرًا لاستعراض رئيس الوزراء استهداف الحكومة الجديدة حل الملفات، التي كانت تمثل أزمة لدى المواطن خلال الفترة الماضية، ولا تزال تؤرق المصريين، وعلى رأسها الكهرباء والأسعار.

حرص الدكتور مصطفى مدبولي على عقد مؤتمر صحفي أسبوعيا وهو ما أشار إليه، خلال المؤتمر الصحفي، خطوة من الخطوات المهمة للحكومة الجديدة؛ لتقوية الثقة بين المواطن والحكومة كما تساهم فى بناء الوعي.

استعرض رئيس الحكومة كيفية اختيار أعضاء حكومته التي من المنتظر أن تعرض برنامجها على البرلمان - غدًا الإثنين 8 يوليو - للحصول على ثقة البرلمان وذلك وفق المادة 146 من الدستور.

الدكتور مدبولي أكد حرصه على اختيار كفاءات بالوزارة الجديدة تحقق تكليفات الرئيس السيسي، وأن الحكومة ستعمل على الحد من التضخم وضبط الأسعار، كما أن استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لأهمية التنمية البشرية والصناعة.

وأوضح أن استحداث وزارة الاستثمار لأهمية هذا الملف وتعظيم الصادرات المصرية.

كما أن ضم وزارة الخارجية والهجرة نظرًا لتداخل عملهما، بالإضافة إلى استحداث مجموعات وزارية متخصصة تجمع عددًا من الوزراء.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن التواصل المباشر مع المواطنين أبرز توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة، بالإضافة إلى عقد مؤتمر أسبوعي للاستماع لوجهات النظر والآراء المختلفة.

وأكد أنه تم العمل لتدبير الموارد الدولارية لحل أزمة انقطاع الكهرباء وأن دمج وزارتي البترول والكهرباء كان مطروحًا فى هذه المرحلة.

وأشار إلى أن رئيس الجمهورية وجه الحكومة بحل مشكلة العُملة بصورة نهائية.

كما أن غلق المحلات جزء من سياسة ترشيد الطاقة؛ لمواجهة أزمة قطع الكهرباء.

وأكد أنه بعد أزمة الكهرباء وضعنا خطة لتأمين الاحتياطي الاستراتيجي فقد تم توفير 1.2 مليار دولار لحل أزمة الكهرباء خلال الفترة المقبلة.

وطالب رئيس الحكومة الإعلام قائلا: «اعطوا فرصة للوزراء الجدد للعمل ثم احكموا».

وكذا تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي لمنع التلاعب ووصول الدعم لمستحقيه.

حديث رئيس الوزراء رد على العديد من التساؤلات، التي سادت الشارع المصري ومواقع التواصل الاجتماعي، التي سيطرت عليها الشائعات على مدار الـ24 ساعة عقب حلف الحكومة اليمين الدستورية.

واستغلت خلالها بعض القنوات التابعة للتنظيمات الإرهابية المستهدفة للدولة المصرية لترويج الأكاذيب حول فلسفة دمج الحكومة لعدد من الوزارات واستحداث وزارات أخرى.

(1)
لأن الدولة المصرية هي رمانة الميزان للمنطقة وجوهرة التاج وعمود الخيمة للمنطقة العربية، فهي هدف دائم أمام قوى الشر، الأمر الذي يستوجب علينا أن ندرك حجم ما تواجهه الدولة من تحديات خلال تلك المرحلة، يتطلب وعيًا قويًا فى مواجهة عاصفة التضليل.

كما أن على الحكومة مواصلة العمل وفق منهج المكاشفة، الذي وعدت به؛ بعقد مؤتمر صحفي أسبوعيًا، وأن يكون الإعلام شريكًا حقيقيًا لنقل الصورة إلى المواطن.

ولأن الحكومة الجديدة تواجه مجموعة من التحديات والمشكلات فعليها أن تمتلك حلولا غير تقليدية لحل تلك المشكلات بشكل جذري، فى ظل وجود هذا الكم من التحديات.

فعلى سبيل المثال، هناك تطورات عالمية وإقليمية سيكون لها تأثير كبير على الأوضاع الاقتصادية فى ظل ارتفاع تكاليف النقل البحري نظرًا لتطورات الأوضاع فى جنوب البحر الأحمر وارتفاع تكلفة التأمين التي بلغت من 5 إلى 10 أضعاف ضمن ثلاث حزم تأمينية هي «تأمين على هيكل السفينة أي ضدّ الأضرار، التي قد تلحق بها، وتأمين على شحناتها، وأخيرًا تأمين (الحماية والتعويض)، الذي يتضمّن تغطية غير محدودة للأضرار التي قد تلحق بأطراف أخرى.

الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة من الخارج والعابرة للبحر الأحمر.

فى الوقت الذي يستوجب على الحكومة مواصلة ملف الإصلاح الاقتصادي، وهنا لا بد من التحرك السريع لدى الحكومة الجديدة وتحقيق قفزات حقيقية كبرى فى ملف الصناعة لتقليل فاتورة الواردات وزيادة حجم الصادرات مما يقلل من الضغط على العُملة الأجنبية، وتزداد مواردها بزيادة الصادرات.

إن ملف الصناعة يعد من أهم الملفات التي يجب على حكومة مدبولي الثانية أن تدرك أنها ستساهم بشكل كبير فى توفير فرص العمل وزيادة الصادرات وتحقيق نمو اقتصادي يؤثر بشكل كبير على قدرة الدولة على تنفيذ رؤيتها الاستراتيجية وتحقيق طموحاتها المستقبلية.

لقد استطاعت الدولة المصرية أن تنجز خلال الفترة الماضية أكبر شبكة بنية تحتية لتوفير مناخ جاذب للاستثمار الصناعي، ووفرت العديد من الفرص الصناعية، وأصبح على الحكومة الجديدة أن تحرك بشكل أكثر تأثيرًا لجذب العديد من الاستثمارات والاستفادة من ثقة الدول الكبرى فى مناخ الاستثمار فى مصر نظرًا لاستقرار الأوضاع فيها.

لقد حرص الشركاء الأوروبيون، خلال مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي خلال الأسبوع قبل الماضي على توقيع 29 اتفاقية بقيمة إجمالية تبلغ 49 مليار يورو.

شملت الاتفاقيات مختلف القطاعات الاقتصادية، بما فى ذلك البنية التحتية والطاقة، الزراعة، الصناعة، الخدمات.

الأمر الذي يستوجب على الحكومة الجديدة مواصلة العمل؛ لتفعيل تلك الاتفاقيات على أرض الواقع ليكون لها الأثر الإيجابي على الاقتصاد المصري.

وإذا كان ملف الصناعة من الملفات المهمة فى ظل التحديات المتعاظمة نظرًا لتوترات الأوضاع العالمية؛ فإن ملف الزراعة من الملفات المهمة أيضًا ويجب أن تكون الحكومة الجديدة أكثر إدراكًا من السابقة أن حالة استقرار الأسعار ترتبط بملف الزراعة، فهو المسئول بشكل كبير عن توافر الغذاء.

ولأن أسعار الغذاء قد شهدت ارتفاعًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة وكانت الأسباب ما بين قلة العرض وحرص البعض من تجار الأزمات على تحقيق أكبر قدر من الأرباح.

يأتي الشق الأول من الأزمة ليلقي بتبعاته على وزارة الزراعة، فرغم زيادة حجم الرقعة الزراعية بإضافة أكثر من 3.5 مليون فدان خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن ذلك لم يطفئ لهيب الأسعار رغم أنه ساهم بشكل كبير فى مواجهة أزمة توافر المواد الغذائية خلال فترة توقف سلاسل التوريد العالمية.

الأمر الذي يستوجب على وزارة الزراعة إيجاد حلول غير تقليدية لمواجهة الأزمة خاصة مع اتجاه الوزارة للتصنيع الزراعي، وحرصها على التوسع فى هذا النشاط الذي يحقق عائدًا اقتصاديًا أعلى وقيمة مضافة للإنتاج الزراعي.

لكن يبقى المواطن ومواجهة الأسعار وهنا لابد من أن تقوم الحكومة الجديدة بتوفير أراضٍ لشركات التصنيع الزراعي للقيام بزراعتها بالمحاصيل التي سيجرى عليها التصنيع، فتخفف تلك الشركات من الضغط على المعروض من المنتجات الغذائية، مما يكون له أثر إيجابي على أسعار السلع الغذائية فى الأسواق، وهناك تجربة قديمة فى هذا الأمر وهي مزارع قها وإدفينا التي كانت تمد الشركتين بالمنتجات الزراعية التي يتم تصنيعها.

كما أن على وزارة الزراعة البحث فى ملف تعثر إحلال السلالات الحيوانية الأكثر إنتاجًا للحوم والألبان، بدلا من السلالات المحلية، لزيادة المعروض منها، خاصة أن الملف تعثر فى عهد الحكومة السابقة ولم نتعرف على أسباب تعثره وتضاربت الآراء فى ذلك الشأن.

(2)
يأتي ملف التنمية البشرية والاهتمام بالإنسان إحدى أولويات الحكومة الجديدة، فى ظل تحقق إنجازات خلال الفترة الماضية فى ذلك الملف فى قطاعات الصحة والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي، إلا أن ما تحقق لا يزال لم يصل إلى المستهدف لمشروع بناء الإنسان الذي أطلقه الرئيس عقب أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان فى عام 2018.

فلا يزال ملف تطوير التعليم من الملفات المهمة فى ظل إطلاق مصر للمشروع القومي لتطوير التعليم وتحقيق العديد من النجاحات فى ذلك الملف، لكنه واجه مجموعة من التحديات التي تتطلب من الحكومة الجديدة مواجهتها واستكمال المشروع.

كما أن ملف الصحة من الملفات المهمة خاصة استكمال مشروع التأمين الصحي الشامل، وكذا المشروع القومي لتطوير صناعة الدواء ومشروع تصنيع مشتقات البلازما، الذي يعد أحد أهم المشروعات الخاصة بالتصنيع الدوائي والأكبر فى الشرق الأوسط وأفريقيا.

وكذا تطوير منظومة الخدمات الصحية وفق رؤية مصر 2030، من تطوير للمستشفيات ومؤسسات الرعاية الصحية.

إن ملف بناء الإنسان من الملفات ذات الأولوية لدى الدولة المصرية وهو ما ستواصل الحكومة الجديدة العمل عليه.

كما يعد ملف الأمن القومي من الملفات المهمة، التي تضعها الدولة المصرية فى مقدمة الملفات التي يتم العمل عليها نظرًا لما تواجهه المنطقة من اضطرابات وتهديدات، الأمر الذي يجعل من ملف الحفاظ على الأمن القومي المصري أولوية للحكومة المصرية.

لقد جاء تشكيل الحكومة الجديدة يحمل معه طموحات وآمال الشعب المصري فى أن تستطيع مواجهة المشكلات المختلفة فى العديد من القطاعات وكذا النهوض بالدولة، ورفع مستوى معيشة المواطن، وتوفير فرص العمل، والسيطرة على الأسعار، وهو ما ستعرضه الحكومة أمام البرلمان الإثنين القادم للعمل عليه خلال الفترة المقبلة.

الهاربون من عنبر العقلاء!!
يبدو أن قدرنا يجعلنا عُرضة للهاربين من عنبر العقلاء، فى مستشفيات الأمراض العقلية، من أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية، فالمتولي لحقيبة الثقافة، لا يدرك أن ما يدلي به من تغريدات عبر موقع X للتغريدات القصيرة في ذلك الفضاء الأزرق ليست سوى أضغاث أحلام لابد أن يفيق منها حتى لا يجد نفسه فى موقف لا يحسد عليه بالبيجامة الكاستور.

أضف تعليق